المخضرة أصبحت إسماً فقط والإخضرار لم يعد سوى ذكرى في مخيلة العجائز بعد تأخر المطر

المخضرة أصبحت إسماً فقط والإخضرار لم يعد سوى ذكرى في مخيلة العجائز بعد تأخر المطر - بشرى العنسي

«الحجة مريم» ومع عمرها الذي يقارب المائة لا تتذكر عاماً كهذا الذي تعايشه الآن بقحطه وجفافه. هي كانت ترنو للبعيد وكأنها تجتر الذكريات القديمة التي استعصى عليها استحضارها كون الأرض اليابسة هي المتربعة في الوقت الحالي على كل ماضي المتذكر.
بكلمات غير مفهومة تماماً نظراً لسنها الكبير، عبرت عن استيائها من الوضع الحالي، داعية الله أن يرحم عباده. كيف لا وحتى تلك السائلة التي كانت تجري طوال العام أمام منزلها قد جفت فجأة، والجبل الذي تعود أن يلبس الأخضر، وتعودت هي على مشاهدته وزيارته، غير بدون سابق إنذار حلته مرتدياً البؤس واليأس الأصفر.
عنس في محافظة ذمار ليست المنطقة الوحيدة التي تقطع فيه النساء مسافات طويلة مع حميرهن بحثاً عن الماء و«الحجة مريم» ليست إلا واحدة من عجائز كثر في مختلف المحافظات يبحثن عن الماضي ليقارنَّه بالحاضر القاحل، والأرض ستتعود من الآن فصاعداً أن «تُتلم» أكثر من مرة في العام بسبب موت الحبوب في جوفها المتعطش للماء.
تقرير نشر نهاية الشهر الماضي على شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) التابع لمكتب الامم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، أشار إلى أن الجفاف في «تعز» يهدد بخطر النزوح، مستشهداً بسكان جبل صبر الذين يعيشون في ظروف قاسية بسبب الجفاف، حيث يضطرون للمشي عدة كيلو مترات في اليوم بحثاً عن بضعة لترات من المياه.
مسؤولين في المجلس المحلي بمديرية صبر قالوا لـ«إيرين» إن المشكلة تتعلق بتأخر المطر إذ أصبح الناس مضطرين للمشي لمسافات طويلة ليل نهار بحثاً عن الماء. كما أن الطلاب أصبحوا يتأخرون عن مدراسهم لمساعدة أسرهم في جلب الماء.
إضافة إلى تعرض أربع نسوة في المنطقة للإجهاض خلال الأربعة الأشهر الماضية نتيجة حملهن لحاويات المياه الثقيلة.
موضوع ورد في موقع «الصحوة» بداية الأسبوع أورد مأساة أهالي مديرية حفاش في المحويت والذين يعانون أيضاً من شحة المياه التي تهدد بنزوح المواطنين من مساكنهم بحثاً عن الماء.
أغلب المناطق اليمنية تعتمد على المياه المتجمعة في السدود أو ما يسمى (الكريف) إضافة إلى ينابيع المياه أو الخزانات التي يبنيها الناس من الإسمنت (السقايات) وكل الموارد السابقة تعتمد على مياه الأمطار لتتغذى منه.
تأخر المطر هذا العام أدى إلى جفاف تلك الينابيع و«السقايات» مما سبب أزمة مائية لعدد من محافظات اليمن.
مديرية حيفان بتعز والتي يعتمد الآهالي فيها على السقايات بشكل كبير، عانت هي الأخرى من أزمة مائية بعد أن نضبت تلك السقايات. و«المخضرة» المنطقة التي سميت بذلك نظراً لاخضرارها طوال العام، مازالت تحمل نفس الاسم حتى اليوم لكنها لم تعد خضراء أبداً بعد أن جفت الينابيع التي كانت تغذيها سابقاً.
 المطر الذي نزل متأخراً هذا العام في بعض المناطق في حين مازال كثيرون ينتظرونه في أماكن أخرى من اليمن، أصبح على غير عادته فلم تعد هناك مواقيت تحكمه والمزراعون ربما سوف يعيدون ترتيب حساباتهم التي اعتادوا عليها منذ القدم.
التغيرات المناخية قد تكون جزءاً من أسباب تغير المواسم الزراعية والتي تعتمد على المطر، حسب ماجاء في تقرير التنمية البشرية للعام الماضي الذي أشار إلى أن تغير المواسم سوف يؤثر سلباً على اليمن.
«النداء» حاولت التواصل مع مدير وحدة تغير المناخ في الهيئة العامة لحماية البيئة، لكنها لم تتمكن من ذلك. لكن تقارير عدة مازالت تصاغ من عدة جهات تتكلم عن موضوع واحد وهو كارثة المياه المحتملة في اليمن.
تقرير البنك الدولي لعام 2007 اعتبر اليمن إحدى أكثر الدول افتقاراً للماء في العالم كما أن استهلاك الفرد من الماء يقل 2٪_ عن معدل الاستهلاك العالمي.
القدرة المتجددة من المياه الجوفية لاتتجاوز 40٪_ من الموارد المائية العذبة في اليمن،بحسب تقرير هيئة البيئة عن الوضع البيئي- مؤخراً.
الاستنزاف الجائر لمعظم الأحواض الجوفية خاصة في الجزء الغربي من البلاد حيث يقطن 95٪_ من السكان الريفيين المعتمدين على الاقتصاد الزراعي، واحدة من المشاكل المائية التي أوردها التقرير، إضافة إلى وجود ميزان مائي مختل نتيجة للاستخراج غير المراقب للمياه الجوفية واستنزافها بوتيرة عالية من الآبار الارتوازية المحفورة آلياً والتي بلغت حتى نهاية 2004 55.000 بئر، حسب تقديرات البنك الدولي.