الإنتخابات الرئاسية والفرض المستحيل

الإنتخابات الرئاسية والفرض المستحيل - د. ناصر محمد ناصر

لنفترض جدلاً لغرض التحليل، رغم استحالة الفرض، أن مرشح اللقاء المشترك فاز في الانتخابات الرئاسية القادمة، فالسؤال هو: هل سيتمكن، رغم كفائته، من إدارة الدولة و ممارسة صلاحياته الدستورية والقانونية؟ للإجابة على هذا السؤال دعونا ننظر في الآتي:
إن مركز القوة في النظام اليمني هي المؤسسة العسكرية، وتاريخ اليمن المعاصر منذ عام 1918 هو تاريخ المؤسسة العسكرية، وكل التغييرات التي حدثت في هذا البلد ابتداءً من عام 1948م وحتى عام 1978م كانت بفعل وقيادة المؤسسة العسكرية. وغياب التغيير منذ عام 1978م كان بفعل تغييب المؤسسة العسكرية، هذه ليست وجهة نظر يمكن الإختلاف حولها وإنما هي وقائع تاريخية حدثت في الزمان والمكان وليس بوسع أحد إنكارها أو تجاهلها أو القفز عليها. والثابت الآن أن المؤسسة العسكرية سيطر عليها من قبل أقطاب الأسرة والكل يعرف من يدير الحرس الجمهوري، ومن يدير الفرقة الأولى، ومن يدير سلاح الطيران ومن يدير قوات الأمن المركزي، فهم جميعاً ومن هم في مواقع أدنى منهم، من داخل إطار الأسرة أو من داخل العشيرة، فكيف سيستطيع رئيس آخر من خارج اطار الأسرة ان يقوم بعمله وبمهامه الدستورية وهو محاط بأقطاب الأسرة الذين يحتكرون موقع القوة والسيادة في النظام؟ إن هذا هو المستحيل عينه، فإما أن يكون الرجل أداة في أيديهم أو أن يتم تجميده وتهميشه أو يتم تصفيته، هذا فرضاً إن وصل، لكن الواقع يؤكد أنه يستحيل أن يصل إلى كرسي الرئاسة شخص آخر من خارج إطار الأسرة طالما بقيت الاسرة ممسكة بزمام المؤسسة العسكرية حتىلو وصلت شعبيته إلى 100٪_.
إن المجتمع المدني في اليمن وفي المنطقة عموماً مازال جنينياً وليس بوسعه في هذه المرحلة موازنة قوة منظمة كالمؤسسة العسكرية، وأقصى مايمكن عمله في هذه المرحلة من قبل المعارضة إبقاء حالة الإحتقان قائمة واستثمارها في إدارة مفاوضات طويلة الأمد تستهدف حلحلة المشكلات الحقيقية للنظام السياسي، وهو ما فرطت فيه المعارضة.
إن هناك قفز على الواقع من قبل المعارضة، إذ ما كان لها أن تفاوض على نزاهة أو عدم نزاهة العملية الإنتخابية من حيث الأساس، بل كان ينبغي لها أن تفاوض على المعضلاتالحقيقية التي تعتور بنية النظام السياسي وهي كالآتي:
1 - فك الإرتباط بين الأسرة والمؤسسة العسكرية لتحويلها من أداة مستلبة لخدمة اسرةإلى مؤسسة وطنية تعمل بمعياري الخبرة والكفاءة وتشغل مواقعها من قبل جميع أبناء الوطن دون تمييز.
2 - إجراء تعديل دستوري يحيل النظام القائم والمهيمن عليه من قبل الأسرة إلى نظام برلماني كامل يسفر عن إيجاد حكومة منتخبة وخاضعة لرقابة برلمانية فاعلة.
وبدون ذلك يستحيل إجراء أي انتخابات رئاسية أو برلمانية تسفر عن تغييرحقيقي، كما يستحيل إيجاد ديمقراطية، أو حتى تنمية قبل فك ذلك الإرتباط الذي يشكل الرحى التي تدور حولها العملية السياسية برمتها وكل ما يترتب عليها من نتائج سياسية واقتصادية واجتماعية. إن طريق التغيير بينة واضحة إلا أنها من الصعوبة بمكان، والمعارضة تخدع نفسها الآن وتأبى إلا أن تسير في الطريق السهل ولكنه طريق تجاهل معطيات الواقع الذي يقود إلى الهاوية، وستكتشف يوماً ما أنها قد ضلت الطريق وأن عليها العودة إلي الطريق القويم، الذي تصر على تجاهله الآن، ولكن بعد فوات الأوان.