بانتظار عدالة ربما تشرق الأربعاء

طبق إحدى مواد قانون العقوبات التي يحاكم بها الخيواني يجب أن تتغير مضامين المحاكمة جذرياً: على الصحفي الأعزل أن يغادر القاعة إلى منزله مطمئناً، وعلى المحكمة جلب 15 مسؤولاً ينهبون البلاد إلى قفص الاتهام

تمضي محاكمة الزميل عبدالكريم الخيواني إلى اللحظات الحاسمة. والأربعاء المقبل سيتعين على المحكمة الاستثنائية المتخصصة بقضايا أمن الدولة تقديم مختصر عن مستوى منسوب عداء السلطة للصحافة في اليمن.
من المهم الآن أن يغادر الخيواني قاعة المحكمة إلى منزله وزملائه رفقة البراءة بدلاً عن العسكر. إنه أمر يجب أن يحدث كي يستطيع المشتغلون بالصحافة الإمساك بسبب يدعو إلى ممارسة المهنة مع شيئ من الطمأنينة.
بحدوث النقيض واستمرار الانجرار وراء شهوة الانتقام حتى الفصل الأخير من المحاكمة، ستكون الصحافة في المواجهة تماماً مع المرحلة الأقسى والأصعب.
حينها ستصبح مزاولة وظيفة «المتاعب» ضرباً من المغامرة. وعلى الصحفيين الاستعداد لمنازلة جائرة مع القضبان وربما المشانق.
يدرك الجميع بما في ذلك السلطة أن الخيواني يتعرض للإيذاء لأسباب أخرى لاعلاقة لها بمسرحية «خلية صنعاء الإرهابية».
حتي الآن فإن التهمة الحقيقية للرجل لم تدونها السجلات الرسمية منذ شرعت السلطة في حياكة فصول الإنتقام.
«جريمة» الخيواني التي جلبت عليه المتاعب والنقمة «العليا» محاولته الاقتراب من بعض ما كان يعرف بالخطوط الحمراء.
لقد تبنى نشر ملفات صحفية عن أكبر مشكلتين، تبين حتى في تقارير رسمية أنهما سبب كبير لسوء الأوضاع في البلد: خطط توريث الحكم وممارسة المسؤولين للتجارة باستغلال مناصبهم بينهم أقرباء الرئيس صالح.
حدث ذلك عندما كان الخيواني رئيس صحيفة الشورى خلال عامي 2004، 2005، قبل أن يتم الاستيلاء على الصحيفة ومقر حزب إتحاد القوى الشعبية الذي تتبعه، من قبل مسلحين مدعومين من أجهزة حكومية منتصف 2005.
لقد تعرض لسلسلة إجراءات عقابية افتقدت لأي مسوغ سوى الرغبة في إنفاذ ارادة إستعراض القوة العارية على جثة صحفي أعزل.
حكم الخيواني بالسجن لمدة عام عقب محاكمة مستعجلة، وقضى من الفترة 7 أشهر خلف القضبان، فيما أغلقت الصحيفة لذات الفترة. أثناء ذلك تعرض لاعتداءات جسدية داخل السجن.
كان الرجل يدفع وحيداً ثمناً باهظاً من حريته، ودفعت أسرته ثمناً موازياً حيث سيطر الذعر على حياتهم.
ومع الخيواني صعدت الصحافة إلى مرتبة العدو رقم واحد بالنسبة للسلطة. وبدأ التحريض عليها بتسلل إلى القوات المسلحة وأفراد الأمن. بإنزال كل تلك العقوبات القاسية لم تنس السلطة الخيواني كعدو شخصي. ومضت في حشره ضمن أولوياتها الملحة على الدوام.
زيادة في التنكيل حيكت له قضية، وقدم للمحاكمة مع ما يسمى بـ«خلية صنعاء الثالثة» التابعة للحوثي.
كان إحالة القضية إلى محكمة «أمن دولة» تطوراً تصعيدياً لافتاً ضد الصحافي الخيواني، ومؤشراً لمرحلة جديدة جعلت ممارسة الصحافة واحدة من القضايا التي تعنى بها المحكمة.
لم يكن الخيواني الضحية للحرب الحكومية المستمرة ضده فحسب بل إن القوانين هي الأخرى كانت تداس بلا اكتراث.
على وقع توجيهات عليا اقتيد الخيواني بثياب نومه بعد اقتحام منزله من قبل مجموعة مسلحة، حيث روع أطفاله وتعرض للضرب. وعقب احتجازه في السجن لمدة شهر أثناء المحاكمة ومغادرته بكفالة بسبب اعتلال صحته، واجه اعتداء آخر، حيث تم اختطافه والاعتداء عليه بالضرب استمراراً لجولات إفراغ سخط وحقد لا ينفك يتعاظم.
في المحكمة بدت التهمة شاهداً للخيواني لا عليه. حتى ذلك الحشد الكبير للمواد والنصوص القانونية الذي ساقته النيابة بدا مرتبكاً ومفككاً ويفتقد للحرفية. الصبغة السياسية للمحاكمة كانت سبقت الخيواني إلى مقر النيابة حيث وجهت له تهمة «التخطيط لقلب النظام». انها تهمة واضحة المنبع ولا تحتاج إلى كثير نباهة لإدراك مسار محاكمة الخيواني. تهمة الانخراط في عصابة مسلحة لتنفيذ عمليات تخريب وقتل عسكريين تبدو مخيفة حين توجه من سلطة تقتات على الأزمات ومشبعة بالخطاب المؤامراتي. وحين تكون ساحة العدالة مصادرة لمصلحة الحاكم يصبح مصير المتهم مرتبطاً بمزاجه العكر.
 الخيواني الذي تحاول السلطة تصويره كرجل عصابات، لم تجلب في التهمة ما يفيد سوى أنه يحاكم كصحفي.
لو كان الخيواني في بلد آخر لحصل على جائزة صحفية بسبب تلك السيديهات -التي حصل عليها- و توثق بعض وقائع حرب صعدة.
إن صحفياً يستطيع إنجاز اختراق لحالة الحصار المطبقة على أي ساحة حرب، يصبح بطلاً. لكنه في اليمن يقتاد إلى السجن.
مع ذلك فإن النيابة أوردت قرينة تحتاج إلى قاض محترف وغير راضخ للضغوطات كي يقرر الحكم المناسب حيال صحفي يحاول ممارسة وظيفته. طبق الاتهام وإفادات المتهم الثاني في القضة فإنه نفى معرفته بالخيواني.
كل ما في الأمر أنه سلم تلك السيديهات لأنه سمع عن الخيواني أنه «صحفي يقول الحقيقة». وقول الحقيقة في كل العالم لا يقود إلى الزنازن.
فضلاً عن ذلك فإن دفوع محامي الدفاع المكون من أمهر المحامين: نبيل المحمدي، هائل سلام، محمد المداني لم يترك في إدعاء النيابةما يعتد به. ونسفه من الأساس ابتداءً بعدم قانونية الاجراءات وانتهاءً بالتهمة وبطلانها.
بالاستناد إلى مادة في قانون العقوبات أوردتها النيابة وطالبت بتطبيقها على الخيواني تذهب الصورة الذهنية لأي حاضر في القاعة إلى إعادة ترتيب شخوص القضية والمحاكمة على نحو جذري.
يتحدث النص عن عقوبة تشكيل عصابة مسلحة للسطو على أراضي الدولة أو الممتلكات العامة والخاصة. هذه المشكلة تحدث على نحو كثيف في اليمن وأبطالها في الغالب مسؤولون وعلى علاقة بالسلطة.
بناء على ذلك يجب أن يكون الكثير من عتاولة نهب الأراضي خلف قضبان هذه المحكمة. تلك هي الصورة التي يجب أن تتشكل في ساحة القضاء. لكن المادة التي صيغت منذ سنوات لم تستلها السلطة حتى الآن إلا في مواجهة صحفي.
مثلاً: كان المفترض أن تنشغل المحكمة بجلب 15 مسؤولاً من ناهبي الأراضي في المحافظات الجنوبية والشرقية إلي قاعتها ستكون الخطوة مبتدأ لإثبات جسارة التصدي للفساد. هؤلاء يهددون الوحدة بحسب التقرير الذي رفع إلى الرئيس منتصف العام الفائت وهو يعرفهم تماماً.
ليس جيداً للسلطة أن تترك كل تلك القضايا التي تسحق البلد لتتفرغ لتصفية خصومات شخصية مع صحفي. إن الأمر يصبح ملهاة سمجة وانصرافاً تاماً عما يجب أن تفعله السلطة حيال مشاكل البلد.
 على مدى أربعة أعوام من التنكيل بالخيواني بدت المسألة وكأنها تخص شخص الخيواني وحده ولا تمس حرية الصحافة بالمجمل.
أحزاب المشترك المفترض بها الذود عن مبدأ الحرية كشرط رئيس لوجودها، لم تنظر إلى قضية الخيواني أكثر من كونها فقرة مقتضبة مدرجة في بيان مفعم بالاستنكار.
تفعل الأحزاب ذلك دوماً بينما تستضيف السجون المزيد من المعتقلين، لن يكون الزميل محمد المقالح، والفنان فهد القرني آخر المنضمين إلى قائمة السخط.
أما نقابة الصحافيين فقد اثبت أداؤها أن صعود شخص مقرب من الرئيس إلى قيادتها، يصيب أي عمل بالوهن.
المفترض بشخص في موقع نقيب الصحافيين، أن يكون أكثر قرباً من قضايا اضطهاد الصحافيين.
ربما يقتضي الأمر التفرغ ولو لمرة واحدة لحضور محاكمة صحفي كنوع من التضامن وقياماً بالمسؤولية النقابية. لا ضير أن تسبب ذلك في التغيب عن مقيل الرجل الأول.
لا معنى للعمل النقابي حين يدار بثقافة «رعوية» ولا يكترث بما يجب حيال تكريس ثقافة مدنية وحقوقية ونقابية.
 عملياً لا يحتاج الخيواني الآن لنيل جائزة. إنه بحاجة إلى العودة إلى منزله برأس متخفف من كوابيس زوار غرف النوم. ثم إنه من الجيد أن يلتقي أطفاله دونما قلق أو خوف من مزاج معتل يفضل ممارسة القسوة بواسطة أدوات السلطة ضد صحفي كل رأس ماله دماغ ناشفة وقلم جاف.
الآن أمام القاضي فرصة كبيرة لوضع ألوان زاهيه تعيد الاعتبار إلى العدالة المقبوض عليها. ربما تشرق العداله الأربعاء المقبل. ذلك مرتبط بمدى الإشباع الذي حققه التنكيل بالخيواني لخصومه.
aziz-ziMail