إلى أين؟

إلى أين؟ - عبدالباري طاهر

عقب حرب 94 البشعة والإجرامية بدأ الحزب الاشتراكي يلملم أشلاءه. كانت أرض الجنوب ميدان معركة همجية تستعيد «وتنكش» ذاكرة حروب القرون الوسطى، وكانت شعارات الحرب «الوحدة الممهورة بالدم».
دعوة الحرب والسير في دربها الكريه كان التَّأسيس الحقيقي للانفصال كقراءة الفقيد الوحدوي عمر عبدالله الجاوي.
الاشتراكي الطرف الثاني والأصيل في توقيع بيان الثلاثين من نوفمبر واتفاقية الوحدة عقد مؤتمره العام في صنعاء بعد أسابيع من انتهاء الحرب، وانتخب المؤتمرون علي صالح عباد «مقبل» أميناً عاماً.
وعباد الشخصية القيادية المجربة والمؤسسة، كان يدرك معنى انتصار الحرب؛ فقد اصطلى بنارها داخل الاشتراكي أكثر من مرة، ويعرف بعمق أن انتصار الحرب زائف ومؤقت.
دان الحزب الحرب والانفصال، ودعا إلى تضميد الجراح ومعالجة آثار نتائج الحرب الكارثية والعودة الحميدة إلى وثيقة العهد والاتفاق، والتصالح على ضوئها.
لم يكن المنتصر في وادي إصاخة السمع لدعوات المنطق والعقل وراح يغرق في توزيع الأعطيات، والاستيلاء على «السلب»، والاستناد أكثر فأكثر على الحسم العسكري باعتباره حامي الوحدة والضمانة الوحيدة لبقائها.
وعندما عاد الدكتور محمد حيدرة مسدوس والشهيد الحي جار الله عمر، بدأ مسدوس في طرح شعار إصلاح مسار الوحدة... والشعار وإن كان في جوهره صحيحاً إلا أنه قد ترافق أو وضع في مواجهة مع التعددية السياسية والحزبية، والتطور الديمقراطي.
بدأ التباين في صف حلفاء الحرب بأكثر مما ظهر في معسكر وثيقة العهد والاتفاق؛ فقد بدأ التجمع اليمني للاصلاح، وهو إئتلاف بين الجناح القبلي بزعامة الفقيد الكبير الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر والأسلام السياسي، وكان الاصلاح أكثر تشدداً في المواجهة مع الاشتراكي، وفي التحريض والتشدد في الحرب. ولعبت مرونة «مقبل»، ودعوات جار الله عمر دوراً كبيراً في التقارب بين أحزاب وثيقة العهد والاتفاق وبين الإصلاح.
التمرد المدني الذي بدأه المتقاعدون العسكريون قد فتح عيون الجنوبيين بخاصة واليمن كلها على طبيعة الانتصار الذي ألحق أفدح الأضرار بالوحدة.
 استجابة الجنوب لهبة المتقاعدين كانت تعبيراً عن معاناة وإحساس الجنوبي بالغبن والضيم من إلغاء مشاركتهم، والتعامل معهم ككيان مشارك في الوحدة إلى مجرد فرع أو «عودة ابن ضال» كما تبطن حينها شعارات الحكم والاصلاح.
وبدأ الناس في الجنوب التحرك لرفض منطق الحرب: «الضم والالحاق». والتصرف معهم كغنيمة حرب وأسلاب.
التفكير في عقد مؤتمرات التَّصالح والتَّسامح الجنوبية هي الإجابة الأولى والصحيحة على الهزيمة التي لحقت بالجنوب وبالو جدة السلمية الديمقراطية، فالطرف الثاني في الإشتراكي (الزمرة) هو من لعب دور البطولة في الانتصار على «الطغمة».
وادرك «الطغمة والزمرة» أنهما جلادان وضحيتان في آن، وربما أدركوا ايضاً بحكم تجربتهم الدامية أن جلاد اليوم أضحية الغد، ولا من يتعض!!
خوف الجلاد الجديد من مؤتمرات التسامح والتصالح والاحتكام إلى القوة وإعطائها بعداً جنوبياً، يعني الاستمرار في نهج الحرب، ورفض منطق الوحدة السلمية كمصالحة وطنية ومشاركة حقيقية بين الشمال والجنوب، والحكم بعقلية الضم والالحاق، والغالب والمغلوب.
 يعرف الحكم أن كارثة 13يناير وانقسام الزمرة والطغمة ودور الزمرة في القتال، عامل حاسم في الانتصار السريع، وأن التصالح في جسد الجنوبيين يعيد طرح سؤال المشاركة بعيداً عن منطق الغلبة والاستعلاء الجهوي والطوائفي والقبلي.
إصبح دخان الانتصار المرذول في 7/7، مانعاً لرؤية ما يعتمل في الجنوب بين الاخوة الأعداء بالامس. وإذا كان قابيل وهابيل الجنوبيان لم يتعلما حكمة التسامح والتصالح إلا بعد احتراق أصابع كل منها، فإن أصابع قابيل الجديد قابلة للاحتراق هي الأخرى.
تزكي الدولة او فلنقل السلطة، بعنفها وغطرستها وتشددها التيارات الأكثر تشدداً أو عدم إدراك للشأن اليمني، وهي تعتقد -ومعها الحق- أنها لا تستطيع الانتصار إلا إذا كانت في مواجهة مع قوى خارج العصر وعلى شاكلتها.
إن عزل المشترك في الجنوب يبرز السلطة كبطل مدافع عن الوحدة في مواجهة مع قوى لا تريد الدولة ولا الوحدة.
أحداث عدن الدامية تشهد على فشل عزل المشترك وبالاخص الاشتراكي منه، وتؤكد أن السير في طريق سفك الدم هو العمل الانفصالي، وأن حكم الجنوب بالغلبة هو المستحيل ذاته، وأنّ الطريق المضمون والآمن هو العودة إلى وثيقة العهد والاتفاق، ورسالة اليمن للأمم المتحدة عقب الحرب، وبرنامج الاصلاح، هو ما تدعو إليه كل أجنحة الاشتراكي: الطغمة والزمرة، ويطالبه المشترك وهو البديل الأفضل من رهان على قوة لا تصنع إلا التمزق والانهيار وضياع الكيان اليمني.

* يحظر إعادة نشر هذه المادة بغير إذن من الصحيفة.