حصار في حالة تسامح.. تغطية احداث 13 يناير 2008

رددوا هتافات مؤيدة للبيض والعطاس وعلي ناصر
مشاركة لافتة لأبناء عدن في مهرجان الهاشمي
- شفيع العبد
شهدت عدن صباح الاحد الماضي ملتقى التصالح والتسامح والتضامن الجنوبي والذي جاء إحياءً للذكرى الثانية لملتقيات التصالح والتسامح الجنوبية التي انطلقت في 13 يناير 2006 من جمعية ردفان الخيرية بمحافظة عدن.
الملتقى الذي شارك فيه عشرات الآلاف من أبناء الجنوب الذين اكتظت بهم ساحة الهاشمي بالشيخ عثمان، كان مقرراً إقامته في ساحة الحرية بخور مكسر، إلا أن السلطات الأمنية كانت قد أغلقت الساحة في وقت مبكر من مساء يوم السبت، وطوقتها بالعسكر من مختلف وحدات الجيش والأمن، تحسباً لأي محاولة لدخولها من قبل المواطنين القادمين من مختلف محافظات الجنوب.
كما أن الأجهزة الأمنية قد منعت القادمين من المحافظات من الدخول إلى عدن عن طريق نقطتي العلم ودار سعد، وقامت بحملة اعتقالات شملت العديد من المواطنين وعلى رأسهم البرلماني صلاح الشنفرة.
وفي محاولة منها لإفشال الملتقى أقدمت السلطة المحلية على إيهام المواطنين بأنها قد وافقت على إقامته في ملعب22 مايو.
وقد بدأت فعاليات الملتقى بساحة الهاشمي، حيث ألقيت عدد من الكلمات تناولت القضية الجنوبية وضرورة اعتراف النظام بها كقضية سياسية بامتياز.
واتفقت الكلمات على ضرورة توحيد الصف، والتحلي بقيم التصالح والتسامح ومواصلة النضال السلمي وعدم الإنجرار إلى مربع العنف الذي تريد السلطة لأبناء الجنوب دخوله مكرهين. وانتقدت الكلمات ما وصفه البعض بأن التصالح والتسامح هو بضاعة الحزب الحاكم، مؤكدة على أنه بضاعة جنوبية صرفة، وأن الجنوبيين هم أهل التصالح والتسامح مثلما كانوا أهل الوحدة.
وقد كانت الكلمات لكل من: اللجنة التحضيرية وألقتها الاخت إنتصار خميس، وكلمة أبناء الشهداء ألقاها شلال علي شائع، وكلمة المرأة ألقتها المحامية عفراء الحريري، والبيان السياسي الذي تلاه الدكتور ناصر الخبيجي عضو مجلس النواب.
كما ألقيت كلمات للاخوة حسن باعوم محسن باصرة وأحمد عمر بن فريد.
ولوحظ في المهرجان التواجد الكبير لأبناء عدن على غير العادة وهي بداية لتحرك عدن وأبنائها، ومشاركتهم في الحراك الجنوبي كما وصفها البعض.
وقد هتف المشاركون بأسماء: علي ناصر محمد وعلي سالم البيض وحيدر العطاس... وبينما كان المشاركون يهتفون مشكلين مسيرة مصغرة داخل الساحة، تفاجأ الجميع برصاصات رجال الامن ودخان قنابلهم المسيلة للدموع تملأ سماء الساحة محدثة حالة من الخوف والذعر والفوضى في المكان، مخلفة قتيلين.
«السيد صالح البكري» من أبناء يافع، و«محمد علي محمد» من جبل حبشي تعز، وعدد من الجرحى قدرته مصادر بستة عشر جريحاً.
 
***
 
جريحان يصفان أحداث 13 يناير 2008
 
- النداء: مرزوق ياسين
نفى عدد من المصابين التقتهم لـ«لنداء» بمستشفى النقيب بمديرية المنصورة،  الرواية الرسمية موضحين أنهم جاءوا بدافع إنساني نبيل للمشاركة، ونوايا سلمية قبل أن تباغتهم القوات العسكرية بإطلاق الرصاص والقنابل المسيلة للدموع، واصفين لحظة الحدث المأساوي:
ثابت عبده حازم هميش، 45 عاماً، من جبل جبر محافظة لحج، قال: «فوجئنا بأشخاص يطلقون النار من كل مكان من فوق الأسطح ومن المداخل المختلفة للفرزة بزي عسكري تدافع الناس في حالة ذعر وهلع. عندها أصبت بطلق ناري في فخذي الأيمن فانكسر». مضيفاً (بالقول) السلطات هي التي دفعتهم للقيام بذالك، حينها أسعفني مواطنون وقطعت أمامنا الطرق وكنت أنزف بشدة أوقفت السيارة التي كنت عليها أمام مصنع الغزل والنسيج لساعات قبل أن أصل إلى المستشفى المصاب قاسم شائف ردفان (لحج 50 عاماً) قال: «كنت جالس تحت مظلات الفرزة وانطلقت النيران من الفكات العليا وأصبت بطلق. أخذني مجموعة من المواطنين إلى شارع عبدالعزيز عبد القوي وبعدها حملت على سيارة فاعل خير إلى المستشفى وأضاف قاسم لـ«النداء»  «الأمن هو المسؤول عن إصاباتنا وأن أمن عدن ليس من مصلحته قتل الأبرياء المدنيين الآمنيين.
 
***
محاصرة منزل محمد علي أحمد واعتقال أولاده
 
أقدمت السلطة بعدن على محاصرة منزل المعارض الجنوبي البارز، والمقيم بلندن «محمد علي أحمد» وفرضت عليه حراسة مشددة مانعة من بداخله من الخروج... كما أقدمت على اعتقال من حاول الخروج للمشاركة في الملتقى... ومن ابرز الذين اعتقلوا نجلا محمد علي أحمد (عدنان وجلال).
 
***
عدن و13 يناير.. تخليد الصراع
 
نبيل الصوفي
قبل 22 عاما كان 13 يناير مجرد يوم في تاريخ اليمنيين من سكان عدن خاصة. بعد 1986 صار يوما للوجع العاطفي. حتى الآن هناك أسر توزع الصدقات لروح من خرجوا يومها ولم يعودوا حتى الآن، منها من يؤكد أن صدقاته لمجرد تسهيل عودة الغائب، أو معرفة "حقيقة مصيره". وتتذكر "ن. أ" أن ذلك اليوم كان آخر فرصة لها لرؤية والدها الذي لا تعرف له قبرا حتى الآن، إن كان منح قبرا! وتقول: "دعتني إدارة المدرسة، ورأيت أبي مرتديا زيه العسكري من وراء الباب الخارجي. سلم عليّ..." وتسكت لتترك للصمت أن يقول ما تبقى! كما فعل مع والدها وكثير من أصدقائه، علما بأنها تتحدث بأسى عن "... الشهداء ليسوا القيادات. هناك أسر لم تحصل حتى على مواساة رغم أنها فقدت عزيزا لم يكن يستحق ما حدث له".
يناير ذاك، كان نتيجة وصول الخلاف السياسي بين الفرقاء إلى قمة الجبل، وحين انهد بدأ بهم، ولم يتوقف تأثيره حتى اليوم. وكلما تحرك الحديث عن الصراعات السياسية تبدى عشرات لديهم الاستعداد لخوض معارك قانونية بحثا عن ذويهم، خاصة إن وجدوا طرفا يغريه إذكاء الصراعات.
أسوأ من ذلك أن عدن لا تزال ترتدي حلة من التفجع العاطفي إن ذكرها أحد بذلك اليوم. ولذا فطيلة 15 عاما –بعد هدوء غبار المعركة التي طردت الزمرة ونصبت الطغمة- لم يذكر عدن أحد به، حتى قامت بالمهمة الدعوات التي أشعلها الصراع بين فريقين داخل المعارضة على الفعاليات السياسية التي تحميها سمتها الجنوبية: اللقاء المشترك من جهة، ومجموعات أخرى أهمها "ملتقيات التسامح" التي ترعاها شخصيات من فريقي المنتصر والمهزوم في حرب 1994، ثم معهم المؤسسات الرسمية التي تبدي خوفها من أن يكون الحديث عن تسامح فرقاء 86 مقدمة لـ"دورة صراع" ضدها، وكأن التوحد على القيم الإيجابية يهدد قدرتها على الحكم.
وبقدر ما توحدت المعارضة خلف رمزية 14 أكتوبر، كان ال13 من يناير مثيرا للخلاف، أخرج ناصر النوبة وحسن باعوم من اللجنة التحضيرية التي رتبت للمهرجان بخطاب سياسي يلتزم بالقضايا وفقا لخطاب اللقاء المشترك، وأصدر بيانان باسم الفعالية ذاتها، وأفشل الاتفاق مع السلطة المحلية في عدن على مكان المهرجان، لتجنب أي مضاعفات أسفرت بعد ذلك عن مقتل أربعة مدنيين وعسكري، أحدهم من محافظة تعز والبقية من لحج والضالع، إلى جانب 16 جريحا.
كما أنه سبب إعلان موقف مغاير من قبل بعض قيادات أحزاب المشترك في عدن وأبين وحتى حضرموت التي ألقى رئيس فرع الإصلاح فيها كلمة في المهرجان أثارت ضده الانتقادات، سواء من قبل من يعتبر أن "هناك من يسعى لاستغلال التوحد الجنوبي خلال الأشهر الأخيرة لصالح قضايا لا تهم الغالبية"، أو من الذين يرون أن "المصالحة والتسامح لا يمكن أن يكون كذلك إن تحول إلى وسيلة للتجييش ضد طرف آخر، بنفس الطريقة القديمة".
المهرجان ميدانيا لم يكن مذكرا لعدن بخطورة الصراع السياسي، فقط، بل في وجه آخر ذكرها بأنها اقتُحمت عنوة في 94، وكل ذلك ذكرها بالحروب، وعدن تموت خوفا وهلعا من هذه الكلمة، فتنكمش كثيرا مطلقة للأغنية والسخرية العنان. وحتى الآن فإن فرحتها بالوحدة لم تدم سوى أشهر قليلة بين 89 و93م، أما ما بعد ذلك فقد كان "قهرا وإقصاء" حرمها خصوصياتها التي عاشت عليها حتى أثناء حروب الرفاق، إذ ظلت مساحة للحريات الفردية طالما كان أصحابها بعيدين عن السياسة. وهذه الحرية بالذات كانت عدوا لتحالف النصر في 94.
ومن الدقيقة الأولى لدوي صوت الرصاص في "الهاشمي"، التي هي مجرد محطة لسيارات الأجرة في الشيخ عثمان، فقد أوقفت المدارس برنامجها، وتوقفت الحركة بين "الشيخ" وبقية مديريات عدن. وقال لي تجمع من طلاب إحدى المدارس القريبة من الساحة: "قالوا علي ناصر با يرجع". ويذكر علي ناصر هنا باعتباره الطرف المهزوم في 86، وكأن المدينة تنتظر الثأر. غير أن عجوزا في "عبدالعزيز" قالت: "البدو يتضاربوا مع الدحابشة".
وعجز جمع من المشاركين في المهرجان عن إقناع شباب بالتوقف عن إحراق إطارات السيارات والاعتداء على بوفيتين على جانبي أحد شوارع الساحة. وحتى بائع على باب مدرسة (قال لي إنه في مكانه منذ بنيت المدرسة بعد الوحدة)، تعرض لهجوم طلاب يتضاحكون لعبا بمهاجمة "عمي الدحباشي".
المعارضة بعد ذلك اعتبرت إطلاق الرصاص الحي رفضا رسميا للتسامح. فيما قالت المؤسسات الرسمية إن التوجيهات الرسمية للجنود قضت بتجنب إطلاق الرصاص، محملة "مندسين" إثارة الشغب. مؤكدة أن الترتيبات أبقت النسق الأول من الاحتياطات الأمنية بدون سلاح، وأن قوات الأمن المركزي كانت في النسق الثالث، فيما النسق الثاني لقوات الشرطة بأدوات مكافحة الشغب. وفيما اعتبرت السلطة أن اللجنة التحضيرية "رفضت إقامة المهرجان في ملعب 22 مايو لإصرارها على الشغبـ"، اعترفت مصادر في ذات اللجنة بـ"العجز عن إقناع اللجنة والمدعوين بنقل التجمع للميدان المغلق والبعيد عن الساحات العامة سواء ساحة العروض بخور مكسر أو الهاشمي في الشيخ عثمان". غير أن المصادر ذاتها قالت إنه "لو لم تستنفر قوات الأمن ولم تقدم السلطة كل ذلك الخطاب المسبق ضد المهرجان لمرت الفعالية بدون مضاعفات".
ولفت انتباهي أن اللجنة التحضيرية أو حتى قيادات العمل السياسي المعارض عجزت حين توترت الأجواء عن السيطرة على مناصريها، وقد دخل بعضها في عراك مع شباب كانوا يحرقون الإطارات ويهاجمون ممتلكات خاصة، مع كل رصاص يطلقه الجنود، فلم يعد بالإمكان أن يقال لهم إن إطلاق الرصاص في الهواء يمكن قبوله مقارنة بماض كان كل من يفكر في مخالفة رأي الحكم مفقود قبل حتى أن يتحدث، فهم لم يعرفوا ذلك الماضي، بل هم من جيل يشاهد ليل نهار المظاهرات في أرجاء المعمورة للدفاع عن الرأي والمطلب.
عدن لم تهتم بطرفي الجدل، وإن كان بائع قات في كريتر قال لي مساء اليوم ذاته إن "الدولة كافأت الجنود بمرتب لقتلهم 25 متظاهرا". ولم أتمكن من إقناعه بخلاف ذلك سواء من حيث المكافأة أم من حيث عدد الضحايا، فلا يهم إن كان قتيلا واحدا أو ألفا، الذي يهم "عدن" أنها سمعت الرصاص مجددا في اليوم ذاته المشؤوم 13 يناير، وبخطاب للفرقاء يشبه صانع الكارثة. وهذا يرفع لديها الشعور بالقلق، وبالاضطهاد في آن واحد، خاصة وأنها تفتقر لإعلام يقول الرأي ونقيضه والمعلومة مبرأة من أي تلوين.
nbil
 
***
 
الأطراف المعنية بالقضية الجنوبية
 
ملتقيات التصالح والتسامح
نشأت متواضعة.. وأعلنت عن نفسها في 13 يناير/2006. من جمعية ردفان الخيرية بعدن... توالت فعالياتها لتشمل كل الجنوب (أبين، يافع، الضالع، شبوه، حضرموت، لحج، المهرة) ليأتي التتويج بملتقى التصالح والتسامح.
ليس لها قيادة محددة، يتجاذبها عدد من الأطراف، وليس لها برنامج سياسي واضح برغم قيامها من أجل إحياء قيم التصالح والتسامح الجنوبي.
يمكن القول أنها الحامل لكل فعاليات وجمعيات الحراك الجنوبي، وما حدث في الملتقى الاخير يؤكد ذلك... حيث ضمت اللجنة التحضيرية في صفوفها ممثلين عن مختلف الفعاليات والجمعيات.
 
تيار إصلاح مسار الوحدة
نشأ التيار من داخل الحزب الاشتراكي اليمني وكان هدفه الاعتراف بالقضية الجنوبية وإصلاح مسار الوحدة التي تعطلت بحرب يوليو 94، وإزالة آثارها... وقد قوبل في بداياته برفض داخل أوساط الحزب، ولكنه استطاع في النهاية إقناع الحزب بأهدافه وتم استيعابها ضمن أدبيات ووثائق المؤتمر الرابع.
من ابرز قيادته: محمد حيدره مسدوس، حسن احمد باعوم، عبدالرحمن الوالي.
في الآونة الأخيرة خفت نجمة خصوصاً أثناء الانتخابات الرئاسية الماضية التي حقق فيها المشترك زخماً كبيراً.
 
جمعيات المتقاعدين
استطاعت أن تدفع بأبناء الجنوب نحو عدن ليكسروا حاجز الخوف في الاعتصام الذي دعت إليه في 7 يوليو 2007.
كانت بداياتها بثلاثة عشر مطلباً حقوقياً... وقد حظيت بتأييد شريحة واسعة من أبناء الجنوب، وقد طورت الجمعيات عن مطالبها الحقوقية باتجاه تبني القضية الجنوبية، ونقلت الاعتصامات، والحراك إلى كل محافظات الجنوب.
تتجاذب مجلسها الاعلى تباينات في الرأي تتحول أحياناً إلى خلاف كما حدث مع رئيس المجلس العميد ناصر النوبة، وصالح محسن الامين العام من جهة، ونائبه علي السعدي من جهة اخرى.
 
اللقاء المشترك
لم يصدر من اللقاء المشترك موقف رسمي بشأن قضية الجنوب... وهو ما جعل البعض يهتف في الاعتصامات «لا مشترك بعد اليوم»، وإن كانت هناك مواقف ايجابية لبعض قياداته إلا أن الجماهير تعتبرها مواقف شخصية تفرضها هوية أصحابها الجنوبية.
 
الحزب الاشتراكي اليمني
هناك من يحاول إنكار الدور التاريخي للحزب الاشتراكي اليمني... ويسعى لتجريده من مواقفه تجاه القضية الجنوبية.... والتي كان آخرها البيان الصادر عن اللجنة المركزية الذي اعترف بالقضية الجنوبية ووصف حرب صيف 94 بأنها «إجتياح للجنوب».
كما أن التواجد الفاعل لأعضاء الحزب وقياداته في الحراك الجنوبي لم يشفع له... ومازال هناك من يطالب بموقف من الحزب... وهؤلاء يخشون من قيادة الحزب للحراك بسبب التواجد الكبير لأعضائه وقادته في الميدان.
 
***

تصالح وتسامح مخضب بالدماء
 
شفيع محمد العبد
 
ودع أبناء الجنوب عام 2007. بسبعة شهداء في سبيل قضيتهم العادلة، وجميعهم سقط برصاصات الغدر السلطوية.
وبينما أبناء الجنوب يتهيئون للعام الجديد ليكون بالنسبة لهم أسخن من سابقه على طريق النضال السلمي الذي اختاروه للدفاع عن قضيتهم، متسلحين بثقافة التصالح والتسامح بينما هم كذلك... دشن «الحاكم» عامه الجديد في ميادين القوات المسلحة والامن تحت يافظة «تدشين العام التدريبي»، وكعادته لم ينس الحديث عن الوحدة المعمدة بالدم، وشحن بطاريات العسكر، والرفع من روحهم القتالية.
مراقبون اعتبروا ذلك بمثابة إنذار مبكر.. وأن العام سيكون الأسواء بكل المقاييس.
أبناء الجنوب دشنوا عامهم النضالي تواصلاً لما قد بدأوه بملتقى التصالح والتسامح.. والذي لم يكن هدفه كما روجت الألة الإعلامية الحاكمة التوقف عند أحداث 86 المؤلمة، بل تجاوزها... حيث إنه تصالح جنوبي لما قبل الاستقلال، وبدلاً من أن تبارك سلطة الحرب والفيد قيم التصالح وتعمل على رعاية التجربة وتنقلها لمربع ضحايا الصراعات الاخرى في الشمال والتي من بينها بالطبع بل تقف على رأسها ضحايا 1978، وما شهدها من مذابح للناصريين لم يعرف مصيرهم حتى اللحظة، وجدناها وقد سخرت كل ما تملك لمواجهة تصالح الجنوب... كما أنها قد وجدت ضالتها في بعض الجنوبيين ممن تجمعهم بها «وحدة المصلحة»، والذين لم يتوانوا في تلبية النداء الشيطاني، وكعادتهم ساهموا في القتل.
ما أقدم عليه «العسكر» من فعل مجنون ذهب ضحيته شهداء جدد للقضية... لا يتحملون مسئوليته لوحدهم، بل إن الضغط النفسي الذي وقعوا تحت تأثيره جراء التعبئة الخاطئة والخط الاحمر الذي وضعه البعض حول الوحدة المذبوحة بحرب اجتياح الجنوب، كان له الأثر الأكبر والأبرز في وضع أصابعهم على الزناد وتوجيه فوهات رشاشاتهم صوب الصدور العارية وما تحمله من قلوب جميلة هي وحدها القادرة على التصالح والتسامح، وليس تلك الوجوه التي تسابق على ذبح أبناء الجوب وبدم بارد.
يخطئ «الحاكم» إن كان يظن أن مزيداً من القتل سيوقف عجلة نضال الجنوب، كما أنه يقع في الخطأ عندما يختزل القضية في زيادة نسبة التمثيل الجنوبي في السلطة. الحل الوحيد يكمن في الاعتراف بقضية الجنوب كقضية سياسية بامتياز، وأن يصدر الاعتراف بقرار سياسي. وغير ذلك لن يزيد الامور إلا تعقيداً، وسيجعل القضية مفتوحة على كل الإحتمالات، ومن بينها بالتأكيد حق «تقرير المصير»، الذي يزداد مؤيدوه كلما ابتعد «الحاكم» عن ملامسة الجرح.
كنا نمني النفس في الجنوب بأن تختفي الدماء من فعالياتنا السلمية... لكن السلطة على مايبدو لها رأي آخر...
 فليستعد الجنوب لتخضيب نضاله القادم بمزيد من الشهداء، فالمشهد يوحي بذلك.
shfm733notmail.com

***
 
العميد ناصر النوبة:
الجنوبيون متفقون على مواصلة الاعتصامت والنضال السلمي مهما كلف الأمر
 
* نحن لسنا ضد أي آلية لتنظيم فعالياتنا السلمية.. فقط لنا رأي على من يحاولون فرض أنفسهم على هذه الفعاليات في الوقت الذي لم نسمع لهم صوتاً داخل المشترك أو خارجه طيلة ال 13 عاماً من المعاناة بفعل حرب 94 الجائرة.
* لماذا تكرر السلطة قتلها للناس الذين جاءوا ليتصالحوا ويتسامحوا مع أنفسهم ويغلقوا صفحات ماضيهم الأليم.. هل يزعجها ذلك؟
 
قال رئيس جميعة المتقاعدين العسكريين العميد ناصر النوبة أن تصالح الجنوبيين وتسامحهم وإغلاقهم لملفات الماضي يزعج السلطة التي بالغت في الافراط باستخدام القوة في وجه اعتصام سلمي معبراً عن استنكار جمعيات المتقاعدين العسكريين وكل الفعاليات الجنوبية لما حدث من اسبتخدام مفرط للقوة.
وأشار النوبة إلى أن عدم مشاركته في لقاء التصالح والتسامح الأحد الماضي كان لأسباب خارجة عن إرادته داعياً السلطات الأمنية إلى إيقاف الملاحقات وإطلاق سراح المعتقلين.
«النداء» ناقشت مع العميد ناصر النوبة رئيس مجلس تنسيق جمعية المتقاعدين في اتصال هاتفي أبرز القضايا التي أُثيرت مع لقاء التصالح والتسامح والاحداث المرتبطة بها.

> ماهو تقيمك لما حدث يوم 13 يناير 2008. في عدن؟
- قبل الاجابة على السؤال الاول اسحموا لنا، أن نعبر عن استنكارنا الشديد، في جمعيات المتقاعدين العسكريين.. وكل الفعاليات الجنوبية الأخرى لما حدث من استخدام مفرط للقوة، في مواجهة معتصمينا السلميين الذين جاءوا ليعاهدوا أنفسهم بأنهم، على وفاقٍ ومودة وانسجام، وذلك في مناسبة ارتبط اسمها بأحداث (جنوبية) إليمة -سابقاً-!! وهنا أتساءل: لماذا تكرر السلطة قتلها للناس الذين جاءوا ليتصالحوا ويتسامحوا مع أنفسهم ويغلقوا صفحات ماضيهم الأليم؟! هل يزعجها ذلك؟! ولماذا؟!.
- ولعلكم قد كنتم شاهدين على حالات قمع مماثلة حصلت في مناسبات جنوبية سابقة، استخدمت قوات الأمن التابعة لنظام 7 يوليو غير الشرعي القوة المفرطة ما أدى سقوط شهداء وجرحى، ما حدث يوم 13 اكتوبر من العام الماضي في مديرية الحبيلين بمحافظة لحج... وما سقوط شهداء جدد في محطة الهاشمي بمدينة الشيخ عثمان إلا رافد جديد يضاف إلى سجل النضال السلمي الشريف لأبناء الجنوب الأحرار الذين تحدوا الحصار الجائر عليهم من نظام 7 يوليو المستمر منذ عام 94.
فتقييم لما حدث يوم 13 يناير الماضي هو ان هذه السلطة، فقدت شرعيتها أصلاً، وفي 7/7/94 وهو يوم التدشين لاستباحة الجنوب أرضاً وأنساناً.
> منظمات المجتمع المدني بمحافظة عدن قالت إنه لم يتم دعوتها للمشاركة في اعتصام يوم 13يناير السلمي وتم إقصاؤها؟
- حقيقةً: الدعوة كانت مفتوحة لكل من يأنس في نفسه الرغبة الكاملة والقناعة التامة بأن أرضه منكوبة ويجب أن يعبر عن رأيه بالمفتوح عبر هذه الاعتصامات سابقها ولاحقها.. ولا مانع عندنا ولا تحفظ، في إطار عدن وخارج عدن، طالما والجميع يشعرون باحقية مطالبنا وشرعيتها، من المهرة شرقاً.. إلى باب المندب غرباً.
> يقال إن عدم مشاركتكم في فعاليات يوم 13يناير الماضي، كان بسبب عدم رضاكم للآلية التي تدار بها هذه الفعاليات، حيث سمعنا بأنكم ترفضون أن يشارككم «المشترك» في تنظيمها وما إلى ذلك... في الوقت الذي قرأنا لكم تصريحات سابقه تطالبونهم بمشاركتكم ومساندتكم لمطالبكم المشروعة؟
- نحنُ لسنا ضد أي آلية لتنظيم فعالياتنا السلمية... فقط لنا رأي، في من يحاولون فرض أنفسهم على هذه الفعاليات في الوقت الذي لم نسمع لهم صوتاً داخل «المشترك» ولا خارجه، طيلة ال13 عاماً الماضية من المعاناة الجنوبية بفعل حرب 94 الجائرة.
وعدم مشاركتي في فعاليات يوم الاحد الدامي يعود لارتباطات وظروف خاصة خارجة عن الارادة... ولا علاقة لها بما جاء في سؤالكم؟
> هل هذا يعني أن الفعاليات الاحتجاجية ستستمر وستكونون على رأسها؟
- نعم.. وعلى كل حال: الجنوبيون جميعهم متفقون على مواصلة النضال السلمي، من خلال الاعتصامات، مهما كلف الأمر... وكلنا فداءً لوطننا المنكوب بفعل حرب 94.
> ما الرسالة التي تود توجيهها للسلطة الآن؟
- أرجو وأتمنى وأتطلع أن تقلع سلطة 7 يوليو عن استخدام القوة المفرطة وغير المبررة ضد أبناء شعبها وأن تفسح المجال أمامهم للتعبير عن رفضهم للظلم والعسف ونهب الثروات وإلغاء الهوية الجنوبية التي يمارسونها منذ حرب صيف 94.
وادعو لهم بالرشاد وأن يعودوا إلى صوابهم في مرات قادمة... لأن الاعتصامات، ستستمر، حتى نيل الحقوق كاملة، غير منقوصة! كما أدعو إلى إطلاق سراح المعتقلين من السجون وإيقاف الملاحقات الأمنية.
كما أود أن أشير إلى أن الشائعات التي تروج لها السلطة عن إختفائي عن الأحداث في مكان مجهول غير صحيح، وأن موقفي ما زال ثابتاً، كما هو واجب أن أشكر صحيفة «النداء» التي كانت دائماً على الحياد والموضوعية وهي تقترب من مشاكل الجنوب وهموم الناس رغم كل الصعوبات.

 
***
 
صالح تعقيباً على تقرير للأمن القومي: لا تطلقوا الرصاص على الباحثين عن البطولات
نائب الرئيس يترأس أول اجتماع لم يعلن عنه يقر النزول الميداني
 
بعد بدء الحكومة حركة تعيينات داخل وزاراتها وبخاصة في مناصب نواب الوزراء، حيث عين نواب لوزراء: الخارجية، الداخلية، والإدارة المحلية، من الكادر الذي كان يدير دولة الجنوب قبل الوحدة، ترأس نائب رئيس الجمهورية ولأول مرة اجتماعا جمع رئيس مجلس الشورى ورئيس وعددا من أعضاء الحكومة والأجهزة الأمنية وقيادات المؤتمر الشعبي.
ووفقا لمصادر مؤكدة فإن اللقاء الذي استمع لتقارير مختلف الجهات عن احتياجات السلطة في مواجهة المعارضة، انتقد غياب الأداء الجماعي للمؤسسات الرسمية، وبخاصة المؤتمر الشعبي الذي اعترف أمينه العام بـ"بقائه بعيدا عن الميدان"، و"خارج الجاهزية الميدانية".
اللقاء الذي لم يعلن عنه، أقر خطة النزول الميداني لقيادات المؤتمر الشعبي العام، وسبب أول الاجتماعات النوعية للمؤتمر، أمس الثلاثاء، ترأسه أمين عام المؤتمر الشعبي العام أمام لافتة عريضة حملت عبارة "على طريق الإعداد والتحضير للانتخابات النيابية 2009م".
وناقش الاجتماع نتائج المواجهات التي تسببت في مقتل مواطنين أثناء الاعتصامات أو التظاهرات في مختلف المحافظات. وقرئ في الاجتماع تقرير للأمن القومي قدم للرئيس علي عبدالله صالح الذي طلب إلى الأجهزة الأمنية تعقيبا على التقرير بـ"تجنب استخدام الرصاص الحي في مواجهة أي فعاليات سلمية"، متهما "منظمي تلك الفعاليات بالسعي وراء بطولات على حساب الدماء التي تسيلـ".
اجتماع المؤتمر ناقش العلاقة بالأحزاب السياسية. وفيما طالب بتحديد الموقف من مطالب المعارضة "إما الحوار أو السباق معها على الجماهير"، فقد انتقدت قيادات مؤتمرية "تعيين مسؤولين محليين أو في المركز من خارج المؤتمر" معتبرة ذلك "إضعافا لهيبة الحزب الانتخابية".

***
 
أمن عدن يعيد قائمة ال16 جنوبيا إلى الواجهة
 
طالب المحامي يحيى غالب احمد الشعيبي، عضو اللجنة التحضيرية لفعالية التصالح والتسامح الجنوبي، النائب العام ووزير الداخلية بسرعة التوجيه والإفراج عن المعتقلين من قبل إدارة أمن عدن، عقب مهرجان التصالح والتسامح الجنوبي، والمعتقلين في شرطة الشيخ عثمان، وهم:
 1 - محمد مقبل بن مقبل الشعيبي - عقيد ركن - الشعيب – الضالع
2 - علي مقبل صالح - الضالع
3 - حسن صالح حسين ناجي - الوبح – الضالع
4 - مجاهد  محمد حسين -  ردفان
5 - محمد علي العولقي -  شبوة
6 - قاسم سعيد ناصر - يافع
7 - حسن سعيد صالح -  أبين
8 - منير محمد محسن حلبوب - يافع
9 - حسن ناصر عبد الله - الشيخ عثمان
10 - نايف حيدرة سعيد - ردفان
11 - محمد صالح موسى - اللبعوس – يافع
12 - عبدون محمد قاسم - الصبيحة – لحج
13 - سعيد احمد الزهري - لودر – أبين
14 - ماجد عبد الله سند - ردفان
15 - مرشد عوض عبد الله
16 -  محفوظ بخيت مبارك - دار سعد – عدن  
 وقال غالب إن سلطات عدن قد تمادت في الانتهاكات ضد أبناء الجنوب. وطالب المنظمات الدولية الحقوقية ومنظمة العفو الدولية ومنظمة "يهرو" ومنظمة الدفاع عن حقوق الإنسان  بالتدخل لدى السلطات اليمنية للإفراج عن المعتقلين.  

 
***
 
عن ثورة الجنوب الوطنية السلمية.. و«كأس الدم» والانقسام، والانقاذ الوطني
 
عبدالواحد المرادي
ماذا يحدث ويتواصل في يمن الايمان واللاحكمة؟! هل يجوز أن يفرض على يمنيي الجنوب الكرام المبادرين الطلائعيين الرواد أن يقدموا كل أشكال التضحيات بما فيها أرواح ودماء وأشلاء ابنائهم كل أسبوع أو كل شهر في كل حدث سياسي سلمي يلتقون فيه. وهي بالضروة القاهرة لابد أن تكون متكررة وكثيرة ومتواترة في سياق ثورتهم الوطنية السلمية الإنقاذية الراهنة انتصاراً للقضية الوطنية الجنوبية ولإنقاذ اليمن بعد أن لم يبق في قوس صبرهم منزع بعد 14 عاماً من غزو الجنوب غدراً، ونهبه واستباحته من قبل سلطة وسلطنة ج.ع.ي، باسم وحدة يمني هدمتها هي ذاتها ولم تبقي منها سوى حالة إحتلالية بدائية وصورة فجة من «استعمار داخلي» فظيع أهوج مريع.
 هل لابد أن يغدو تعميد سلطة الغزو والاحتلال الاخوي واجباً دموياً علي كل قرى وأحياء وأسر الجنوب حت يرتوي «در اكولا»؟! وهل لابد أن تستزف سلطة العدوان كل قطرة دم في وريد بقية الوحدة الاحتلالية من بقية صبر اهل الجنوب وبقية دمائهم قتلاً وقهراً وإفقاراً وحصاراً.. حتى تغادر المعارضة الوطنية اليمنية في مركزها القيادي وفي منظماتها في الشمال عالم الأوهام عن «إصلاح» الغلاف السياسي للنظام العسكري القابض على البلاد منذ غزو الجنوب عام 94، وعن التداول السلمي لأحلام اليقظة في بلد عز فيها التداول السلمي للكلام؟! وعن إصلاح نظام الكذب الانتخابي البيزنطي المغلف للسلطنة العسكرية اليمنية العجيبة في عيون معارضتنا الأعجب؟! بدلاً من ان تشرع هذه المعارضة بتصحيح تفكيرها وجدول أعمالها فتغير على بقية الوحدة اليمنية المهدومة فترفع أنقاضها مع الشعب في الجنوب المكافح الصانع للوطنية اليمنية الحديثة وقضية وحدتها من الأساس، والمحدد لها في هذا الزمان، وتضع يدها ومعها اغلبية الشعب في الشمال في يد أهل الجنوب المكافحين من أجل إعادة بناء الوحدة اليمنية ودولتها بشراكة أهل الجنوب الوطنية اليمنية واضحة ساطعة مؤسسية مضمونة بكل الأسس والأدوات الحقوقية الدستورية والتنظيمية الهيكلية تشريعية وتنفيذية وقضائية مدنية وعسكرية سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية.. الخ، في دولة قانون وطنية حقاً مدنية سلمية مؤسسية إتحادية (فيدرالية) ديمقراطية لمصلحة جميع اليمنيين وشراكتهم جميعاً وسلمهم وأمنهم وأمانهم في كل البلاد.
وبنضال سياسي سلمي مشترك للشعب اليمني وقواه الحية المقتنعة بذلك على تنوعها في كل اليمن جنوبها والشمال يغير كل الموازين ويفتح الأبواب المغلقة ويفرض الحلول والمعالجات لتحقيق ذلك وإنقاذ اليمن.. مبتنين في مجرى ذلك، دون تأخير، شراكة وطنية وحدوية يمنية بديلة لمشروع وطني كفاحي؛ بديل لما هدمته سلطة الحرب والغزو والإلغاء يقدم نموذجاً ليمن جديد ومعافى حقاً من أسباب التدمير الداخلي يلهم ويوجه الكفاح السياسي السلمي الراهن ويتحقق في غد غير بعيد.
أما الوضع القائم للأسف الشديد فإنه في حقيقته وجوهره خارج الوحدة اليمنية وخارج أي شرعية وطنية أو قانونية ذات صلة بوحدة 22 مايو اليمنية السلمية أوبأي وطنية يمنية جامعة حديثة... وجوهره ومضمونه هو شرعية القوة والغزو والاحتلال وإن كان أخوياً إلا أنه انقسامي عدائي مدمر واجرامي بالضرورة والوقائع الشاخصة على كل صعد الحياة والشمول الوطني، من الجنوب شريك الوحدة اليمنية الأصيل، إلى صعدة الجريحة تقول حقيقته اوحقائقه لمن ألقى السمع وهو شهيد بل لكل متابع لبيب أو غير لبيب. هذا الوضع وتجاهله أو إستصغار شأنه منذ ٩_4 الدامي هو مركز كل أزمات البلاد التكوينية ومآسي اليمن المدمر والذي هو على شفى جرف هار, إن لم يُغر هؤلاء الأخوة في المعارضة بعقل ومسؤولية دون أي تأخير إضافي في الشراكة الوطنية الكفاحية مع الكفاح الوطني السلمي المنطلق في الجنوب منذ ربيع 2007، وما يزال.. فهل تستجيب المعارضة أم ستتردد فيسوء الوضع أكثر مما هو سيئ؛ ويفقد الجميع كل فرصة وطنية يمنية للانقاذ أوحتى يتدخل خارج ما باسم إنساني أو دولي ما، لا سمح الله، أو بأي اسم فتتوزع الأوراق والمفاتيح لتبكي المعارضة والسلطة على اللبن المسكوب؟!
اللهم مكرراً مكرراً نشهدكم على ما يفجع... وأنتم اللطيف الخبير.

***
 
حدث استثنائي.. في لحظة تاريخية حرجة
 
فضل علي مبارك
على الرغم من الطوق الأمني الشديد وإجراءات المنع من الوصول إلى ساحة الهاشمي بمدينة الشيخ عثمان ومحاولة إيهام آلاف أخرى من الناس بنقل موقع المهرجان إلى ملعب 22 مايو إلا أن عشرات الآلاف من المواطنين من محافظات الجنوب المختلفة استطاعوا الوصول إلى ساحة الهاشمي في لحظة استثنائية ليخلقوا حدثاً استثنائياً.. كان التوافق والاتفاق عليه بين كل الاطياف السياسية والشعبية الجنوبية التي عاشت ردحاً من الزمن في اختلافات شديدة أدت إلى احترابها أكثر من مرة.
ولم تكتف السلطات بما عمدت إلى اتخاذه من اجراءت، لكنها سعت إلى تزييف الحقائق سواء من حيث منع إقامة المهرجان، إلى تقدير نتائجه، وكذلك فرضيات ما أسفر عن أحداث مؤلمة عقب انتهاء المهرجان. وفيما أكد نائب محافظ عدن عبدالكريم شائف أن المهرجان قد نجح إلا أنه زعم في المؤتمر الصحفي الذي عقدته السلطة مساء ذات اليوم بأن عدداً من المشاركين هم من قام باستفزاز الجنود ومحاولة سلب أسلحتهم ولو انه عاد ووصفهم ب «المندسين» وأن أحدهم رمى قنبلة صوتية.
قوات الأمن التي شكلت سياجاً لم تكن على بعد من الجماهير المختلفة بيوم رأت فيه طي آلام الماضي رغم سعي السلطة إلى فتحها على الآخر... حيث كان الجنود يتمنطقون أسلحتهم الرشاشة وسط الحشود، ومع ذلك ومثلما هو في كل المهرجانات السابقة لمختلف الفعاليات السياسية والشعبية في المحافظات الجنوبية، فقد كان المشاركون عند مستوى المسؤولية والحدث بأن يكون نضالهم سلمي وأن تكون مواجهتهم لآلة قمع السلطة برفع الأيادي البيضاء وترديد أهازيج التوجع من ظاهرة الفساد والنهب والتمايز في المواطنة... وآثار الحرب الظالمة عام 1994 على الجنوب، وغيرها من المظالم التي لحقت بالجنوب وأبنائه خلال 14 عاماً.
تبريرات السلطة لم تكن موفقة سواء من حيث محاولة المنع أو الاستدراك بحسب قرار اللجنة الامنية بالسماح لأبناء عدن فقط بإقامة المهرجان، أو بالجانب الأمني وما لحقها من تبريرات لقلب الحقائق، وكذا ما سبق المهرجان ورافقه وأعقبه من بيانات وكتابات تجرم وتحرم مبدأ التصالح والتسامح وترى فيه «رجساً من عمل الشيطان».
وهكذا أيقن الناس أن عليهم في كل منعطف نضال سلمي أن يقدموا قرباناً من أنفسهم لإرضاء السلطة دون منٍّ.
لكن السؤال الذي يفرض نفسه: متى تكف السلطة وتسمح بشفافية لكافة الفعاليات السياسية الشعبية أن تعبر عن رؤاها ومطالبها بروح ديمقراطية؟!!
 
***
 
عفراء الحريري في كلمة المرأة:
لا مثيل للظلم الذي تعيشه عدن
 
إن قدراتنا على التوافق والتصالح والتسامح هي السلوك الذي ينبغي أن نكون عليه أهل الجنوب، هو مقدار الشدة الذي يصعب تمييزه وكسره وثنيه... شأنها شأن تلاحم في الوجود، تحكمنا القوانين الإلهية قبل الوضعية لأنها تضم بين طياتها حقوقنا السماوية كما وهبها الله-عز وجل- لنا قبل المشرع اليمني. هي تلك القوانين لتلاقي الحتمي لكل المتشابهات التي فطرنا عليها نحن أهل الجنوب, ومهما بلغ عدد تجار القضية، ماضياً وحاضراً وقد يكون في المستقبل، فهذا التوافق والتسامح والتصالح هو أساس كل نفس عاشت وتعيش معاناة إهدار الكرامة ونهب الحقوق وخاصة (حقوق أهل «عدن») ويرتهن ذلك بنا نحن ب «الانسان».
إن تلاحم هذه المتشابهات «التوافق والتصالح والتسامح» في كل نفس إنسانية تعطي معنى كبيراً للوعي المدني الذي وصلنا إليه والذي من خلاله سنصل إلى حقوقنا.. إلى حياة كريمة وعليه لنا بفصلنا الزمان والمكان إلا من ضعفت نفسه وهان عليه الوطن وحق الاجيال القادمة في خيرات هذه الارض.
إن ما يحدث لنا هو فاجعة ينبغي إلا نقف مشاهدين لها في عالم متغير، فالفساد والاحتكار والتمييز والمواطنة غير المتساوية الذي نعيش فيه لابد أن يقف عند حد معين أو ينتهي، فالقانون هو وحده الذي يحكم كل ثوابت الوجود في حتمية تلاقي أهل الجنوب البسطاء وليس السماسرة وهم كثيرون وكثيرات.. وكل تكون محبته للوطن على قدر سمو نفسه في تلاقي التوافق، والتصالح، والتسامح.. أما السلطة وعشق التسلط هو ضلال هؤلاء في عدم تحريهم ومعرفتهم للثوابت المتمثلة «بالقانون السماوي والوضعي»، وهذا هو الذي ظنوه مطقاً بأن أرض الجنوب ومافيها وما عليها بما فيها الانسان حق مطلق لهم؟ فالمطلق الذي ينبغي أن يقتنعوا به هو الله الذي لم يفاضل بين الناس، ولم يفرق بين أهل الشمال، وأهل الجنوب، ولم يهدر حق الجنوب.. والمطلق أيضاً أن الجنوب جنوباً بأهله وثروات أرضه وحقوقه وخاصة في «عدن -ملتقى كل أهل الجنوب وغيرهم ممن كانوا ورحلوا من العرب... وغيرهم».
ولا يتم تجنب المصائب الكبرى في هذه الارض الجنوبية التي هي في صلتنا بالمصير، مصير كل، احد منا، بالتأويل والنميمة والنقل وشراء الذمم، بل بمدى مصداقية البرهان على توافقنا وتسامحنا، وتصالحنا مقوننه لا مبعثرة وعشوائية، وعلى حساب مدينة «عدن».
فإذا فشلنا بذلك الرهان لن نتمكن بأن نجعل منه برهاناً، بإبراز مصداقيته إلا ما لم يكن ببرهانه على الأقل ليس في ذكرى المحافل والمناسبات، بل في كل ما يلحق بالمواطن من ضرر في جميع الإضرابات والاعتصامات في كل مكان وزمان... فمصيبتنا الكبرى أيها الكرام هو أن كل منا، وكلاً مجموعة منا تعيش منعزلة عن الاخرى بضررها ومعاناتها في «الاضطراب والاعتصام» ومن هنا ندعوكم نحن النسوة بأن يتحول التوافق والتصالح والتسامح إلى براهين صادقة بأن نكون مع مطالب الناس عامة والوقوف معهم في كل إضراب واعتصام يتم للمطالبة بالحق والمساواة والعدل والكرامة، عوضاً عن خضوعهم لمتطلبات الحياة ل «ارتفاع الاسعار بدون حسيب أو رقيب، كاختلاف رواتب موظفي الدولة بارتفاعها في الشمال وانخافضها في رواتب أهل الجنوب خاصة «عدن» كارتفاع وزيادة فواتير الخدمات في عدن عنها في الشمال.
وغيرها من المتطلبات التي أكهلت وفجعت وأذلت أيضاً أهل الجنوب خاصة «عدن»، وأقول عدن لان الظلم فيها لا يماثله ظلم في أي بقعة من هذا الوطن ولكونها من الجنوب وللجنوب ولأن كل الجنوب مدين لهذه المدينة وآن الأوان للاعتذار لها... فمن هذا التفاعل والمشاركة والتلاحم والتراحم تنبثق قوانين الوجود الإنساني لتوافق والتصالح والتسامح في تفاعل الجميع أمام قضايا العامة والبسطاء لا أن تنحصر في ذكرى المحافل والمناسبات أو تتقوقع بين الأحزاب، لأن حصرها في مجال معين يفقدها معانيها ويعطل قوننتها في تحقيق المطالب وهذا كمال الغاية من وجودها -التوافق والتصالح والتسامح- «الوجود الإنساني الحقيقي» فهذه الدعوة النسوية هي البداية لخلق قاعدة التوافق والسامح والتصالح في كل ماهو حق، ومع كل ماهو حق وهي التي ينبغي التمعن فيها وفهم معانيها وإلا أصبح توافقنا وتصالحنا وتسامحنا عبثاً فلا ننسى بأن للمرأة دوراً في مراحل تاريخ هذا الجنوب, بل وكن رائدات على مستوى الوطن العربي في كل المجالات الذي جعلت من هذا الجنوب نبراساً لن ينطفئ.
مع تقديري لكم

***
حذارِ من الخسران!!
 
 د/ عبد الباري دغيش*
 لا يختلف اثنان على أن التصالح والتسامح والتضامن هي قيم جميلة ورائعة، ومثلها مطلوب ومندوب، ليس لذاتها ولكن لأنها ضرورات تؤسس للانطلاق صوب المستقبل الأفضل، وتهيئ لتقدم وتطور المجتمعات، وهذه يجب على الدولة دعمها وتشجيعها ورعايتها وليس قمعها، فتلك مناسبات إنسانية واجتماعية ووطنية يمكن أن
ترتقي كفرص سانحة إن صدقت النوايا.
 ونحن هنا نقول إنه يجب أن تشكل ملتقيات التصالح في عدن أو غيرها نموذجاً ومدخلاً راقيا للتصالح والتسامح الوطني الشامل وفي كل الاتجاهات الجغرافية للوطن اليمني، دون إثارة الخصومة مع الوحدة، لأن أي قضية كتلك إنما هي قضية
خاسرة وأي دعوات للعودة إلى ما قبل 22مايو90م إنما هي دعوات لا أفق ولا مستقبل لها على المدى القريب والبعيد عدا الخسران المبين للجميع وستدخل البلاد في نفق شديد الظلام لا نهاية له ولا قرار. ودعوات كتلك لا تخدم بأي حال من الأحوال قضية الحقوق وإنهاء المظالم، بل على العكس من ذلك ستكرس واقعا أشد قتامة. فحذار حذار من الخسران، علاوة على أننا لا نريد أن نكون كتلك التي نقضت غزلها من بعد قوة انكاثاً! وعلينا أن نعلم علم اليقين أن الوحدة ليست بيضة يمكن كسر قشرتها وعزل صفارها عن زلالها، ودعونا في هذا اليوم13يناير 2008م نذكر الجميع أن الديمقراطية التي ارتضيناها وسيلة لحل مشاكلنا أساسها الأنشطة السلمية المحمية بالقانون والمستندة إلى القانون، وأن الخروج عن القانون أمر مرفوض وغير مقبول من أي طرف كان، والله المستعان ومن وراء القصد.
* عضو مجلس النواب
 
***
 
إلى قادة الاحتجاجات في الجنوب:
متى تختارون لونا لاحتجاجاتكم السلمية؟!
 
محمد عثمان
أشتاط غيظا حينما أقرأ لأحد قادة الاحتجاجات في الجنوب (العميد النوبة) تصريحا في عدد سابق من "الأيام" بما معناه أنهم (أي قادة الاحتجاجات) سيصعدون احتجاجاتهم إلى أن تتحول إلى "ثورة برتقالية".
ومصدر غيظي ليس أنني أرى في ذلك شطحاً أو هدفا بعيد المنال. على العكس تماما. مصدر الغيظ يكمن في هذا بالتحديد: لماذا على هذه الاحتجاجات أن تكون برتقالية بالذات، ولا يكون لها لونها الخاص؟! ولماذا عليها أن تركن إلى توقيت ما في المستقبل ولا تبدأ في اختيار لونها الخاص منذ الآن؟!
الأمر الآخر أن "جنوب اليمن" -كما في أماكن أخرى في شماله- يُنضح بالموسيقى. مع ذلك لم نر -برقة التظاهرت- طبلا يُقرع ولا من ينفخ في مزمار! والسؤال هو: أليس من شأن حضور بعض المظاهر الفلكلورية وبوجه خاص الموسيقى أن يساهم -من ناحية- في ضبط وتنظيم الإيقاع النفسي لجمهور المحتجين، فلا ينحرف نحو ما هو متوقع في مثل هذه الحالات من أعمال قد تتعارض مع الطابع السلمي للاحتجاجات. ومن ناحية أخرى -وهو الأهم- ما قد يسفر عن ذلك من أنسنة لنفوس المتربصين والقتلة؟!
 
***
 
محمد عولقي وهدى العطاس وهشام السقاف:
ندين قمع المحتجين ومحاولة إلحاق اتحاد الأدباء بالأجهزة
 
استغرب أعضاء في أمانة اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين أن يقحم اسم اتحاد الأدباء في البيان الصادر عما سمي بـ"منظمات المجتمع المدني"، والذي أدان فيه ما سماه بالعمل الإجرامي، في إشارة إلى التظاهرة السلمية في عدن بمناسبة الذكرى الثانية لحركة التسامح والتصالح في المحافظات الجنوبية. وقال د/ هشام محسن السقاف ومحمد بن محمد ناصر عولقي وهدى العطاس في بيان نشرته أمس صحيفة «الأيام»: ِ"للاتحاد أطره ومؤسساته المسؤولة التي تصدر عنها بياناته وتصريحاته، وليس لأحد أن يتقمص هذه الصفة ليدلي بتصريحات تنافي مبادئ الاتحاد وأخلاقياته التي قامت على الاستقلالية والانحياز لقضايا الوطن والمواطنين منذ تأسيس هذا الكيان الوطني الوحدوي الريادي في السبعينيات من القرن الماضي".
 وفي الوقت الذي يؤيد أعضاء الأمانة الثلاثة إشاعة الديمقراطية وكفالة حقوق الإنسان، فإنهم يدينون سياسة السلاح والقمع في وجه المطالب المشروعة للمواطنين في كل محافظات الوطن، طالما تتم في إطار القانون والدستور وتحت سقف دولة الوحدة.
  وقال أعضاء الأمانة الثلاثة: "إن الاتحاد كمؤسسة وطنية ديمقراطية رائدة ليس ملحقا بأحد أو تابعا لأجهزة بعينها، بل هو منظمة جماهيرية رائدة عرفت بمواقفها الوطنية الوحدوية الحقة، عبر تاريخه الطويل، وليس لفرد أو جماعة الصفة الشرعية لتجيير الاتحاد ومسخه عن هويته المنحازة للمواطنين، ليصبح صورة مشوهة تنطق بعبارات المصدر المسؤول في الأجهزة الرسمية، بينما نحن مع إصلاح الاختلالات وإنقاذ الوطن من حالة التفكك والتمزق التي تصنعها السياسات الهوجاء.
وليس لأحد الحق في إصدار بيانات أو تصريحات استباقية كالتي أدلى بها أحد أعضاء الأمانة في البيان المذكور أو لإذاعة صنعاء، فإنها لا تعبر إلا عن قناعات صاحبها، بينما نحن نعبر عن أسفنا للقمع المفرط الذي تعرض له المواطنون يوم الأحد الماضي، وسقوط شهداء وجرحى وعسكرة الحياة المدنية في عدن، ومنع ممثلي وسائل الإعلام العربي والدولي من العمل بشفافية لنقل ما يحدث في الشارع".
وعبروا عن أملهم في أن يلعب الاتحاد دوره التاريخي المؤثر لصالح الوطن والمواطنين.
 
***
 
«أحد» عدن دامٍ وكئيب بإمتياز
 
فهمي السقاف
استقبلت عدن يوم الأحد 13 من يناير بهدوء حذر، هو أقرب للهدوء الذي يسبق العاصفة. أغلقت الطرقات وتعطلت حركة المواصلات والحياة لأناسها. ساحة فرزة الهاشمي تكتظ بالآلاف من المواطنين من عدن ومحافظات الجنوب، قدموا إليها استجابة لدعوة اللجنة التحضيرية لمهرجان التسامح والتصالح والتضافر بين أبناء الجنوب وذلك بمناسبة مرور عامين على أول فعالية للتسامح والتصالح والتضامن جرت في 13 يناير 2006 في مقر جمعية أبناء ردفان بالمنصورة آنذاك، وأغلقت السلطة مقر الجمعية بسبب تلك الفعالية. فشتان مابين 2006، و2008؛ إذ تعاظم الحضور الجماهيري، حول النخبة التي أسستها لفعالية التسامح والتصالح. هذا الزخم الجماهيري الذي ينشد التسامح لقيمة سامية هو ما أزعج السلطة وأرهقها.
لذلك استنفرت قواها الأمنية بقضها وقضيضها للحد من حضور المهرجان الذي سمحت السلطات مكرهة بإقامته... لذلك أغلقت أزقة وشوارع مدينة الشيخ عثمان المؤدية لساحة الفرزة؛ لمنع المواطنين من الحضور... أي محاولة ولو بالحوار مع الجند المدججين بالرشاشات والعصي بغية المرور من أي زقاق أوشارع. وبصرف النظر إن كانت بغيتك الذهاب لموقع الفعالية أو وصولك لمنزلك أومنزل أسرتك أو أي مكان آخر في قلب مدينة الشيخ عثمان، يقابله العسكر بالرفض وتقاد بسبب محاولتك تلك لسيارة الشرطة لينتهي الأمر بك في السجن.
حدث ذلك معي وأنا أحاول المرور من أحد شوارع الشيخ، استوقفني الجنود قائلين لي: «ممنوع». السلطة سمحت بإقامة الفعالية. نحن السلطة هنا ممنوع، خذه ياخبير... التفت خلفي وإذا بجنديين يصوبان فوهتي رشاشيهما على ظهري وسرعان ما تكاثروا، وإذ أنا محاط بهم من جميع الجهات ليقتادوني إلى سيارة الشرطة لتوصلنا لسجن شرطة الشيخ عثمان. هناك أخذوا منا هواتفنا المحمولة، وكذلك أقلامنا.... وأودعنا السجن في السابعة والنصف من يوم الاحد13 يناير. لدى دخولي السجن كان هناك مواطنون يقبعون فيه قبلي بساعات، حوالي أربعة تساءلت بصوت مسموع أمامهم قائلاً إن عددنا قليل، إذن !! أجابوني: قبيل نصف ساعة رَّحلوا مركبة 150 معتقلاً لسجن المنصورة. أجلس، قال أحدهم لي، سيأتوا بالمزيد.
رائحة السجن منتنة كريهة تبعث على الغثيان، لا نوافذ لتلك الجدران الاسمنتية للزنازين من سدت نوافذها مؤخراً، حمام السجن دون باب وستتقيأ إن دخلته لقضاء حاجتك رائحته كريهة فوق الاحتمال أرضية الزنازين وجدرانها رطبة ومنتنة. باختصار أشد هو بمنتهى القذارة بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى إذ لا أجد وصفاً آخر يفي بالغرض.
 بدأ عدد نزلاء السجن يزداد مع مرور الوقت. تم فرز النزلاء حسب أماكن عملهم «خصوصاً العسكريين المتقاعدين القابعين معنا»، ورحلوا كدفعة ثانية قرابة 20 ضابطاً لسجن المنصورة. بعدها سمعنا لعلعة الرصاص إذ عز على السلطة أن تمر هذه الفعالية بسلام.... لذلك استدعت الدم، لتكون الذكرى دامية لتلائم المزاج التسلطي... كان بين الجموع القادمين إلى سجن شرطة الشيخ عثمان شهود عيان سألتهم: أمن قتلى أوجرحى جراء إطلاق النار؟ وما سبب كل هذا العنف المنفلت من كل عقال؟! أجاب اثنين منهم: نعم أحدهم سقط جواري، قال الشاب حسيراً. لمحت بقعة دم على قميصه أتبعته بسوال: هل جرحت؟ ماهذا الدم القاني؟ أجاب: الحمد لله لم أجرح كنت أهم بإسعاف الذي أصيب جواري، لكنهم حالوا دون ذلك بقبضهم عليَّ ليقتادوني للسجن. والجريح؟!، سألت. أخذوني وهو مرمي على الأرض ينزف.
حتى الفتية لم يتركوهم؛ فتى من شبوة عمره لا يتجاوز 11 ربيعاً أودعوه معنا. بذلنا محاولات عدة مع حراس السجن لإقناعهم بأنه فتى قاصر وهذا مخالف للقوانين، إلا أن كل محاولتنا لم تجد آذاناً صاغية.
أفرج عني في الخامسة والربع بعد جهود بذلت من عديد أصدقاء، وأولهم صديقي العزيز سامي غالب. غادرت السجن دون هاتفي الجوال. إذ طلبوا مني أن أعود مساءً لاستلامه. زملاء المعتقل ظلو في محبسهم، دون غداء أوماء حتى مغادرتي. عند عودتي في الثامنة والربع من مساء اليوم نفسه لاستلام هاتفي، كانوا ما يزالون قابعين في السجن، و ذووهم متجمهرون أمام مقر الشرطة.
في تمام السادسة عقدت السلطة المحلية بعدن مؤتمراً صحفياً لتبرير ما حدث. قيل في المؤتمر من قبل أمين عام المجلس المحلي بأن قنبلة صوتية رماها المواطنون وعلى إثرها تم إطلاق النار... كلام كهذا عارٍ عن الصحة؛ إذا كُنا سمعنا صوت الرصاص ونحن قابعون في سجن شرطة الشيخ عثمان ولم نسمع دوي انفجار القنبلة الصوتية وهو أشد قوة من صوت الرصاص!!.
وفي ذات المؤتمر جاء على لسان مدير أمن عدن بأنه تم الافراج عن المعتقلين ماعدا عشرة يشتبه بهم!! ربما أفرج عنهم بعد الثامنة والربع أما حين كان يصرح للصحافة بذلك فكانوا ما يزالون قابعين في سجونهم.
وكذلك قال إن الاعتقال تم للأشخاص الذين كانوا بدون وثائق إثبات شخصية وأشتبه بهم؟! كلام يجافي الحقيقة غالبيتهم كانو يحملون بطاقاتهم الشخصية، ومنهم طلاب جامعات.
سمى أمين عام المجلس المحلي بعدن في المؤتمر الصحفي الجرحى والشهداء، وذكر ان أحد جنود الأمن أصيب وإصابته خطرة، ولكنه لم يسمه باسمه، إلا إذا كان اسمه من أسرار الدولة العليا.
كان أحد عدن دامياً وكئيباً بامتياز.
 
***
 
مقتطفات من البيان السياسي الصادر عن الملتقى
 
 
ياجماهير شعبنا الأبية:
إن نظام صنعاء لم يقم بالانقلاب على عقد الوحدة الدولي فحسب، بل ولم ينصع لقرارات الشرعية الدولية التي صدرت في فترة شن الحرب على الجنوب ولاسيما قراري مجلس الامن الدولي رقمي 924،931 اللذين أكدا على عدم جواز فرض الوحدة بالقوة وضرورة عودة طرفي الصراع إلى طاولة الحوار إضافة إلى عدم التزام نظام صنعاء بتعهداته للمجتمع الدولي في 7 يوليو 1994. إن تلك الحقائق وما تلاها من ممارسات بحق الجنوب لتؤكد بأن الوضع القائم المفروض قسراً منذ 7 يوليو 1994، لا يمت إلى أي شكل من أشكال الوحدة بصلة، وإنما هو وضع احتلال بدائي صرف، وطالما والأمر كذلك، فليس ثمة ما يوصل قضيتنا إلى ما نصبو إليه سوى النضال السلمي المثابر في طريق الخلاص من هذا الوضع غير الشرعي حتى يستعيد شعب الجنوب حريته وكرامته، وكامل حقوقه المشروعة، ويصون هويته وتاريخه المجيد الذي تعرض للتهميش والإلغاء.
وبناء على ماتقدم فإن لقاء التصالح والتسامح الجنوبي الشامل في مدينة عدن يؤكد على ما يلي:
1 - نؤكد بأن مهمة التصالح والتسامح والتضامن الجنوبي -الجنوبي لا تنحصر في دلالاتها ومعانيها السامية، في فترة معينة أو واقعة بعينها من تاريخنا المعاصر، وإنما تشمل كافة الصراعات ونتائجها خلال الفترة الممتدة من فترة ما قبل استقلال الجنوب وما بعده، كما نؤكد بأن ضحايا كل تلك الصراعات يعتبرون شهداء الجنوب.
2 - كما أننا نعبر عن صادق أسفنا لما عانته مدينة عدن التاريخية، مدينة التسامح والحضارة، في فترة الصراعات السياسية بحكم موقعها كعاصمة للجنوب دارت فيها صراعات الماضي، ولكن بالرغم من كل ما شهدته عدن من صراعات إلا أنها ظلت تحتفظ بمكانتها السياسية والاجتماعية والثقافية، بل وظلت مناراً فكرياً وثقافياً ولكنها اليوم أضحت هدفاً واضحاً لإخراجها من صدارة الحداثة والمدنية وتحويلها الى غنيمة يتقاسمها المتنفذون الذين حولوها إلى غنائم حرب وهبات تمنح لشركاء الظفر العسكري.
3 - إننا نستنكر ونستهجن لجوء نظام صنعاء إلى استغلال الدين استغلالاً سياسياً يتنافى مع قيم ديننا الاسلامي الحنيف وذلك من خلال توظيف فقهاء السلطة، لاصدار الفتاوى التحريضية لإباحة دماء الجنوبيين وتكفير نضالاته، كما حصل بجامع الجند بتعز في خطبة عيد الفطر بحضور ومباركة أعلى هرم بالدولة. إلا ان ذلك السلوك السياسي المشين اليوم لن يؤثر في وحدة وتلاحم أبناء الجنوب بعد نجاح لقاءات التصالح والتسامح مما يتحتم على علمائنا في الجنوب أن يقولوا كلمة حق للوضع المرير الذي يعيشه ابناء الجنوب بعد حرب صيف 94 الظالمة.
4 - إن قضية الجنوب لا صلة لها لا بشكل ولا بماهية سلطة الحرب، وإنما هي قضية شعب ودولة يخضعان لهيمنة عسكرية وهمجية لا تمتلك مقومات الشرعية. ولأنها كذلك، فهي نفي قانوني وسياسي وجغرافي وثقافي لشرعية الحرب السياسية وأن العلاقة المتعارضة بين شرعية الحق المغتصب وشرعية باطل القوة العسكرية، قد جعلت كل الخيارات مفتوحة أمام شعب الجنوب وصولاً إلى حقه في النضال لاستعادة أرضه المسلوبة. وفي الوقت نفسه نؤكد بأن قضية الجنوب هي قضية جميع ابنائه بمختلف انتماءاتهم الحزبية ومشاربهم السياسية وتكويناتهم الاجتماعية والمدنية والقبلية وهي القاسم المشترك لأبناء الجنوب في الداخل والخارج.
ويناشد أبناء الجنوب من هذا المهرجان الدول العربية والمجتمع الدولي أن يلتفتوا إلى معاناة شعب الجنوب إرغام نظام صنعاء الامتثال لقرارات الشرعية الدولية وتنفيذ التزامه للمجتمع الدولي.
5 - يدعو أبناء الجنوب سلطة 7 يوليو بالاعتراف الكامل غير المشروط بقضية الجنوب بقرار سياسي، وإلغاء كل الإجراءات الاستثنائية الناجمة عن حرب صيف 94 العدوانية الظالمة ويؤكد بأن أي مماطلة أوتسويف تجاه القضية الجنوبية، وعدم الإعتراف بها سيدفع باتجاه تأزيم الاوضاع وعلى نحو غير مسبوق يجعل كل الخيارات والاحتمالات مفتوحة على مصراعيها، ويحمل سلطة صنعاء تبعات ذلك.
6 - إننا ندين بشدة عمليات الاعتقالات واستخدام القوة العسكرية والقمع وجرائم القتل ضد المدنيين من أبناء الجنوب المشاركين في الحراك السلمي تلك المذابح التي تشكل جرائم ضد الانسانية لاتسقط بالتقادم. والوقت نفسه نقف إجلالاً وإكباراً لشهداء النضال السلمي ولكل شهداء وجرحى الجنوب الذين سقطوا من أجل القضية الجنوبية، ونجدد العهد بمواصلة النضال حتى تنتصر قضيتنا وأن دمائهم الزكية أمانة في أعناق الجميع، كما يحيِّي هذا اللقاء بحرارة جماهير النضال السلمي. هذه الجماهير التي تمثل، بحق، البطل الجنوبي الجماعي المكافح بمواجهة ثقافة القوة وعقل الهمجية والغطرسة. كما أننا ندين سياسة التدمير المنظم لمعالم الجنوب الاثرية، والتاريخية ولاسيما في مدينة عدن التي تتعرض للنهب والتدمير والسطو على كل معالمها الأثرية والتاريخية، وبالوقت نفسه نحيي كل الجهود المخلصة والأدوار المميزة والشجاعة التي تتصدى لهذه الأساليب الهدامة من رجال إعلام وكتاب وصحفيين ومتخصصين وندعو الجميع إلى مساندة ودعم هذه الجهود الجبارة، كما ندين النهب المنظم لثروات الجنوب العامة والخاصة وما يتعرض له ملاك ومنتفعو الاراضي الزراعية من نهب لأراضيهم ومصادرتها من قبل مراكز الحكم المتنفذة وبالوقت نفسه نؤكد دعمنا لكل الخطوات الايجابية لتشكيل مجلس تنسيق الجمعيات الزراعية وغيرها من منظمات المجتمع المدني.
7 - ندين بشدة سياسة التوطين الهادفة إلى تغيير بنية السكان في الجنوب تحت مسمى إعادة توزيع السكان، سيئ الصيت أو تحت مسمى مشاريع الشباب الوهمية على حساب سكان وأرض الجنوب. إن هذه السياسات يرفضها ويدينها ابناء الجنوب قاطبة.
8 - إننا نؤكد أن معاناة الغالبية من السكان في الشمال، يحظون بتعاطف كبير من جانبنا، بيد أن إجهاض الوحدة بسبب قوى حرب 1994 المتخلفة التي ضربت مشروع الوحدة، قد حال دون نيلهم المكاسب التي كانت مرجوة من اعلان الوحدة. ويتحمل نظام صنعاء كامل المسؤولية عن ما آلت إليه الأوضاع المأسوية في الجنوب والشمال.
9 - ندعو كل أبناء الجنوب، وبوجه خاص إلى الاهل الاحباء في شبوة والحد والصبيحة وكافة قبائل الجنوب المنتمين إلى سلالة الأمجاد، أن يوقفوا الاقتتال والثأر بين الاخوة والأهل والأقارب. هذا الاقتتال المدعوم من مراكز الحكم العسكري، التي تغذيه لتمزيق وحدة أبناء الجنوب، الدخيل عليهم منذ ما بعد حرب 1994 المشؤومة ونطالبهم بإعلان هدنة لفترة زمنية كافية ليتسنى لكل الخيرين بذل الجهود المخلصة لتوفير أسباب وعوامل إصلاح ذات البين.
10 - نعبر في هذا اللقاء عن تضامننا مع جمعية ردفان الخيرية الاجتماعية في عدن، ونطالب برفع القيود المفروضة عليها، وإلغاء قرار إغلاقها وعلى نحو يمكنها من استئناف نشاطها من جديد، كما نعلن تضامننا إزاء ما تتعرض له خيمة الاعتصام المفتوح في «مودية» من تهديد.
11 - في الختام يؤكد هذا اللقاء الحاشد على ضرورة تعزيز وتوحيد الصف الجنوبي وتوطيد عرى التلاحم والتماسك والسمو على الصغائر وجعل قضية الجنوب فوق كل الاعتبارات والمصالح الشخصية، والعمل بوعي وإصرار على عدم إعادة إنتاج التصرفات الفردية والأفكار الشمولية الهدامة وأساليب الإقصاء والإلغاء ونبذ الكراهية والاحقاد والاصطفافات الضيقة القاتلة وإلى ضرورة الحيطة والحذر من الدسائس المفتعلة لشق الصف الجنوبي والاستفادة من دروس وعبر الماضي بعد أن جسد شعب الجنوب بالفعل الواعي والخلاق قيم التسامح والتضامن وإدراكه الجماعي لحقيقة أن الحاضر الذي يهين عليه الماضي لا مستقبل له.
المجد كل المجد والخلود لشهداء وجرحى الجنوب الأبطال. وعهداً نقطعه بمواصلة النضال السلمي. المجد كل المجد لأبطال الحراك الجنوبي السلمي وأبطال الجنوب دعاة التصالح والتسامح والتضامن.
> صادر عن مهرجان التصالح والتسامح والتضامن الجنوبي في مدينة عدن
بتاريخ 13/ يناير/2008.

* يحظر إعادة نشر هذه المادة بغير إذن من الصحيفة.