نوستراداموس الذي سيحدد للزعماء كيف يحكمون العام 2008

نوستراداموس الذي سيحدد للزعماء كيف يحكمون العام 2008 - منى صفوان

عندما أعادت مجلة "آخر ساعة" المصرية في أواخر السبعينيات نشر نبوءات نوستراداموس, وفسرتها بتفسيرات لم يعد بعضها منطقيا اليوم، وثقت لعلاقة التنجيم بالسياسة. علاقة تجعل أحدهما تابعا للآخر تارة, ومتبوعا تارة أخرى. فما نشر في عهد السادات كان تفسيره ملائما لعهده, وإن أعيد نشره اليوم سيفسر بما يتوافق مع العهد الجديد؛ لتكون توقعات المنجمين في خدم السياسة أحيانا, ومسيرة لها أحيانا أخرى.
 إلا أن توقعات المنجم الفرنسي الأشهر نوستراداموس، التي مضى عليها أكثر من 500 سنة، ما تزال قبلة الباحثين عن كشف أسرار الغيب مع مطلع كل عام، وهي ما  يجدها البعض  مناسبة لكل عام، ويمكن أن تكون مناسبة أيضا لتوقعات العام 2008، ليرتبط اسمه بالأحداث المأساوية في العالم، من الحربين الأولى والثانية، إلى احتلال فلسطين وأحداث سبتمبر وسقوط بغداد. وأي حدث يحدث الآن يرجعه المؤمنون به إلى توقعاته, ومازالوا ينتظرون الكثير من المآسي التي توقع حدوثها في نبوءاته التي كتبها بشكل أبيات شعرية من أربعة مقاطع، غلب عليها طابع العمومية والرمزية واستحضار الأسماء القديمة للمدن, وكتابة أسماء بتغيير حرف أو حذفه, بما فسر بأنه هروب من محاكم التفتيش التي كانت تلاحق السحرة والكهنة. بينما يجدها آخرون وسيلة ناجحة لعدم كشف زيف تلك النبوءات التي برمزيتها وعموميتها يمكن إسقاطها على أي حدث وزمن, ويمكن تفسيرها بما يخدم سياسة أي زعيم.
 نوستراداموس ذو الأصول اليهودية الذي كان يطلق نبوءاته باسم التوراة والإنجيل, توقع ظهور قائد في قانون محمد يهزم أمريكا. بعد أحداث سبتمبر وجد البعض هذه النبوءة إشارة إلى أسامة بن لادن, خاصة وأن رباعيته تحدثت عن خروجه من أرض العرب السعيدة. قبل  ذلك كان توقعه يلصق بأي زعيم عربي يعادي أمريكا. نوستراداموس كان حصيفا كما في كل تنبؤاته، فلم يحدد.
 ففي عهد صدام حسين أعادت وزارة الإعلام العراقية نشر تنبؤات نوستراداموس. ووقتها لم تقرأ كما قرئت اليوم, لأن ما ينشر من تفسيرات اليوم يؤكد أن نوستراداموس تنبأ بمقتل صدام وسقوط بغداد, وهذا لم ينشر في زمنه.
"آخر ساعة" حذرت السعودية يومها من إسرائيل وبطريقه غير مباشرة لمحت إلى أن عليها الوقوف إلى جانب مصر. وتحدثت في السبعينيات عن نبوءة تتوقع انتهاء إسرائيل قبل انتهاء القرن العشرين، في أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات، وأكدت أن هذه النبوءة تثير قلقا في إسرائيل. وأكدت "آخر ساعة" أن إسرائيل تعمل بجهد وباستخدام العديد من المفسرين لإبطال هذه النبوءة وعكسها. ربما نجحت إسرائيل في ذلك!
الصحافة التي تقوم هنا بدور الوسيط في هذه العلاقه المشبوهة, تجعل من أوراقها أدلة إثبات أو إدانة, لعلاقتها هي نفسها بالناس الخائفين دوما من المستقبل الغامض, والباحثين عما يطمئنهم.
صحيفه "الغد " منتصف نوفمبر المنصرم نشرت مقابلة مع فلكي بيت الفقيه، أعلن فيها نبوءاته للعام 2008,  لم يكن فيها ما يطمئن، لا في العلاقة مع السعودية، التي لم تكن يوما مستقرة, ولا حتى على مستوى الفتن الداخلية التي تشهدها البلاد حاليا.
فقد استبعد الفلكي "الذي اعتاد إعلان تنبوءاته مطلع كل عام" دخول اليمن مجلس التعاون الخليجي خلال هذا العام, وتوقع أزمات في علاقتنا مع السعودية التي "لن تخلو من الشوائبـ", وحدوث قلاقل وفتن داخلية جديدة, إلى جانب استمرار فتن قديمة منها فتنة الحوثي وما يحدث في المحافظات الجنوبية والشرقية. توقعاته تجاوزت الحدود اليمنية، فهو استبعد نشوب حرب بين أمريكا وإيران, وتوقع بقاء الاحتلال الأمريكي في العراق، وعدم حل الأزمة اللبنانية والصومالية.
ولهذا الفلكي اليمني باع في التنبؤات السياسية, فقد توقع حرب صيف 94, والموت الغامض لعرفات، وتنبأ بأحداث سبتمبر قبل 8 أشهر من وقوعها.
هناك من يجد هذه التنبؤات خروجا عن الدين وإشراكا بالله. لذلك ففلكي كأحمد مهدي الصافي، وإن كان مسموعا من السياسيين, فهو ملاحق بتهم المتشددين الدينين بالارتداد عن الإسلام. وهنا يكون الدين في أشد اختلاطه بعلم الغيبيات, فكثير من المنجمين يطلقون تنبؤاتهم باسم الدين, ليجدها فريق آخر خروجا عنه.
 وإن لم يهتم بها البعض، مقابل تصديقها من فئة أخرى, فإن أخطر ما فيها أن ترتكز سياسات دول بأكملها عليها, وأن تحدد الأجندة الداخلية والخارجية بناء على توقعات المنجمين، الذين يتزاحمون مطلع كل عام لإطلاق نبوءاتهم للعام الجديد, وتكون الأذن السياسية هي أكثر المهتمين، خاصة أن تعلق الأمر بانقلابات أو نهايات كارثية، وهي –عادة- أمور لا يعلنها المنجمون للعامة, ويسربونها سرا لمن يهمهم الأمر.
فهذه العلاقه المسترخية بين المنجمين والسياسيين، بعمقها التاريخي, قليل من السياسيين يؤمنون من خلالها بأن "السيف أصدق إنباء من الكتبـ", فلو كان المعتصم قد استمع لمخاوف المنجمين الذين نصحوه وقتها بتأخير فتح عمورية, لما استجاب لنداء امرأة صاحت "وامعتصماه!".
 إنها علاقة تأخذ مداها مع بداية كل عام, وأثناء الأزمات, ولكنها ليست موضع ثقة دائما, ففي بداية العام الفائت أعلن منجم عربي موت الرئيس المصري حسني مبارك خلال  العام 2007, غير أن الأزمة التي أثيرت مؤخرا بصدور أحكام بحبس صحفيين مصريين نشروا ما يؤكد تدهور صحة الرئيس ووفاته, أثبتت بعد تكذيب الخبر أن حدس المنجمين لا يوفق دائما.
 هذه الفكرة تكون مناسبة لإطلاق النكات والتعليقات السياسية الساخرة, كنكتة انتشرت مؤخرا تقول إن منجما حذر رئيس دولة من استكمال بناء أحد مشاريعه التي تحمل اسمه, لأن في إكمال البناء نهاية محتومة له, فبقي هذا الرئيس يماطل لسنوات في بناء المشروع, حتى مات بالشيخوخة, وبناؤه لم يكتمل بعد.
 المنجمون يبقون دائما مؤكدين لفكرة أنهم بصدقهم كاذبون. رغم ذاك فإن الناس، عامتهم ونخبتهم، يهتم كثير منهم بالفناجين المقلوبة وخطوط الكف, وتفسير الأحلام, وكلام الأبراج, وما يحدده التنجيم عن مستقبلهم, وكيف سيكون حظهم هذا العام. فكل عام وأنتم بحظ جيد.
monasafwanMail