بدأت نشاطها قبل أكثر من عام وأرسلت العشرات إلى السجن.. "هيئة الأمر بالمعروف" فرضت "قوانينها" على الحديدة وتعمل خارج الدستور

بدأت نشاطها قبل أكثر من عام وأرسلت العشرات إلى السجن.. "هيئة الأمر بالمعروف" فرضت "قوانينها" على الحديدة وتعمل خارج الدستور - نبيل سبيع

تصاعد، في الأسابيع الماضية، سباق التحذيرات بشأن تأسيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، في وقت كانت هذه الهيئة قد بدأت أنشطتها بالفعل واقفةً على قدمين ثابتتين منذ أزيد من عام.
لم يطالب رجال الدين المتشددون الرئيس صالح بالهيئة خلال لقائهم به، أول أيام مايو الجاري إلا بعد أن أصبحت مدينة الحديدة في قبضة «المحتسبين» أو «هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» كما يطلقون على أنفسهم منذ بداية نشاطهم مطلع العام الماضي.
وفي حين تبنت وسائل الاعلام، على اختلاف طيفها السياسي، هجوماً ضد فكرة إنشاء هذه الهيئة مستنكرة الدعوة لها من حيث المبدأ، كانت «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» تطفئ شمعتها الأولى في الحديدة.
أبعد من ذلك، توجت الجماعة عامها الأول بفرض قانونها الخاص على مسارات الحياة داخل المدينة الساحلية وعلى حركة التنقل بينها وبقية محافظات الجمهورية.
وتبدو الحديدة اليوم منطقة خارج منظومة العمل بالقوانين اليمنية بشكل ملفت. فبالنظر إلى القوانين المفروضة فيها على حركة النساء وشكل الجماعة النافذة هناك، تقترب من صورة المدينة السعودية الخاضعة لسطوة هيئة الأمر بالمعروف النجدية الشهيرة، أكثر مما تفعله كمدينة يمنية.
بخلاف سائر محافظات البلاد، تفرض فنادق الحديدة قيوداً على استقبال المرأة دون محرم. بالمثل، تفرض شركة الرويشان للنقل الجماعي على الراغبات في السفر من وإلى الحديدة اصطحاب محرم. وفي فرزة «البيجوت» من وإلى المدينة أيضاً يسري القانون نفسه.
بدأ سريان هذه القوانين في الشهور القليلة الماضية بعد أن نجحت الجماعة في إحكام قبضتها على حركة «الأخلاق» في الشوارع، والتحكم بـ«واردات» و«صادرات» السجن المركزي هناك.
ابتداء من مارس 2007، شرع عدد من الشبان في فرض واقع جديد على مجرى الحياة والقانون في الحديدة. شكل هؤلاء الشباب ما يشبه نواة للجماعة. وقد كانت النساء العتبة المثلى لنقل مشروعهم إلى حيز التطبيق.
وعلى مدى عام، عملت الجماعة بدأب وبدون جلبة على تثبيت أقدام المشروع المستقبلي الذي لن تتم المطالبة به علناً سوى بعد مرور عام من ذلك التاريخ، وطبعاً بعد أن نجحت طلائع الجماعة في أرسال العشرات من النساء والرجال إلى بطن السجن المركزي في الحديدة على ذمة قضايا أخلاقية متفاوتة الدرجات.
«داوود الجني» إسم ربما سيكون عليكم أن تتذكروه جيداً من الآن وصاعداً. يقف هذا الاسم في موقع اللاعب الرئيسي الأبرز داخل جماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويجوب شوارع الحديدة نابشاً مخابئها الصامتة بجموح وسطوة.
إلى يمين ويسار «داوود الجني» البالغ 36 عاماً، يقف «بازي أحمد إبراهيم» (29 عاماً) و«محمد إبراهيم القليصي» (26 عاماً). وهذه هي الأسماء الظاهرة حتى الآن. ويبدو أن أصحابها هم قادة الجماعة الميدانيين.
تتضمن قائمة ضحايا «المحتسبين» حتى الآن 20 سجينة (بينهن فتاتان في ال14 وال16) و21 سجينْ. وحسب إحدى المحاميات الناشطات في مجال حقوق الانسان بالحديدة، فقد كان هؤلاء الثلاثة «وراء كل القضايا الأخلاقية من مايو 2007».
المحامية، التي فضلت عدم ذكر اسمها كي لا يؤثر ذلك على سهولة حركتها الحقوقية، تعمل في الدفاع عن السجينات ضمن مشروع حقوقي واسع تنفذه عدد من المنظمات.
وإذ أشارت إلى أنها وزميلاتها دائماً ما يلتقين «الجني» ورفاقه سواء في المحكمة أو خلال تنقلاتهن داخل المدينة، قالت إن معرفتهم بكونها محامية تجعلها بعيدة عن قبضتهم.
تمارس الجماعة انشطتها خارج القانون والدستور. فإلى جانب مخالفتها لسائر تشريعات وأعراف البلد عبر انتهاجها مبدأ «الحسبة»، ينهض نشاطها على جملة من الخروقات القانونية والدستورية الصارخة، حيث يقوم أعضاؤها -على سبيل المثال- بالإبلاغ عن ضحاياهم ثم بالشهادة ضدهم في المحكمة رغم أن «القانون، أي قانون في العالم، لا يسمح أبداً للشخص الذي أبلغ عن مخالفة جنائية ما بالوقوف أمام المحكمة لتقديم الشهادة، إذ أن الشخص المُبَلِّغ يعتبر خصماً» كما تقول المحامية.
ويتمتع أعضاء الجماعة بصلاحيات واسعة في التحرك الواثق داخل أروقة أجهزة القضاء والضبط (البحث الجنائي وأقسام الشرطة). وهذه السطوة تعكس نفسها بشدة ووضوح على الشارع والمجتمع سيما في مدينة ساحلية مسالمة كالحديدة لطالما تعاملت معها السلطات المتعاقبة على تاريخ البلد باعتبارها جداراً قصيراً والمنطقة الخاضعة دونما ردة فعل.
لكن هذا ليس أقصى ما وصل إليه نفوذ جماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. في الواقع، فإن نشاطها تعدى مسألة الخروقات القانونية والدستورية بمختلف درجاتها إلى تخويل أعضاء الجماعة القيام بدور الرقيب الاجتماعي والادعاء أمام القضاء وصولاً إلى سلطة الضبط، في جمع غير مسبوق بين مهام لا تلتقي.
 في مسودة مشروع الهيئة المقدمة من رجال الدين للرئيس صالح خلال اللقاء، آلية لضبط وردع «المخالفات الأخلاقية ومصادرها»، حسب تصريحات صحفية أدلى بها رجال الدين عقب لقاء الأول من مايو. وهذه الآلية شبه سارية، وإن بشكل أولي بسيط، في نشاط نواة الهيئة العاملة في الحديدة منذ عام.
التصريحات الصحفية المنشورة في صحيفة «الناس»، الاسبوع قبل الماضي، قدمت الهيئة باعتبارها حكومة نافذة داخل الحكومة. فهي ستضم 25 من رجال الدين «ومعهم خمسة أعضاء من ذوي المناصب التنفيذية منهم وزراء الثقافة والسياحة والإعلام وغيرها»، طبقاً لعضو الهيئة العليا في حزب الاصلاح حمود الذارحي.
يتحدث الأخير ورفاقه عن مشروع هيئة تتمتع بكل صلاحيات الضبط والردع. إلا أنهم لا يتورعون عن القفز إلى نفي التشابه بين مشروعهم والهيئة السعودية الشهيرة، مكررين أنهم بصدد مشروع لا يحمل إسم «هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» بل «الهيئة الوطنية لحماية الفضيلة والتصدي للمنكرات»! ما الفرق؟!
بين مشروع «الهيئة الوطنية لحماية الفضيلة..» والجماعة الناشطة في الحديدة منذ العام الماضي علاقة واضحة. ومن المرجح أن رجال الدين تعمدوا عدم التطرق إلى وجود علاقة بينهما من أي نوع تجنباً لأمور عديدة، قد يكون منها عدم لفت الانتباه إلى أن الخطوة الأخيرة تأتي في سياق خطة جاهزة لانشاء هذا الكيان بدأت العام الماضي في الحديدة باعتبار الأخيرة أكثر محافظة يمنية سهلة المنال.
عقب لقائهم بالرئيس صالح، كثف رجال الدين العمل والاعداد للمشروع، حسب معلومات متفرقة. وطبقاً لمصادر مؤكدة، فإن «داوود الجني» يتواجد منذ أكثر من أسبوع داخل العاصمة صنعاء في مهمة تتعلق بمشروع الهيئة المركزي و«فرعه» في الحديدة.
أغلب المؤشرات تؤكد أن مشروع الهيئة المعلن عنه مؤخراً ليس وليد لحظة قريبة. إنه يمتد إلى بدايات العام الماضي. وقد اختيرت الحديدة كبالونة أختبار أو عتبة أولى في انتظار اللحظة الحالية.
وفي تصريحات صحفية أخرى عقب اللقاء نفسه، إشارة من أحد رجال الدين إلى لقاء سابق جمعهم بالرئيس العام الماضي في عدن، وحديث عن خروج اللقاء الأخير بجملة اتفاقات ضمنها تفعيل العديد من المبادرات التي طرحت على الرئيس في لقاء عدن.
على ذلك اللقاء، ترتبت أمور عديدة. ومن المؤكد أن اغلاق مجموعة فنادق في الحديدة العام الماضي أتى في سياق نشاط جماعة الأمر بالمعروف هناك.
اللقاء الأخير بين الرئيس صالح ورجال الدين المتشددين بزعامة الزنداني أتى في لحظة رديئة من العلاقة بين واشنطن وصنعاء على خلفية انتقادات شديدة موجهة من الأولى إلى الثانية فيما يخص سير مكافحة الإرهاب في اليمن.
وأتت الانتقادات الأميركية متزامنة مع خطوات ديبلوماسية معلنة من طرف واشنطن في «تجميد» علاقتها بصنعاء. وتصاعدت مؤخراً درجة الانتقادات الموجهة إلى الأخيرة متضمنة تشكيكات حول مدى جديتها في تنفيذ التزاماتها بخصوص مكافحة الإرهاب.
لقد وفرت التفجيرات التي شهدتها صنعاء مؤخراً ونسبت إلى «القاعدة» نقطة ارتكاز ثاتبة للتشكيكات الاميركية حول جدية الموقف اليمني من الإرهاب.
ويستطيع موقف واشنطن المشكك في نوايا صنعاء تجاه الإرهاب الاستناد إلى اللحظة التي دوت فيها التفجيرات في محيط السفارة الأميركية وأماكن أخرى داخل العاصمة اليمنية. لِمَ لا وقد «قرر» تنظيم القاعدة في اليمن القيام بتفجيراته بعد اتخاذ واشنطن قراراً برفع دعمها السنوي المقدم لصنعاء ضمن برنامج مكافحة الارهاب.
الراجح أن باب دار الرئاسة الذي وجده الزنداني مفتوحاً أمامه لإبرام أتفاق «تحالف» مع الرئيس لم يكن باباً مفتوحاً فقط لدخول «حليف» مثل الزنداني، بل ربما كان باباً مفتوحاً أكثر لخروج رسالة من نوع ما إلى حليف غاضب وشديد اللهجة بحجم البيت الأبيض.
nabilsobeaMail