صالح باصرة يعترف بوجود انحرافات وأخطاء ويؤكد أن الأمر ليس بيد الوزارة.. قائلاً:التعليم يسير بالمعكوس

صالح باصرة يعترف بوجود انحرافات وأخطاء ويؤكد أن الأمر ليس بيد الوزارة.. قائلاً:التعليم يسير بالمعكوس

- علي الضبيبي
يحيى الراعي يذكرِّه بأنه عضو في الحكومة، ويخاطبه: «بدل ما تضرب مثل بالسعودية قارنا بجيبوتي». وصخر الوجيه يشكره على الشفافية وينبهه إلى أن الكلام العام غالباً ما يتوهِّ المجلس.
لم يكترث صالح باصرة لمداخلات كثير من الأعضاء، وأمضى الوزير قرابة ثلاثة ساعات في المقعد الأمامي مسترخياً والهجوم يتدفق عليه من الخلف.
كان واثقاً من نفسه، وهم يناقشون تقرير لجنة التعليم العالي الذي قدم إلى البرلمان الشهر الفائت بخصوص جامعة ذمار. لم يلتفت إلى وراه إلاَّ مرة: عندما عقب عليه صخر الوجيه.
وعلى خلاف زملائه الوزراء الذين يأتون إلى البرلمان، لم يستخدم وزير التعليم العالي قلمه هنا سوى مرتين ليكتب ملاحظة.
وعلى الرغم من كثرة الأوراق التي كانت تقدم إليه من بعض النواب الواحدة تلو الأخرى، إلا إنه لم يكن إيجابياً معها. لقد تكوَّمت أمامه بشكل لافت، وكان يرص بعضها فوق بعض، كما لو أنه يقول: «هذا ليس مكاناً مناسباً». وكان العميد يحيى الراعي رئيس المجلس قد نبهه في بداية الجلسة: «يا صالح ولا توقع على ورقة».
رئيس الجلسة كان يحاول أن يوجه النقاش ويركزه على جامعة ذمار فقط. لكن وحين جاء دور الحكومة وأذن للوزير أن يعقب عليهم، لم يعجبه الرد فهاجمه على مضض. انتظره الراعي حتى أكمل وطلب من النواب أن يسمحوا له بالكلام.
«الأخ صالح أتخذ طريقة الهجوم بدل ما يدافع». قال الراعي. وأضاف: «أذكر الأخ الوزير أنه عضو في الحكومة. وهذا الكلام كان يفترض تطرحه على طاولة مجلس الوزراء». لقد أستغرب رئيس البرلمان، لاعتراف الوزير عن وجود انحرافات واخطاء في الجامعات الحكومية وفي وزارته. وبدا ممتعضاً للمثال الذي ضربه صالح باصرة عن السعودية ودعمها السخي للدراسات العليا والبحث العلمي. قال الراعي لباصرة «كان يفترض تقارنا بجبوتي أو الصومال مش السعودية اللّي إمكانيتهم معروفة». وزاد ذكره بأنه عضو في الحكومة.
لم يقل صالح باصرة كلاماً جارحاً أو غير منطقياً. فقد كان شفافاً وصريحاً أمام المجلس في تعقيبه المحكم الذي لم يستغرق سوى 10 دقائق. لقد تكلم الرجل عن الوضع القائم في الجامعات كجزء من المعاناة. قال لهم: «في كل التقارير التي ستأتيكم قريباً ستتحدثون عن قاعات مكسرة وكراسي مهلهلة، ومشاريع متعثرة. ستجدون أربع وخمس كليات في مبنى واحد».
ومستبقاً تقريري لجنة التعليم العالي المزمع تقديمها للمجلس عن جامعتي الحديدة وعمران: «ستتحدثون عن أشياء كثيرة من هذا النوع. ستجدون أنه ما في أعضاء تدريس. أنه مافي قاعات. أنه مافي معامل..». ومؤكداً بنبرة هادئة وخالية من أي نهدة: «نحن ننحت في الصخر!».
وإذ حمَّل وزير التعليم العالي وزارة المالية المسئولية الكاملة لتعثر المشاريع في عدد من الجامعات، شكا أيضاً من وزارة أخرى: «الخدمة المدنية تعطينا الدرجات بالقطَّارة». مشيراً إلى أن معظم الجامعات والكليات اليمنية تعاني في نقصاً حاداً في كادرها العلمي «ومنها جامعة ذمار».
تحدث صالح باصرة بأسى عن واقع الجامعات اليمنية، وحاول أن يقدم مؤشرات حلول، لكن لم يكن وزير المالية موجوداً ليسمعها. قال للنواب، بعد أن عدد لهم كثيراً من المشاريع المتعثرة، والإختلالات: «عندي مقترح».
يتلخص مقترح وزير التعليم العالي للإنقاذ: «أن توقف وزارة المالية الدعم لسنوات وتتوجه لإنجاز واستكمال المشاريع والمنشآت الجامعية المتعثرة منذ فترة طويلة». وبالمقابل يقول باصرة: «يجب أن لا يُستحدث أي قسم خلال 10 سنوات، إنما يتم تطوير الأقسام الموجودة».
وعن احتياجات مناطق ومحافظات كثيرة إلى جامعات وكليات؛ قال: «الكل يطالب ومن حقه. وهذا ممكن. لكن وفرِّ الإمكانيات المادية لإنشاء النواة الطيبة وليس الخرائط».
وإذ شدد على إن التعليم «مفتاح التنمية والإصلاح» أكد أن الدولة «إذا وضعت مليارات للتعليم فليس في ذلك خسارة»، لافتاً النظر إلى بلدان عربية تولي جامعاتها والبحث العلمي فيها قدراً كبيراً من الرعاية والدعم، ومنها السعودية وقطر.
بالنسبة للتعليم الموازي الذي تركزت معظم إنتقادات النواب حوله، أقر الوزير بوجود انحرافات في آلية القبول في الجامعات الحكومية، وانحرافات مالية أيضاً «لكن هذه الفلوس تغطي جزء من احتياجات الجامعات». وقطع لهم وعداً بأن تعمل على وضع لائحة «تنظم الإستفادة من إيرادات التعليم الموازي وغيره».
«القضية ليست في التعليم العالي» قال باصرة للنواب. وطلب منهم، بدلاً من التوقف عند هذا النقطة، أن يناقشوا موضوع التعليم الفني والتدريب المهني. وحذر وبشدة أن تتحول كلية المجتمع إلى كليات جامعية. وأشار إلى أن الكثير من المعاهد المهنية أصبحت تعمل بنظام البكالوريوس «مثلها مثل الجامعات بدلاً من أن تستوعب خريجي الثانوية العامة وتستوعب سوق العمل». واعتبر هذا التداخل بين التعليم العالي والتعليم المهني «عائقاً كبيراً أمام تلبية احتياجات السوق واستيعابه لمخرجات تلك المعاهد والكليات». وأسف للوضع القائم: «التعليم معكوس».
وكان نواب من الحاضرين طالبوا بإحالة المخالفين والمتورطين في قضايا فساد جامعة ذمار إلى النيابة العامة. لكن باصرة وهو يعقب على كلامهم بدا مستغرباً من هذا الطرح، وخاطبهم وهو يبتسم: «خلو جهة واحدة تحقق معهم. أنتم تشتوا النيابة وتشتوا إحالتهم لمكافحة الفساد وتشتوا تناقشوهم في مجلس النواب.. «صدقوني القضاء يطِّول. وسبق وأن أحلنا ناس إلى النيابة وضاعوا». ودعا القضاء إلى عدم التدخل في شؤون الجامعات. وكان أكثر من 15 نائباً قد تحدثوا عن التقرير المقدم إلى المجلس بشأن الفساد الحاصل في جامعة ذمار.
ولكثرتهم فقد وزع رئيس الجلسة الحديث بينهم بالتساوي. يبدو أن حصة كل واحد كانت 4 دقائق تقريباً. لكن سلطان العتواني الذي جاء دوره في الحديث متأخراً وقطع عنه الراعي الميكرفون، شكك في عدالة توزيع الكلام بين الأعضاء.
أخذت معظم مداخلات النواب طابعاً عمومياً في مداخلاتهم، رغم أنها تمحورت حول جامعة ذمار. أمام النائب المستقل ناصر عرمان فقد كان طرحه مختلفاً. انتقد الرجل المرابط دوماً في الضفة الغربية من القاعة، انتقد عدم تنفيذ الحكومة دائماً لتوصيات المجلس. وأضاف بأن النقاش لن يكون مجدياً ونافعاً «مالم يكن الجانب المالي موجوداً». وأكد لهيئة الرئاسة وللأعضاء أن وزير التعليم العالي «لا يمكن أن يلتزم لوحده. لابد وأن يلتزم كل وزير بما يخصه». ويبدو أن النواب أدركوا أن هذا الكلام منطقياً عندما أوضح لهم صالح باصرة أين تكمن المشكلة.
يبدو أن صخر الوجيه كان أول المعقبين على وزير التعليم العالي. لقد شكره على الشفافية وقال له: «لكن الحديث العام عادة ما يتوِّه المجلس». ومتمنياً عليه أن لا يبدأ العام الدراسي القادم «إلاَّ وقد انجزتم لائحة تنظيم العمل بالتعليم الموازي. نريد أن نخرج بقرار في هذا الشأن».
واستغرب صخر من حديث باصرة عن تغييِّب الإمكانيات المتاحة وتركيز كلامه على عدم توفر الامكانيات، ثم وذكَّره بالقرض الذي أُقر لكلية الهندسة بجامعة ذمار: «كيف تم توظيف هذا القرض». وكشف صخر كيف استعانت الجامعة إزاء ذلك باستشاري يعيش في مصر «دون أن يعاين الموقع. ما الذي يضمن أن هذه الأموال ستوظف بشكل صحيح؟» تساءل.
وفي فقرة رده الثالثة حمل النائب البرلماني الأبرز على الدكتور باصرة وحديثه عن عدم تدخل القضاء في شأن الجامعة وقال: «يجب أن نخجل من أنفسنا. يا دكتور: ماذا تريد من طالب خريج امتياز مع مرتبة الشرف يتقدم لوظيفة المعيد ويعين شخص آخر بدلاً عنه. ألا يحق له أن يلجأ إلى القضاء».
عميد جامعة ذمار كان حاضراً وكان يجلس إلى يمين الوزير، و رأسه يتحرك ويتلفت بشكل دائم. ما إن يتكلم نائب حتى يلتفت ليحدق في وجهه أو ليكتب الملاحظات.
عبدالعزيز جباري من ذمار، وهو عادة ما يجلس في الصف الأول على يسار المقاعد المخصصة للجانب الحكومي. وجرت العادة أن تكون مداخلاته ضمن الخمسة الأوائل في الحديث. كان متحمساً في هذه الجلسة للحديث. وقال للجميع: «نحن في ذمار نعرف كل شيء من هذه القضايا». وبدأ يكشف المستور المستور؛ أولاً: «الجزء الأكبر تتحمله الحكومة لأنها لم تنفذ توصيات المجلس». وثانياً وموضحاً بشكل صريح: «جامعة ذمار مشكلتها التدخل من مراكز القوى، والأخ يحيى الراعي يسمعني جيَّداً».
وقال إن هذه التدخلات تشمل حتى أصغر الصغائر «يجب أن تسير الجامعة في الطريق الصحيح ويجب أن نرفع أيدينا عنا وإلاَّ لن يكون هناك تعليم»، وعينه على الراعي.
لم يقل جباري أكثر من ذلك. وقد استغرب لما قاله سلطان العتواني لرئيس الجلسة، وقد قطع عليه الميك «على الأقل ساوي بيننا إحنا وعبدالعزيز جباري» و كادت المشاددات بينهما (جباري والعتواني) أن تنفجر بسبب ذلك لم يتحمل جباري أبداً كلام العتواني وقال له: «عيب هذا الكلام».
في آخر الجلسة وبعد أن أنهى وزير التعليم العالي حديثه، دعا يحيى الراعي إلى جلسة إضافية يحضرها كل الوزراء المعنيين وتناقش مع المجلس في مقر اللجان «نعرف فيها كل صغيرة وكبيرة ومن السبب» وستكون الاثنين القادم.
وفيما كانت الجلسة على وشك أن ترفع، وقف رئيس جامعة ذمار من مقعده الأمامي غاضباً وصاح في وجه رئيس المجلس «أشتي اتكلم يا أخي أنا رئيس جامعة ذمار كيف؟!». فوافق له وتسلم الحضراني الميكرفون.
 ماذا قال؟! لقد أغضب المجلس لأول وهلة عندما وصف بعضهم بالمتطاولين على الجامعة. وقد احتجت القاعة وطلبت منه أن يسحب كلمته والزمه الراعي «أن يسحبها» ففعل. قال الحضراني إن اللجنة أعدت التقرير قبل سنوات وهو لايزال جديداً على الجامعة.
ودعا اللجنة ومن يريد من الأعضاء إلى النزول مرة ثانية إلى الجامعة. لقد شكك في مصداقية التقرير. وبدأ يقرأ كلمته المطبوعة على ورق برتقالية اللون تشبه الكرفته التي كان يلبسها. واللافت أنه لم يقل شيئاً جديداً. كل ما تلاه على النواب كان قد نشره في الصحف. ورفعت الجلسة عند الواحدة ظهراً.