قضية المقالح.. القانون حين يهيمن الانتقام السياسي عليه!

قضية المقالح.. القانون حين يهيمن الانتقام السياسي عليه! - ماجد المذحجي

تبدو اليمن محلا أبديا للتناقضات وفق ما تُساق إليه أحوالنا باستمرار، ويصبح الاضطرار للتعايش مع هكذا وضع هو الفعل الذي تستنزف فيه جهودنا.
إن المآل الذي سارت به قضية محمد المقالح هي تكثيف رمزي لذلك، حيث تُعكس وظائف القانون، بشكل متعمد، ليصبح أداة للعسف لا الإنصاف! لقد تم تحويل قضية بسيطة، توصف قانوناًً بكونها إخلالا بنظام الجلسة، إلى عنوان عريض هو إهانة القضاء. وفي المسافة الفاصلة بين الواقعتين، أو التوصيفين القانونين، يوجد استعداد عدائي فعلي للنيل من المقالح وتحويله إلى ضحية القانون حين يهيمن الانتقام السياسي عليه.
لا يبدو هذا مسار خصومات شريفة في السياسة، حيث يُمكن للفرقاء السياسيين أن يختلفوا باطمئنان، وعلى اعتبار أن هناك ضمانات حقيقية يتوسط القضاء فيها بينهم لتسوية أي "اشتباكـ" باعتباره محكما نزيها ومتعاليا على السياسة. ففي هذا المسار الذي وضع به المقالح، السياسي الاشتراكي والكاتب الصحفي، كانت الدولة خصماً غير شريف اصطاد خطأ قانونيا، خطأ وليس جرما، لتعتمد عليه في تنكيل متصاعد وضع فيه المقالح بالحبس أولاً، ليمنع من الزيارة ثانياً، ويصار إلى نية زجه بالسجن لمدة طويلة قد تصل إلى السنتين أو الثلاث حسب العقوبة المقررة للاتهام الموجه له. هذا مخيف، وخصوصاً حين يتورط بعض أعضاء الجهاز القضائي في أدوار انتقامية تحرض عليها الخصومة السياسية ولا تقرها روح القوانين ونصوصها.
إن الجهاز القضائي عادةً هو محل التعويل على إنجاز العدالة وحماية الافراد والمجتمع من المظالم والانتهاكات، وفي عدم قدرته على القيام بهذه الوظائف ما يؤدي إلى عدم الاطمئنان لإمكانية الإنصاف والحصول على العدالة، وحين يحصل ذلك تنتفي الحاجة إلى المخاصمة المشروعة، المحروسة بالقانون، بين الأفراد وبعضهم، أو بينهم والدولة، ويتم استسهال اللجوء إلى تسويات ووسائل تحصل عبرها العدالة خارج قواعد المشروعية القانونية، وبدون الإقرار للدولة بشرعية تنظيم الخصومة واحتكار وسائل الجزاء. كما أن في تعرض استقلالية القضاء لأي تأثيرات، سياسية أو غير سياسية، تُعطل نزاهته ومسؤولياته القانونية والاخلاقية، ما يهدد موقعه المتميز في المجتمع كطرف تحكيمي نزيه، وتفقده سلطته على الناس واعتباره الرمزي بينهم.
لقد أصبحت قضية المقالح نموذجاً مثالياً لتحول العدالة إلى كيّال أعور، بالنسبة لكل شخص غير مؤيد بالعنف أو بالسلطة وتحالفات القبيلة وينتمي إلى اختيارات مدنية، حيث يتم تجاوز الرصيد الممتد من اعتداءات فعلية تمت على القانون والقضاء ونالت منه ومن كرامته، للوصول للمقالح وتحويله أضحية ضعيفة يُعاد عبرها الاعتبار لهيبة قضاء عجزت الدولة عن صيانته فعلياً.
 إن قضية المقالح، وقضية الخيواني، تفصحان عن كون النشطاء الحقوقيين والصحفيين والسياسيين المعارضين سيصبحون عرضة لافتراس السلطة بأنياب القانون، خصوصاً إذا أصبح باب القضاء الخلفي مفتوحاً على توجيهات غير مُعلنة، وعليه لن يصبح من السهولة حث المجتمع على التمسك بخيار القانون، حين يصبح حراس كلمته والقائمون عليه عرضة لأهواء السياسة وإكراه السلطة.
يحتاج القضاء إلى موقف شجاع ونزيه كالذي اتخذه القاضي محمد القاضي رئيس محكمة غرب الأمانة الخاص بقضية صحيفة "الوسط" ضد وزارة الإعلام، حيث استجاب القاضي إلى إكراه العدالة لا إكراه السلطة، وفي تكرار سلوك، وأحكام، كهذا سيعاد التقدير والثقة إلى هذه السلطة الاعتبارية المهمة في أوساط النخب والمجتمع. وعليه، فإن قضية محمد المقالح لا تحتمل الكثير ويجب اتخاذ التالي فقط: عدم تعريضه للتنكيل باسم القانون، وإطلاقة من سجنه فوراً ليشعر الجميع بأن للعدالة الحقيقية محلاً في هذه البلاد.
maged