محاولة لفهم شروط الترشيح لرئاسة الجمهورية ورفض طلب البيضاني للترشيح

محاولة لفهم شروط الترشيح لرئاسة الجمهورية ورفض طلب البيضاني للترشيح - د. محمد علي السقاف

يعود الفضل إلى الدكتور عبدالرحمن البيضاني حين أصر أن يكون قرار رفض هيئتا رئاسة مجلس النواب والشورى طلبه في الترشيح لرئاسة الجمهورية قراراً مسبباً بدلاً من أكتفائها بإبلاغه شفوياً بأسباب الرفض.
وحسناً فعلت هيئتا مجلسي النواب والشورى بتقديم تفسيرها لأسباب رفض الطلب وفق البيان الذي أصدرته الهيئتان والمنشور في صحيفة «الثورة» بتاريخ 21 يوليو 2006م.
أقول إن الفضل يعود للدكتور البيضاني بإستنكاره لرفض طلب ترشحه بأن اتاح ذلك لي كرجل قانون وعلوم سياسية للاطلاع على حيثيات قرار الرفض والتبريرات له من قبل هيئتي رئاسة المجلسين، مما جعل المرء يعود إلى الشروط الدستورية التي وضعها الدستور اليمني لكل مواطن يريد ترشيح نفسه لمنصب رئيس الجمهورية. قبل الشروع في تحليل الشروط الدستورية للترشيح لمنصب رئاسة الجمهورية وتطبيقها على مرشح الرئاسة الدكتور البيضاني يجدر بنا أولاً فهم مصدر بعض الشروط التي وردت في نص المادة (107) من الدستور النافذ نتاول بعدها في ثانياً عن مدى سلامة موقف هيئتي رئاسة مجلس النواب والشورى من عدمه في تطبيقها للشروط الواردة في المادة (107) من الدستور على وضع الدكتور البيضاني.
أولاً: شروط تقييد الترشيحات لرئاسة الجمهورية مصدرها تشريعات ال «ج.ع.ي».
ينسى البعض أن تشريعات الجمهورية اليمنية هي نتاج عملية توفيقية بين نظامين تشريعيين متناقضين ومتعارضين في اغلب الاحوال بين النظامين السياسيين السائدين حينها في الشمال والجنوب قبل قيام دولة الوحدة المباركة وبعد حرب صيف 1994. أعيد استنساخ نصوص دستور ج.ع.ي لعام 1970 وبعض قوانينها إلى تشريعات الجمهورية اليمنية برغم الحظر الصريح بذلك في المادة العاشرة من اتفاقية الوحدة الاخيرة بتاريخ 22 مايو 1990 التي قضت بأن «تعتبر المصادقة على هذا الاتفاق ودستور الجمهورية اليمنية من قبل مجلسي الشورى والشعب ملغية لدستوري الدولتين السابقين.
1 - بخصوص شروط انتخاب قمة السلطة التنفيذية.
في ج. ع. د. ش، نص دستور عام 1978، في المادة (7) بجواز انتخاب كل مواطن لمجلس الشعب الاعلى إذا كان قد بلغ سن الرابعة والعشرين في يوم الانتخابات، وقضت المادة (79) من الدستور بأن ينتخب مجلس الشعب الأعلى في اول اجتماع له من بين اعضائه رئيس واعضاء هيئة رئاسة مجلس الشعب الأعلى.. وحدد من جانبه قانون انتخابات مجالس الشعب رقم (9) لعام 1989 في المادة (15) بحق الترشيح لكل مواطن يمني ذكراً أو أنثى بلغ يوم الانتخابات سن الرابعة والعشرين من عمره لعضوية مجلس الشعب الاعلى.
اذن ووفق هذين النصين من الدستور وقانون الانتخابات يشترط فقط ان يكون المرشح مواطناً يمنياً، سواء كان ذكراً أوأنثى من جهة ومن جهة اخرى لم يضع شروطاً بأن يكون من ابوين يمنيين، أو ان لا يكون اوتكون متزوجاً من اجنبية او اجنبي!!
ومثل هذه النصوص هي المعمول بها في دساتير الدول الاوربية مثل فرنسا والمانيا، بان يكون المرشح فرنسياً أو ألمانياً دون تمييز حتى بين الفرنسي الاصل او المتجنس وهو الشيء نفسه لم يجر التمييز بين المواطن اليمني الأصل والمتجنس على مستوى قانون الانتخابات في ج.ي.د.ش، بعكس تشريعات ج.ع.ي.
< في «ج.ع.ي» برغم المجموعة الكبيرة من الدساتير والاعلانات والقرارات الدستورية التي عرفها اليمن الشمالي في الفترة ما بين 1962-1979، حيث صدرت خلال هذه الحقبة القصيرة زمنياً كدساتير (مؤقتة ودائمة) و9 إعلانات دستورية و3 قرارات دستورية لم ترد نصوص مقيدة إلا في الدستور الدائم لعام 1964، والدستور الدائم الثاني من نوعه لعام 1970. حيث قضت المادة (63) من دستور 1964 بأن يشترط في من ينتخب رئيساً للجمهورية بأن يكون يمنياً من ابوين يمنيين، اضافت اليهما المادة (75) من دستور 1970 شرطين آخرين حيث اشترطت في من ينتخب رئيساً أو عضواً للمجلس الجمهوري ان يكون من ابوين يمنيين. محافظاً على الشعائر الاسلامية وألا يكون متزوجاً أو يتزوج اثناء مدة رئاسته او عضويته من أجنبية.
ويلاحظ هنا أنه في ظل حكم العسكر في الفترة 1962 -1964، لم ترد تلك الشروط، ولم يبدء بها الا دستور 1964 بتأثير القوى المحافظة والتقليدية بعد مؤتمر عمران لعام 1963، لتزداد تقييداً على أثر «انقلاب» 5 نوفمبر1967 الذي ازاح بالرئيس السلال من السلطة وتولى القاضي عبدالرحمن الارياني حملة الذي اصبح اسير القوى التقليدية حين اضافت المادة (75) من دستور 1970 إلى شروط ان يكون الرئيس من ابوين يمنيين ان يكون ايضاً محافظاً على الشعائر الاسلامية، وان لا يكون متزوجاً أو يتزوج اثناء مدة ولايته من اجنبية.
2 - بخصوص الحقوق السياسية للمتجنسين.
لم يميز دستور وقانون النتخابات ج.ي.دش. بين اليمني الأصل واليمني المتجنس بعكس تشريعات ج.ع.ي حيث لا يحق للمتجنس الانتخاب إلا بعد مضي 5 سنوات من حصوله علىالجنسية اليمنية وفق قانون الانتخابات رقم (8) لعام 1975، رفعت هذه المدة إلى الضعف 10 سنة بموجب القانون رقم (29) لسنة 1980، لتصل إلى 15 سنة في ظل دولة الوحدة ذات التوجه الديمقراطي وفق قانون الجنسية اليمنية رقم (9) لسنة 1999!!
انطلاقاً من هذه المفاهيم المحافظة والمقيدة لتشريعات ال «ج.ع.ي» اخذ دستور الوحدة باشتراطه لمرشحي مجلس الرئاسة بأن يكون من والدين يمنيين، وأن لا يكون متزوجاً من أجنبية اضيفت بعد حرب 1994 شرط الحفاظ على الشعائر الاسلامية التي نصت عليها بعض دساتير «ج.ع.ي» وقوانين انتخاباتها.
ثانياً: الجدل حول شروط الترشيحات للرئاسة بين البيضاني وهيئتي رئاسة المجلسين.
كرد فعل على تصريحات الدكتور البيضاني لرفض هيئتي رئاسة مجلس النواب والشورى طلبه للترشح أصدرت هيئتا الرئاسة بيانهما المشار إليه أعلاه ذكرت فيهما بالشروط الدستورية والقانونية التي ينبغي توفرها في المتقدم بطلب الترشح لمنصب رئيس الجمهورية وهي:
1 - أن لا يقل عمر المتقدم عن 40 عاماً.
2 - أن يكون من أبوين يمنيين (والنص الصحيح في التعبير أن يكون من والدين يمنيين كما ورد في الدستور).
3 -....... و4-...... 5- ألا يكون متزوجاً من أجنبية.
6 - أن يكون مسجلاً في جدول الناخبين.
وأكدت هيئتا رئاسة مجلس النواب والشورى أن اعضاءهما لم يجدوا في ملف الدكتور البيضاني أية وثيقة شرعية وقانونية تثبت ان والدته يمنية «واعربت الهيئات عن أسفها للجوء الدكتور البيضانى إلى التعاطي الاعلامي في قضية لا يمكن معالجتها إلا في اطار الاحكام الواضحة للدستور والقانون». قبل تناول صلب للموضوع الخلافي تشير بعجالة إلى الملاحظات التالية:
- رفض الهيئتان التعاطي الاعلامي للقضية وكأننا في فترة العهد الشمولي وليس من حق المواطن معرفة كامل التفاصيل حول مرشحي الرئاسة لأخطر منصب في تركيبة المؤسسات الدستورية.
- إشارة البيان إلى الأحكام الواضحة للدستور والقانون بخصوص شروط الترشح للرئاسة.
إذا كانت الشروط الخمسة الأولى قد اوردها فعلاً الدستور في المادة (107)، إلا أن القانون وهنا المقصود به قانون الانتخابات العامة لم يذكر اطلاقاً ناهيك عن الدستور الشرط السادس الذي ورد في البيان وهو ان يكون المرشح مسجلاً في جدول الناخبين، فمن اين اتت الهيئات بهذا الشرط؟ أليس هذا الشرط هو تكرار لنفس الخطأ الذي وقع فيه بيان هيئة رئاسة مجلس النواب الصادر بتاريخ 3يوليو1999 لانتخابات الرئاسة الماضية حين اشترط ان يكون طالب الترشيح حائزاً على البطاقة الانتخابية وانتقادنا حينه. هذا الشرط في مقالنا لصحيفة «الشورى» بتاريخ 18/7/1999 (العدد 323) لأن ذلك الشرط لم يرد لا في الدستور ولا في قانون الانتخابات وهيئة رئاسة المجلس ليست سلطة تشريعية بحد ذاتها في خلطها بين مجلس النواب كسلطة تشريعية، وبين هيئة رئاسته، فما بال الحال يتكرر الخطأ نفسه من جديد مضافاً إليه ممثلي مجلس الشورى غير المنتخبين في هيئتي رئاسة المجلسين الذين كمجلس بأكمله ليست لديه صلاحيات للتشريع، فمن اين استمدت الهيئات هذا الشرط الواضح حسب تعبير بيانهما؟
- الشرط الدستوري للترشح بأن يكون مقدم الطلب محافظاَ على الشعائر الاسلامية، والمنقول نصاً من دساتير «ج.ع.ي» خاصة من دستور 1970 من مشروع معرفة آلية والمعايير التي استخدمتها الهيئات للمجلسين لفحص مدى تلبية مقدمي طلب الترشح لهذا الشرط وهل يكتفي بتلبية هذا الشرط عند الترشح ام يستمر في التأكد من وفاءالمرشح له بعد انتخابه اسوة بالشرط الدستور الاخر بأن لا يكون متزوجاً من اجنبية والا يتزوج أثناء مدة ولايته. هذا الشرط الاخير لم يميزه الدستور كشرط رئيسي، مقارنة بشرط الحفاظ على الشعائر الاسلامية اثناء التقدم بالطلب واثناء مدة الولاية. لماذا يمكن تغليب شرطي التزوج من اجنبية وان يكون الوالدين يمنيين على حساب شرط الحفاظ على الشعائر الاسلامية، هل يمكن وضع «مُطوَّع» وراء كل رئيس منتخب أم كيف يمكن التحقق من استيفاء هذا الشرط؟ ام ان الدستور وضع تصنيف بين الشروط الاساسية والشروط الفرعية؟
بخصوص شرط أن يكون المرشح من والدين يمنيين. يلاحظ هنا أيضاً أن الدستور لم يفرق في خصوص جنسية الوالدين بين ما إذا كانت جنسية اصلية أو عن طريق التجنس؟ والنقطة الرئيسية التي اعترضت عليها الهيئات هي تحديداً فيما يتعلق بجنسية والدة الدكتور البيضاني عما إذا كانت يمنية ام لا. في رد فعل الدكتور البيضاني اشار إلى أن والديه يمنيان وكذا زوجته، ولست هنا في موقع لمعرفة تفاصيل ابعاد هذه القضية لكن ما أعرفه حسب كتب التاريخ وما يؤكده الدكتور البيضاني نفسه أنه شغل عدة مناصب هامة بعد قيام الثورة مباشرة منها مناصب نائب ر ئيس مجلس قيادة الثورة ونائب رئيس الجمهوري. السؤال هنا ماذا كان سيحدث إذا تم اغتيال الرئيس عبدالله السلال في بداية الثورة ألم يكن من المتوقع دستورياً على الأقل أن يحل محله الدكتور البيضاني كرئيس للجمهورية، وأن يخلق ذلك مفارقة خطيرة أنه كان بإمكان تولي منصب رئيس الجمهورية بحكم منصبه كغائب الرئيس في فترة العهد الشمولي حسب التعابير الحالية لتلك الفترة، ولا يستطيع في ظل الديمقراطية الشكلية الحالية ان يحظى ملفه للعرض حتى على جلسة التزكية ويستبعد مبكراً أليس في ذلك كوميديا سيئة الاخراج ذات طابع سياسي فاضح؟
هل من الأفضل قبول مرشحين للرئاسة حاملي مؤهلات عالية وخبرة دولية من قبول مرشحين ربما البعض منهم لا يحمل حتى الشهادة الابتدائية، مما يجعل من منصب الرئاسة في حالة فوز مثل هؤلاء المرشحين الموقع الوحيد في اليمن الذي تجعل فيه المتقدم للمنصب حصوله على الابتدائية، وتكون مؤهلاته الوحيدة انه من ابوين يمنيين، وغير متزوج بأجنبية، هل هذه مؤهلات تصلح لمرشح رئيس دولة في القرن الواحد والعشرين؟
أليس من المفترض أن يكون مرشحو الرئاسة من حملة الثانوية على الأقل لرئاسة دولة في عالم معقد وقضايا متشعبة لا يكفي فيه إحاطة المرشح الفائز بأفضل المستشارين لأنه في حالة تعارض أراء المستشارين، عليه حسم احد الرأيين والأخذ بها وهذا يتطلب حداً أدنى من التأهيل والثقافة والمعرفة فهل يمكن وضع مثل هذا الشرط مستقبلاً بدلاً من مشاهدة عدد كبير من المرشحين الأميين على شاشة التلفزيون اليمني؟