أمل ووعد آتٍ

قلائل من النساء يلجن أو فلنقل يطرقن أبواب الإبداع، والأقل من القلائل من يستطعن التصدي للشأن العام.
والأقل من القليل من يتجرأن على الاقتراب من نوافذ حقوق الانسان والمرأة بوجه أخص.
أمل باشا ليست الأولى طبعاً ولكنها واحدة من قلائل حملن صخرة سيزيف، وخرقن التابو. وكانت «أمل» واحدة من نساء يعددن بأصابع اليد الواحدة في اليمن ولا يتجاوزن العشرات في المشرق العربي كله وصلن باحتجاجاتهن إلى رحاب العالمية.
الاحتفاء بأمل أمل بحد ذاته. أمل في أن تصل المرأة اليمنية والعربية بصوتها إلى فضاء كوني. بالأمس القريب كان صوت المرأة عورة تتوالد منه الفتن، وتتناسل الغواية. وجاءت أمل الأمل لتقول للرجال: «إن المرأة هي الأصل»، أو كما تقول كرستينا إن التأنيث هو الأساس. قبل بضعة أعوام كتب شيخ الصحفيين اليمنيين (العميد) صالح عبده الدحان: «إن اليمن لم تعرف التحضر والازدهار إلا في ظل حكم امرأتين: بلقيس وأروى».
وابن الدحان مثقف يساري عميق التفكير وحاضر البديهة.
المرأة الأولى بغض النظر عن التسمية أشاد بها القرآن الكريم: «إني وجدت امرأة تملكهم، وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم». الآية 23 النمل.
أما الثانية فالسيدة أروى الصليحية التي وحد عمها اليمن، وتركت إرثاً في المعرفة والعلم والعمران والأمن والتسامح والتآخي نفتقر إلى مثله اليوم.
الطالبة المجدة المجتهدة والمثابرة لم تقنع بالتفوق في الثانوية العامة رغم الصعوبات المجتمعية والأسرية المحيطة بها، ولم تقف عند تخوم التخرج من الجامعة الامريكية بالقاهرة والالتحاق بالوظيفة العامة، فقد واصلت بدأب مشوار طموح يبدأ ولا ينتهي.
أدركت أمل بفطنتها ووعيها أن العمل الإنساني الأخلد والأبقى هو «الدفاع عن حقوق الإنسان»، وفي قلب هذا الحق الدفاع عن الانسان الأكثر قهراً وظلماً وانتقاصاً وهو المرأة، فأسست منتدى الشقائق العربي، وهو المنتدى الذي تبنى طرح المشكلات الرئيسية من قضايا النساء سواء على صعيد التشريعات أو القيم والتقاليد البالية المعيقة لتحرر المرأة ومساواتها مع ابنها الرجل، كما طرح قضايا الحقوق والحريات ودمقرطة التشريعات.
عقد المنتدى عشرات الندوات حول العديد من القضايا لمعالجة التمييز ضداً على المرأة وانتقاص حقوقها كمواطن وكإنسان.
وحققت إنجازات رائعة في مناخ وبيئة لا يسمحان بالنجاح لأحد، رجلاً أو امرأة وبالأخص المرأة. أمل سفر كفاح حافل بالحيوية والنشاط والذكاء الإنساني المدهش، الزاخر بالدفاع عن الضعفاء والمهمشين وعن الحقوق المغيبة للإنسان المحروم في مجتمعات ودول تغيب الحق وتسلب الحرية.
دأبها وعنادها وصبرها في طرح قضية المحكمة الدولية في مجتمع تقليدي حذر ومهجوس بالخوف من الماضي والحاضر ومن المستقبل أكثر، قد مكنها من فتح كوة في جدار قلما فتح لقضية بحجم القبول بالمحكمة الدولية. وهنا ينبغي الإشادة بمواقف بعض النواب الذين تبنوا القضية وتحمسوا لها ودافعوا عنها.
إن الشمعة بل الشموع التي أشعلتها أمل في عتمة واقع كالح حد الإدماء و الجدب لعظيمة. فهي رائدة في ميدان شديد الوعورة والخطر. سارت في دربه الطويل، وتحدت عفاريت التخلف وجلاوزة الفضيلة.
لن أتحدث عن المحكمة الجنائية الدولية ومهامها الانسانية في محاكمة مجرمي وجرائم الحرب، ففارسة المحكمة ومنسقتها في الشرق الاوسط هي المحتفى بها، ولا يفتى و"مالكة" في المنصة.
حديثي هنا عنها؛ فتكريمها في الولايات المتحدة الامريكية من أكثر من مائة دولة تكريم لليمن كلها، وتكريم للمرأة العربية والانسان، وتكريم لها أولاً.
وأمل إنسانة عظيمة بكل المعاني. فهي ربة بيت كأم ومربية فاضلة؛ ونبوغ "فراس" و"لؤي" ثمرة تربية طيبة لأم حانية.
بكت أمل بعلها المناضل أحمد طربوش بأبلغ من رثاء الخنساء أخاها «صخر».
 النجاح قيمة عظيمة، ولكن النجاح عندما ينتزع من فم الأسد يصبح تضحية.
الآتية من أفق المستقبل، الواعدة بالانتصار للحق والحرية والعدل، تستاهل أكثر من احتفاء مناسباتي. ولو كان انتصار «أمل» في منطقة غير اليمن لأقيمت المهرجانات، وضجت وسائل الاعلام، ولكن احتفاءنا بتكريمها -كمؤسسات مجتمع مدني. فيه العزاء، فأنتم قلب مجتمعنا المطحون بالأمية والفقر والأوبئة.
الشابة التي خرجت كاشفة من حارة "المظفر" بتعز إلى الجامعة الامريكية بالقاهرة في مطلع الثمانينيات، تجد نفسها بعد التخرج موظفة في وزارة الاقتصاد، ثم في الأمم المتحدة تشق طريقها لتصنع قدرها. وبعد أن حصلت على الماجستير تبدأ التصدي للدفاع عن الحرية والحقوق.
انتصار «الأمل» وتكريمها تكريم للمرأة اليمنية والعربية. فتحية لها، تحيةً للشجاعة والتضحية، وتحيةً لحق الإنسان في الحرية والعدل والديمقراطية.
أمل الآتية من أعماق المستقبل تمتلك موهبة الكتابة ولكن همها الإنساني اليومي وغرقها حتى شحمة الأذن في الدفاع عن الحريات والحقوق قد حجب عن القراء موهبة رائعة حقاً.