صعدة: نسائم السلام تلاحق عواصف العنف

صعدة: نسائم السلام تلاحق عواصف العنف - محمد الغباري

عاد الهدوء الحذر إلى محافظة صعدة مع توقف ضجيج مروحية الطائرة التي أقلت فريق الوسطاء القطريين وهبطت في المطار الترابي للمدينة، لكن مهمة أعادت الأوضاع إلى ماكانت عليه قبل تعثر الوساطة على سفوح جبل عزان الذي يتحكم بمنطقتي «النقعة» و«مطرة» اللتين تضمان مركزاً لقيادة أتباع الحوثي يبدو أنهما ستكونان أكثر صعوبة.
 عند مغادرة فريق الوسطاء وبعدهم اللجنة الرئاسية، التي تم حلها قبل أسبوعين من الآن، مواقعهم في فندق رحبان بمدينة صعدة، ازدادت مخاوف السكان في المحافظة من تجدد المواجهات، إذ اندلعت اشتباكات عنيفة في مديرية «حيدان» بين قوات الجيش وأتباع الحوثي على مدى أسبوعين وأوقعت عدد من القتلى والجرحى من الجانبين قبل أن تتسع رقعة المواجهات إلى مديرتي، سحار و«منبه»، وتتوج بجريمة استهداف رواد مسجد «بن سلمان» في قلب المدينة والذي راح ضحيته نحو سبعين من المصلين بين قتيل وجريح.
وإذا كان عبدالملك الحوثي قد نفى لأكثر من مرة صلة أتباعه بحادثة المسجد، وتأكيد مراقبين على أن الحوثيين قد تجنبوا مثل هذه العمليات منذ بداية الحرب، إلا أن ذلك لم يفك لغز العملية إذا ما عرف أن الرجل الذي كان التفجير يستهدفه هو عسكر زعيل: الرجل القوي في صعدة؛ باعتباره مديراً لمكتب قائد المنطقة العسكرية الشمالية الغربية علي محسن الأحمر، وإلى جانب ذلك فهو خطيب للمسجد ويصفه الحوثيون بأنه متعصب مذهبي ويحرض على قتالهم.
الحادثة التي جاءت قبل ساعات من الموعد المقرر لعودة اللجنة الرئاسية الجديدة والتي أوكلت مهمة رئاستها للنائب علي أبو حليقة بعد أن عقدت عدة اجتماعات في العاصمة مع الجانب القطري الذي يرأسه سيف أبو العينين وكيل مساعد وزارة الخارجية ، ربما عجلت بعودة فريق الوسطاء إلى صعدة ودقت جرس إنذار بقرب اندلاع الحرب الخامسة لدى قيادة الطرفين. حيث رافق هذه العودة إنهاء مشكلة الاستيلاء على المجمع الحكومي في «منبه» من قبل أتباع الحوثي ومحاصرة قوات الجيش لهؤلاء داخل المجمع، وتوقف للمواجهات في مختلف المناطق، وقبول الطرفين بوساطة قبلية لتبادل جثث الضحايا.
صالح هبرة كبير المفاوضين من الجانب الحوثي والذي أبدى خشيته من أن تكون حادثة مسجد بن سلمان ممهدة لجولة جديدة من الحرب، أعلن استعداد الحوثيين لإستئناف عملية السلام باعتبار أن تلك هي رغبتهم وأنهم لا يريدون القتال وسفك الدماء. وقال إن القرار بإستئناف مساعي السلام يصدر من صنعاء. إلا أن الجانبين لم يفصحا حتى اللحظة عن مضامين المناقشات التي تمت مع الجانب القطري بخصوص تجاوز عقدة إخلاء موقع جبل عزان والافراج عن بقية المعتقلين من اتباع الحوثي والذين تصفهم السلطات بالعناصر الخطرة وتطلب إرجاء الإفراج عنهم إلى حين اخلاء المقاتلين الحوثيين لجميع مواقعهم.
ومع أن الجانب الحكومي والحوثيين كانوا وعلى مدى عام منذ بداية مساعي الوساطة القطرية، يؤكدون إحراز تقدم كبير في تنفيذ اتفاق الدوحة، إلا أن الازمة التي أعقبت مغادرة الوسطاء للمحافظة، أظهرت مدى انعدام الثقة بين الطرفين وتربص كل منهما بالآخر. حيث تمكن الحوثيون من إعادة نشر مقاتليهم في غالبية المواقع التي كانوا يتواجدون بها بسرعة قياسية، ومثلهم فعلت القوات الحكومية. وتبين أن المحافظة على مشارف حرب جديدة بعد استراحة كل طرف في موقعه لنحو اثني عشر شهراً أو يزيد.
وإذ يتكرر حديث الحوثيين عن وجود أطراف في السلطة تعارض اتفاق الدوحة وتعمل على خلق المبررات للانقضاض عليه، فإن أطرافاً خارج الحكم وداخله تشير إلى تدخل أطراف إقليمية أغضبها أن تمنح الدوحة لنفسها دوراً أكبر من حجمها في ترتيب الأوضاع السياسية داخل المنطقة، مستدلة على ذلك بالحملة التي شنتها وسائل إعلام محسوبة على هذه الأطراف وأخرى قريبة من الحكم، على اتفاق الدوحة وحرص هذه الوسائل على إظهار الجانب الحكومي وكأنه قدم تنازلات ماكان ينبغي له تقديمها والقول أن قطر ارادت أن تلعب دوراً أكبر من قدرتها.
وبين هذين الرأيين يذهب المراقبون نحو التأكيد على قدرة الرئيس علي عبدالله صالح على انهاء الحرب والمضي باتجاه إنجاح الوساطة القطرية إذا ما أراد ذلك لأن لا أحد داخل أركان الحكم يمتلك القدرة على فرض إرادة مغايرة.
وإذا ما وضعت تصريحات وزير الخارجية د/ ابو بكر القربي خلال زيارته إلى العاصمة الايرانية والتي انتهت أمس الأول وأعلن خلالهما عن بدء صفحة جديدة في العلاقات اليمنية الإيرانية في ميزان ترجيح خياري الحرب والسلام، فإن إعلان طهران وعلى لسان أكثر من مسؤول دعمها لاستقرار ووحدة اليمن يصب باتجاه تعزيز فرص السلام. إذ يمكن لهذه الدولة القوية والمؤثرة والتي اتهمت بمساندة حركة الحوثيين أن توظف علاقاتها الروحية مع هذه الجماعة باتجاه إنهاء المواجهات وإنجاح اتفاق الدوحة.
كما أن استمرار التوتر في المحافظات الجنوبية والشرقية رغم هدوء حركة الاحتجاجات بفعل القبضة الحديدية للجيش والأمن، يفرض على الحكم التفكير ألف مرة قبل أن يقدم على عمل عسكري جديد لأنه يدرك أن عدم قدرة الجيش على حسم الاوضاع في صعدة منذ نحو أربعة أعوام قد يشجع آخرين على ارتكاب مثل هذه المغامرة والتي ستقود البلاد إلى مرحلة من الإقتتال الداخلي ستدفع الغالبية العظمى من الناس ثمنها
ولما كان واضحاً عدم قدرة الحكم على الاحتفاظ بثقة حلفائه الغربيين في الحرب على ما يوصف بالارهاب والتي تشكلت مع بداية المواجهة بين الولايات المتحدة وتنظيم القاعدة وعززت بالنجاحات التي سجلت للأجهزة الأمنية في ملاحقة وإلقاء القبض على المشتبه بعلاقتهم مع تنظيم القاعدة، فإن تنامي حوادث التفجيرات والهجمات التي يتهم بها هذا التنظيم خلال الاشهر القليلة الماضية، قد زاد من حجم الضغوط الغربية وأقام ساتراً من الشك بين واشنطن وصنعاء حول مصداقية الأخيرة في التعامل مع المحسوبين على الجماعات الجهادية.
الأمر ذاته فيما يخص العلاقات الإقليمية؛ اذ يبين مسار الأحداث عدم قدرة الحكم على توظيف التناقضات والمصالح الاقليمية لما يخدم الوضع الداخلي وعملية التنمية، لأن الدفع باليمن لتكون طرفاً في الصراع أو للعمل لصالح أحد أطرافه حتى وإن من باب التطوع أحياناً أو الاعتقاد بأن ذلك سيرضي هذا الطرف او ذاك، قد جعلها في مهب عواصف تلك القوى، وتأكد أن المركب المتهالك بفعل الفقر والفساد وغياب الدولة القوية القادرة على فرض نفوذها، لم يتمكن من الصمود بل وبدا أنه سيغرق حين أراد تغيير المعادلة أملاً في استرجاع ما فقد بفعل سوء التدبير.