حكم قضائي يعيد الاعتبار للحرية وينصف الصحافة

حكم قضائي يعيد الاعتبار للحرية وينصف الصحافة - ماجد المذحجي

بتاريخ 3 مايو 2008 أصدر رئيس محكمة غرب أمانة العاصمة الابتدائية، القاضي محمد بن محمد القاضي، حكماً بإلغاء القرار الإداري الصادر من وزير الإعلام بإلغاء الترخيص الممنوح لصحيفة "الوسط"، علاوة على تحميل وزارة الإعلام "مصاريف وغرامة التقاضي مبلغاً وقدره خمسون ألف ريالـ". ما هو محل التعليق هنا هو أهمية هذا الحكم في ما يخص حرية الصحافة، وكونه يتضمن تأصيلاً قانونياً وافياً في حيثياته ومنطوقه يوفر لمهنة الصحافة الاستقرار بعيداً عن أي تسلط إداري من وزارة الإعلام، وكونه أكد قاعدة قانونية، تم التحايل عليها بقرار الإلغاء لترخيص "الوسط"، تجعل أي خصومة بين الوزارة والصحف متروكة للقضاء، بما يحول من دون تعرض الصحف لأي تجاوزات من وزارة الإعلام التي "قد تكون قراراتها في هذا الشأن تعسفية" وفق حيثيات الحكم.
إن هذا الحكم القضائي أعاد الاعتبار لجوهرية حرية الصحافة، باعتبار "حرية الصحافة هي الأصلـ"، وقرر أن لها حرية أن تنشر ما تريد باعتبارها مسؤولة عنه قانوناً. وفي ذلك فإن أي شكوى تنتج من ممارسة الصحافة لوظائفها في إطار الحرية التي كفلها القانون فإن القضاء، وليست أي جهة أخرى، هو محل الفصل في هذا الشكوى.
لقد أوضح الحكم أن المسوغات القانونية التي توسلتها الوزارة في قرارها بإلغاء ترخيص "الوسط"، ليست محل نظر من المحكمة، لأن "القرار محل الطعن معيب بعدم الاختصاص" وبذلك فإن هذا العيب يعتبر كافياً "لإلغاء القرار المطعون فيه"، علاوة على كون "ممارسة وزير الإعلام لهذا الاختصاص دون سند من القانون وإصداره القرار الطعين يدمغه باغتصاب السلطة لما فيه من افتئات على سلطة جهة أخرى وصدوره ممن لا ولاية له في إصداره".
كما أكد أن أي ادعاءات تطلب من القضاء التحقق وإيقاع العقوبة في مخالفة الصحف للقانون يجب أن يكون في "سلوك الطريق المرسومة قانوناً"، دون أن يخول للوزارة أي حق سوى في "رفع الأمر إلى النيابة العامة المختصة لتتولى التحقيق ثم الرفع إلى المحكمة".
يُمكن الاطمئنان فعلياً أن هكذا مسار من الفعل القضائي يُعيد الانتصار لقيمة القانون في المجتمع، ويعزز من سلطة القضاء كجهة إنصاف مؤيدة بالنزاهة والاستقلالية والحياد بين المتخاصمين، علاوة على كونه يعزز من قيمة الحريات بعد اعتبارها أصلا وليست مجرد عارض يُمكن تجاوزه والتعسف بحقوق المتمسكين بحقوقهم فيها. وفي ذلك كله توفر استقلالية هذا الحكم القضائي معطى يُمكن الخيار الديمقراطي من الصمود على المستوى الوطني ويُمكنه من أسباب للنمو والثقة في مواجهة ثقافة الاستبداد والتسلط والسلوكيات القمعية المناهضة له.