"الوسط" و"الاحتكام إلى القضاء" - سامي غالب

"الوسط" و"الاحتكام إلى القضاء" - سامي غالب

المسؤولون في السلطة التنفيذية مطالبون بتوضيح مقصودهم من عبارة "الاحتكام إلى القضاء"، التي يطلقونها عقب أي إجراء إداري أو انتهاك يستهدف الحريات الصحفية.
بعد الانتهاك الجسيم الذي استهدف صحيفة "الوسط" المستقلة، قال كبار المسؤولين –وصغارهم أيضا– إن على ناشر "الوسط" الاحتكام إلى القضاء. كذلك قال وزير الإعلام خلال لقائه بوفد من نقابة الصحفيين برئاسة النقيب نصر طه مصطفى زاره في مكتبه في اليوم التالي لقراره الخطير بإلغاء ترخيص "الوسط".
ذهبت "الوسط" إلى ساحة القضاء لاسترداد حقها في الصدور. وقد انتصر القضاء للصحيفة ولحرية الصحافة في يومها العالمي (3 مايو)، وقرر فضيلة القاضي محمد القاضي، رئيس محكمة غرب العاصمة، إلغاء قرار الوزير واعتباره "عدما"، لأنه لا ينال من حرية الصحافة فحسب، وإنما أيضا، وأساسا، يعتدي على سلطة القضاء بما هو الجهة الوحيدة المخولة بإلغاء ترخيص صحيفة.
احتكم الزميل جمال عامر ناشر "الوسط" إلى القضاء، مسنودا من نقابة الصحفيين وتحالف واسع من المنظمات غير الحكومية، المدنية والحقوقية، واستحصل من القضاء على قرار اعتبرته نقابة الصحفيين انتصارا تاريخيا لحرية الصحافة في اليمن. لكن الحكومة أظهرت بعد يومين أن "الاحتكام إلى القضاء" لا يعني شيئا سوى إهانته. وقد وجهت وزارة الإعلام بعد 3 أيام من الحكم القضائي مذكرات إلى المطابع تحذرها من طبع "الوسط"، لأن الصحيفة ارتكبت مخالفات قانونية. أمُلت الوزارة في مذكرة وجهتها إلى مطابع المجد حيث تطبع "الوسط" أن تمتنع المطبعة عن طباعة أي عدد من صحيفة "الوسط" قبل تسوية أوضاعها القانونية.
ومن أسف فإن إدارة مطابع المجد رضخت لوعيد الوزارة، وامتنعت عن طبع الصحيفة كيلا تتخذ الوزارة إجراءات قضائية (وربما إدارية) بحقها.
قبل 3 أسابيع اعتدت الحكومة على اختصاصات القضاء عندما ألغت ترخيص "الوسط" ولاكت عبارتها الأثيرة: "احتكموا إلى القضاء". والآن فإن الحكومة تمارس سطوتها ضد القطاع الخاص ممثلا بمطبعة أهلية، موجهةً إهانة تاريخية للقضاء ردا على الحكم التاريخي للقاضي الذي فصل في دعوى "الوسط".
بكلمة واحدة فإن الحكومة مطالبة بالوقف الفوري للعدوان المستمر على صحيفة "الوسط"، وإلا فإن عليها أن تحوِّر قليلا في عبارتها المتبجحة لتصير هكذا: "لنحتكم إلى القضاء كي نهينه!".