شرعب

شرعب - محمد الغباري

الدبابات ما تزال تحاصر منطقة الاقيوس في مديرية شرعب السلام للأسبوع الثالث على التوالي. ونفْي محافظ محافظة تعز قيام السلطات بتحمل نفقات استقدام قبائل الحدأ إلى مدخل المديرية لا ينفي واقعة أن الدولة أثبتت لنا جميعا أن الولاء القبلي للمسؤولين فيها مقدم على أي اعتبار, وأن هناك مستويات متعددة للمواطنة, الأولى لها حصانة واعتبار وأخرى لا مجال لتفهم حتى خطأها حتى وإن أقرت به...
عبد الناصر القوسي هو مسؤول في جهاز أمني معني بالحفاظ على أمن المواطن، وأي تصرف منه يخالف التزامه الوطني، وخصوصا ما نسب إليه من اتهامات ذات بعد مناطقي، لا ينبغي أن تمر دون عقاب, وما حدث له وزملائه في شرعب أمر لا يقره عاقل، وكان بإمكان الجميع الوقوف مع أي إجراء قانوني وفق تحقيق عادل ومستقل عن الحادثة بكل أبعادها, لكن أن تستعين الدولة برجال القبائل للانتصار للقانون أو لهيبتها فذلك تأكيد على أننا مازلنا نعيش في عصر ما قبل الدولة والمجتمع.
للمحافظ أن ينفي إنفاق مبالغ استضافة لرجال القبائل من صندوق تحسين المحافظة، لكنه مطالب بتوضيح من أين جاء هؤلاء بالخيام ومن الذي تولى تزويدهم بتكاليف وجبات الطعام والقات وغيرها، ومن الذي أعطى التوجيهات للنقاط العسكرية بعدم اعتراض المسلحين منذ خروجهم من ذمار وحتى وصولهم مشارف مدينة تعز. وواجبنا يقتضي أن ندين هذه السلطة التي تستعين بالقبائل لتصفية حسابات مع مواطنيها؛ لأن ذلك يذكر بالآلية التي كان الأئمة يتبعونها في إخضاع الناس ونهب ممتلكاتهم واستعبادهم.
 كنت أتمنى أن يغادر المحافظ مربع تحدي الصحفيين أن يثبتوا خبر تحمل المحافظة نفقات الرحلة النضالية لرجال القبائل, ويعلن موقفا منددا ومستنكرا لقرار الاستعانة بالقبائل لغزو منطقة سكنية واستباحتها، لأن ذلك كان سيكفيه عناء البطولات الزائفة.
اليوم وقد سلم أربعة عشر من المطلوبين للسلطات على ذمة حادثة قائد الأمن المركزي في تعز الدبابات وراجمات الصواريخ ظلت مرابطة في محيط المنطقة، وهناك لغة استعلاء وإصرار على اعتبار كل شرعبي متهما ومدانا سلفا, ورغبة في إثبات أن الدولة تمتلك قوة كافية لسحق المناوئين، غير أن هذه القوة لا فاعلية لها خارج حدود محافظة إب باتجاه الشمال.
منذ شهرين ورجل الأعمال فيصل الحبيشي مختطف في خولان. لكن، ولأنه لا ينتمي إلى الحدأ، فإن السلطة لن تستنفر كل قوتها وبطشها لإطلاق سراحه ومنع رجال القبائل من ابتزازه. كما أن السلطة ذاتها لن تجرؤ على حشد الدبابات وراجمات الصواريخ وعشرات الأطقم لاجتياح المنطقة وإخضاعها للقانون, لأن خولان قبيلة معتبرة في نظر أركان الحكم، وهي أيضا سند قوي له وقت الشدة. وقد سبقه في ذلك "صلاح الرعوي"، الذي قتل داخل سجن المباحث الجنائية بمدينة إب، ولم تستفز السلطة لهيبة الدولة المداسة على وقع الزوامل والبرع, بل ما زالت مراكز النفوذ القبلية تعمل بكل جهد من أجل إطلاق سراح القتلة والمتواطئين معهم، وقد حدث بعض من ذلك. والحال كذلك مع خاطفي السياح، حيث تقوم السلطة بدفع الملايين لاسترضائهم بل وإسقاط الأحكام التي قد تصدر في حقهم في نادر الحالات.
وسط عواصف الأزمات التي نعيشها تبدو قضية المواطنة المتساوية أحد أهم مداخل بناء الدولة. وإذا لم يجبر الحكم على التخلي عن سياسة التمييز فإننا جميعا سنقاد إلى هاوية التشرذم, وسنعود للبحث عن بني تميم, وعبس... الخ.
malghobariMail