محمد صالح الحدي قائد المقاومة الشعبية في المناطق الوسطى لـ«النداء»: استدعاني علي ناصر محمد من موسكو وأمرني ممازحاً بشن الحرب على صنعاء

* التقيت الغشمي في مكتبه بالقيادة وأنشدته: أين ابراهيم يالعاصمة صنعاء ويالغشمي نريد الجواب
* السلطة تتعامل مع الشعب كأنه غريمها، وهي سبب الاحتقان في الجنوب
 
 حوار: فؤاد مسعد ضيف الله - هاني الشوذبي
العميد محمد صالح الحدي, من مواليد 1948
- أحد الجنود الذين كرسوا حياتهم للدفاع عن ثورتي سبتمبر وأكتوبر، وكان أحد قادة كتائب المقاومة الشعبية التي شكلت للدفاع عن الثورة إبان حصار السبعين يوما على صنعاء.
- نزح مع عدد من الضباط إلى عدن عقب أحداث أغسطس التي ترتب عليها تسريح وإبعاد مجموعة من ضباط القوات المسلحة.
- ترشح للكلية العسكرية والسياسية لمناهضة اليابان في جمهورية الصين الشعبية 71 - 1972.
- احد القادة المؤسسين لمنظمة المقاومين الثوريين التي تولت مقاومة السلطة في المناطق الوسطى فيما عرف حينها بحركة التخريب.
- كان الحدي المفاوض الرئيس باسم المقاومة والجبهة الوطنية مع الرؤساء إبراهيم الحمدي وأحمد الغشمي وأخيرا علي عبدا لله صالح.
هو الان ضمن المتقاعدين، أحيل للتقاعد عام 2002م. ويقول إنه يقضي وقته في الصلح بين الناس وتلمس همومهم لانه يعتبر ذلك واجب، إضافة إلى أنه ما يزال يتواصل مع رفاقه القدامى وإن كان يعتبر الجميع رفاقه حتى الذين اختلف معهم في الماضي ؛ ويكثر من حث الناس على التوحد وتجاوز أخطاء الماضي وصراعاته ويقول: لا يجوز أن نظل أنا وأنت مختلفين لأن جدتي اختلفت مع جدتك في سنة الجراد!!
«النداء» التقته في منزله في قرية "معزبة الحدي" بمديرية الرضمة محافظة إب.
 وكانت هذه الحصيلة:
> لنبدأ من أحداث أغسطس،ما تذكر منها؟
- كنا ضمن كتائب المقاومة الشعبية التي تم تشكيلها لدعم القوات المسلحة والأمن لفك حصار السبعين يوما عن العاصمة صنعاء (نهاية 1967)، وحدثت خلافات حول صفقة الأسلحة القادمة إلى اليمن وفوجئنا بقصف مقر قيادة المقاومة الشعبية، في الوقت الذي أوكلت إلينا مهمة التصدي للقوات الملكية التي بدأت تزحف إلى البيضاء. ألحقنا بهم عددا من الهزائم غير أن قواتنا تعرضت بعدها لحصار من قبل السلطة في صنعاء نتيجة الخلافات التي نشبت داخل الصف الجمهوري، كما تم اعتقال علي مثنى جبران وعدد من المحسوبين على عبد الرقيب عبد الوهاب، وترتب على ذلك اضطرارنا مع بعض الضباط إلى النزوح إلى عدن.
> من أبرز من نزح معكم؟
 - كان معنا محمد ناصر العنسي وعلي عبدا لله السلال وآخرون.
> بوصفك احد مؤسسي منظمة المقاومين لماذا المقاومة؟ ومتى بدأت؟
- بعد أحداث أغسطس بدأت السلطة بإرسال حملات عسكرية إلى المناطق الوسطى بهدف تصفية العناصر المحسوبة على المقاومة الشعبية. ومنها حملة عام 69 19التي قامت بضرب قرية بيت الحيدري، وحملة عام 70م التي حاولت الوصول إلى قرية الظاهرة (شرق دمت) حيث يوجد كثير من عناصر المقاومة الشعبية إلا أنها توقفت في مدينة دمت وكان ذلك بهدف التخلص من العناصر الموالية للجبهة القومية الحاكمة في الجنوب. تمهيدا للحرب الشطرية؛ وفي هذه الحملة قتل رفيقانا المرقب والظاهري؛ وعندما اشتكى أقاربهم للسلطة زجوا بهم في السجن، ومن هنا تحديدا بدأ تفكيرنا في المقاومة.
> من كان معكم في هذا التوجه؟
- الشيخ طاهر ناجي الظاهري وصالح أحمد الظاهري وحسين الهمزة وعبد اللطيف الهمزة وعلي عباد الحصيني. وقد طلعنا من عدن عام 71 واتفقنا على إسقاط منطقة دمت من يد السلطة. كان معنا إلى جانب من ذكرت: احمد علي الشفيري وحميد الحيدري وجبران الحيدري ومسعد العداشي وعلي الصيفي وعيلة وصالح برقوق وعلي محمد الظاهري ومحمد أحمد محسن الظاهري وأحمد مسعد الحقب وعبدالله القاضي ومحمد الحيدري وصالح قائد الكهالي. تم إسقاط المنطقة وقمنا بسحب المدافع والرشاشات إلى قرية الظاهرة.
أرسلت السلطة حملة بقيادة اللواء حسين الكبسي وهو من خيار القادة السبتمبريين وتم التفاوض معه وأفضى الحوار إلى حلول سلمية.
في اواخر العام 71 تم ترشيحي من قبل الجبهة القومية للدراسة في الكلية العسكرية لمناهضة اليابان في جمهورية الصين الشعبية. عدت منتصف العام 1972م وأثناء غيابي في الصين نزلت حملة للانتقام من الظاهرة وآل عمر في عزلة الحبيشية (مديرية دمت) واستشهد فيها الضابط صالح أحمد الظاهري والشيخ طاهر ناجي الظاهري الذي عاد حينها من جبن وسلَّم نفسه مع آخرين، واخذوهم ليتم إعدامهم في صنعاء. وفيها قال أحد المناضلين:
"يا ابن اليمن من نومك اصحى عهد الطمع ولى وقد راح
ثورة كوادرها من الريف يقودها عامل وفلاح".
وبعد عودتنا تم تشكيل منظمة "المقاومين الثوريين" الذي تولى أمانتها العامة الدكتور حسين الهمزة الذي كانت تربطنا به علاقة متينة من خلال عملنا المشترك في حل القضايا الناشبة في المنطقة، وتشكلت لجنة عامة برئاسة الأمين العام وتضم: احمد علي السلامي، عبد اللطيف الهمزة، أحمد السيد.
> من هو احمد السيد؟
- احد رفاقنا المؤسسين وهو من منطقة يريم، زار ارتيريا اواخر السبعينيات ومنها توجه إلى السودان، وفي اثيوبيا تمت تصفيته من قبل السلطة اثناء خلافنا معها.
> وماذا عن قيادة منظمتكم؟
- كانت للمنظمة قيادة مركزية مكونة من محمد صالح الحدي وعلي العواضي وأحمد عباد شريف وعبدالله أحمد مجيديع.
> كيف كان يتم اختيار القيادة؟
- بالانتخابات.
> هل حدث تغيير في العناصر القيادية أم أنها ظلت محتفظة بمناصبها؟
- حدث تغيير. بعد الدكتور حسين الهمزة تولى الأمانة العامة المناضل المعروف أحمد علي السلامي، وكذلك فيما يتعلق باللجان القيادية.
> وجود عناصر معكم من خارج المنطقة هل يعني أن المنظمة كان لها وجود في تلك المناطق؟
- بالطبع. المنظمة توسعت وأصبح تواجدها يشمل معظم المحافظات.
> هل نفذتم عمليات تستهدف القوات الحكومية؟
- كان اكثر ما نركز عليه مقاومة الظلم الذي حاولت السلطة إلحاقه بنا كأثر من آثار أحداث اغسطس. وحين ارادت السلطة أن تشن الحرب الشطرية فكرت مرة اخرى بالتخلص منا كوننا من الموالين لحكومة الجنوب، وهذا ما جعلنا نفكر جديا بالمقاومة.
> وماذا عن عمليات الاغتيال التي اتهمتم فيها؟
- اغتيال من؟
> محمد علي عثمان مثلا؟
- هذه العملية لم يثبت أن لنا أي علاقة بها، لا من قريب ولا من بعيد.
> بالنسبة لمنظمتكم هل كانت تشمل مثقفين وشرائح جتماعية اخرى أم أنها اقتصرت على العسكريين؟
- شملت مختلف الشرائح، كان تواجد الضباط لافتاً، وذلك لا يعني عدم وجود آخرين في إطارها.
> هل كان لديكم مشروع سياسي أم أن جعبتكم لم تكن تحوي إلا العمل المسلح؟
- (مبتسما) أيش، يعني قراح فقط؟ كان لدينا مشروع سياسي يتمثل في تطبيق العدالة والمواطنة المتساوية للجميع دون تمييز، وما انخراطنا في المقاومة إلا للدفاع عن أنفسنا من الظلم الذي لحق بنا.
> حدثنا عن علاقتكم بقيادة الشطر الجنوبي؟
- كان يوجد تنسيق وبشكل دائم.
> من كان يتولى الاشراف عليكم؟
- قبل ان تتوحد الفصائل كان التواصل يتم مع محسن ناجي العقلة مدير شؤون الوحدة، عبدالقوي عبدالله - قائد القوات الشعبية.
> وهل كنتم على اتصال بصالح مصلح؟
- نعم وخصوصا بعد توحيد الفصائل. وكان من أكثر القيادات حنكة. وكنت كثيرا ما أتولى مقارعته بكثير من المواقف.
> في أي موقف؟
- لسنا هنا بصدد الحديث عن ما اختلفنا عليه أصبح ذلك من الماضي.
> متى تعرفت عليه؟
- بدأت علاقتنا عام 1969 عندما ما كان قائد اللواء 22، واستمر تواصلنا معه.
> عن طريق من كان يتم التواصل؟
- كان يتم التواصل بين القيادة الميدانية مع القيادة في عدن، وليس هناك مسؤول محدد للتواصل.
> هل حدث أن التقيتم به داخل الحدود الشمالية؟
- نعم أثناء الحرب, وأذكر أنه زارنا في دمت عام 1979.
> يعني كنتم تتلقون منه التوجيهات؟
- كانت القيادة في عدن تتولى توجيهنا, ليس بالضرورة صالح مصلح.
> بالنسبة لموضوع الدمج بين فصائل اليسار في الشمال, هل قبلتم جميعا بالدمج أم كان هناك من يرفضه؟
- الحقيقة أننا في المنظمة كنا مجمعين على قرار الدمج.
> وبقية الفصائل.
- جميع الفصائل التي تم دمجها عقدت احتماعات متواصلة قبل الدمج، ولما وجد أن هناك اجماعاً من كل الفصائل تم الدمج.
> لو سألناك عن موقفك الشخصي من هذا الدمج؟
- ساقول إني منذ بداية انخراطي في العمل الوطني أدعو إلى الوحدة، وكنت أكثر الداعين لتوحيد الفصائل لإيماني المطلق أن ذلك التوحيد الذي توِّج بالدمج مع كافة الفصائل الموجودة في الجنوب ومن ثم إنشاء الحزب الاشتراكي اليمني هو النواة الحقيقية لتحقيق الوحدة اليمنية.
> هل تسبب الدمج في حدوث اختراقات أمنية لفصائلكم؟
- لا لم يحدث أي اختراق.
> لكن بعض الفصائل تؤكد أنكم (منظمة المقاومين) أُخترقتم من قبل الامن الوطني؟
- ذلك لم يحدث.
> كنت تمثل جبهة المقاومة المعروفة لدى السلطة بجبهة التخريب، فهل تفاوضتم مع النظام حينها؟
- نعم. التقيت الرئيس إبراهيم الحمدي أكثر من مرة.
> أين؟
- في بيته ومرة في قيادة المظلات.
> قابلته بصفتك ممثل المقاومة.
- نعم.
> من كان معك؟
لم يكن معي أحد، واتفقنا على تهدئة الأوضاع.
> هل هدأت فعلا؟
- نعم هدأت واستقر الناس في مناطقهم.
> إذاً لماذا شكلتم الجبهة الوطنية في نفس الفترة؟
- كان لنا مشروع كما للحمدي مشروع، وفي الفترة نفسها حدث انفتاح وسمح للتواجد العلني، مما هيأ للاعلان عن الجبهة.
> لكن حدثت مواجهات.
- حدثت بداية عام 1976، لكن الامور حسمت بالتفاوض.
> هل تكلمت مع الحمدي في قضايا أخرى؟
- نصحته أن يزيح الغشمي ومحمد خميس.
> بماذا رد؟
- قال إنه يعرف أن الغشمي لا يطمع أن يكون أكثر مما هو عليه.
> ما كانت مآخذك على الغشمي؟
- كنا وإياه على طرفي نقيض، فهو الذي تولى مهمة استقطاب بعض عناصرنا الى صفوف السلطة.
> كيف تلقيتم خبر اغتيال الرئيس الحمدي؟
- مثل لنا فاجعة أليمة وقتها بكينا كثيرا.
> لكن بعض فصائل اليسار كانت تتوجس من الحمدي وترى فيه منفِّذا لأجندة السعودية.
- نحن كنا نرى فيه قائداً وطنياً يجب التعاون معه ولم نكن نشك فيه مجرد شك رغم إدراكنا لعلاقته بالسعودية، حيث اطلعنا على رسائل من الشيخ عبدالله لعدد من المشائخ تؤكد مطالبة السعودية لكبار مشائخ اليمن بالتعاون مع الحمدي.
> مقاومتكم للسلطة اشتعلت من جديد بعد اغتيالة؟
- عادت بعد تولي أحمد الغشمي السلطة.
> هل التقيت الغشمي؟
- نعم.
> أين؟
- في مقر القيادة.
> وماذا دار بينكم؟
- طلب مني أن أُسمعه زاملا قلته عقب استشهاد الحمدي، وأسمعته:
اينو إبراهيم ياالعاصمة صنعاء وياالغشمي نريد الجواب
الشعب عارف بكل الدسائس ويلكم من صرخته والعقاب
> كيف كانت ردة فعله؟
- هو كان يعرف أن هذا موقفنا منه قبل استشهاد الحمدي وبعده وبالتالي لم يقل شيئا.
> هذا يعني أنه كان ودوداً معكم؟
- لا. الغشمي لم يكن كذلك، لكن هذه طبيعة اليمنيين، أثناء اللقاءات تحدث المجاملة وإبداء التسامح.
> ماذا طلب منكم؟
- طلب منا أن نتخلى عن كلمة "رفيق"، فقلت له هذه كلمة عربية موجودة من زمان قبل أن يستخدمها الاشتراكيون، والمثل يقول "الرفيق قبل الطريق" ولم تمر بعدها سوى خمسة أيام حتى قتل.
> بعد اغتيال الغشمي برز القاضي عبدالكريم العرشي وعلي عبد الله صالح كمرشحين وحيدين للحكم، مع من وجدتم انفسكم؟
- الحقيقة أننا بعد اغتيال الحمدي كنا ضد الكل. لم نكن مع أي منهما.
> في حرب 1979م الشطر الجنوبي حقق انتصارات كبيرة على السلطة وكان النظام في الشمال يوشك على الانهيار، هل كنتم كفصائل موالية للجنوب تسعون لإسقاط السلطة والسيطرة على الاوضاع؟
- كخطة استراتيجية في تلك الحرب لم يكن هذا واردا.
> وحين اتفق النظامان على التهدئة هل شعرتم أن ذلك استهداف لكم؟
- لا. كنا مع الاتفاق لأن فيه حقن دماء اليمنيين، وهذا هو توجهنا.
> هل كنتم على علم مسبق بتخطيط الناصريين للانقلاب على حكم الرئيس علي عبدالله صالح؟
- لا. كانت لدينا خطة لإسقاط النظام بعد استشهاد الحمدي مباشرة.
> من كان معكم؟
- تواصلنا مع مجاهد القهالي كي يتولى الحشد من جهة عمران، ونحن نتولى حشد المناطق الوسطى إضافة لعدد من المناضلين، فضلا عن معظم قادة الجيش الذين كنا وإياهم على اتصال.
> لكنكم لم تفعلوا شيئا؟
- حدث تباطؤ وارتباك بدا في بعض وحدات الجيش.
> متى بدأت علاقتكم بالشيخ مجاهد القهالي؟
- بدأت قبل ذلك بفترة. وكان احمد ناصر الظاهري يتولى التواصل معه.
> كيف تقيَّم حركة الناصريين تلك؟
- كان بالإمكان نجاحها لو أشركوا غيرهم فيها.
> في مطلع الثمانينيات توتر الوضع من جديد في المناطق الوسطى رغم اتفاق الطرفين على التهدئة.. من خرق الاتفاق أنتم أم السلطة؟
- عندما حدث التوتر الأخير كنت أدرس موسكو, ولم أعرف إلا عندما أتاني استدعاء بصورة عاجلة للعودة إلى اليمن.
> من استدعاك؟
الرئيس علي ناصر محمد.
> لماذا؟
- من أجل العمل على استتباب الوضع وإعادة بعض المواقع التي سقطت بيد السلطة.
> بأي صفة كان يأمرك علي ناصر محمد؟
- بصفته أمين عام الحزب وأنا عضو لجنة مركزية. وقد مازحني إذ ْأمرني فور وصولي من موسكو بشن الحرب من جديد، فقلت له: أنا لم أكن داعية حرب وانا في أرض الحرب (اليمن) فما بالك وانا قادم من أرض السلام (روسيا) حيث تُخصص ساعة قبل الدراسة لإلقاء محاضرات عن أهمية السلام والحفاظ على أرواح البشر. وكان معنا عدد من قيادات الحزب منهم جارالله عمر وآخرون.
> هل استمر علي ناصر في الاشراف عليكم؟
- لا سكرتارية الحزب هي التي تولت الاشراف والمتابعة عبر الشهيد جارالله الذي كان مسؤولا عن النشاط في الداخل.
> متى تعرفت على جار الله؟
- بعد خروجه من السجن إثر أحداث اغسطس. توجه إلى عدن وكنا قد سبقناه إليها، وهناك بدات علاقتنا به وآخرين مثل أحمد علي السلامي وغيره.
> كيف تحول الحدي من قيادي في المقاومة ضد السلطة إلى قيادي في جيش السلطة نفسها؟
- كان هدفنا الرئيسي تحقيق الأمن والاستقرار وممارسة النضال السلمي وحماية حياة المواطنين وحياة الأسرى من القوات المسلحة الذين وقعوا في قبضة الجبهة الوطنية أثناء حدوث المصادمات العسكرية بين الطرفين، ونظرا لوجود بعض تباينات في الرؤى لدى قيادة الحزب بدا همس خفي (مفاده) أن وجود الحدي في الداخل أصبح يخدم النظام في صنعاء...
> لماذا؟
- نتيجة لتحسس بعض رفاقنا من حرصنا على حماية أسرى الجيش الذين وصلوا إلينا، حيث كنت أعيدهم إلى الدولة سالمين ومكرمين، ما دفع ببعض مسؤولي السلطة لتخفيف الحدة نحونا الأمر الذي أثار حفيظة رفاقنا في قيادة الحزب, لذلك أرسلوني إلى موسكو لأخذ دورة في العلوم السياسية وبقيت هناك من عام 1980 حتى منتصف العام 1982 عندما تأجج الصدام العسكري مما اضطر قيادة الحزب لاستدعائي كما ذكرت سابقا.
> ما هي المهمة التي أوكلت إليك بعد عودتك؟
- كلفني الحزب بقرار من المكتب السياسي لرئاسة المفاوضات مع السلطة ووقف الحرب وتسوية الأوضاع في المناطق الساخنة والسماح لقوات الدولة بالتواجد في تلك المناطق تنفيذا لما اتُفق عليه الرئيسان علي ناصر محمد و علي عبد الله صالح. تلك المفاوضات كانت المدخل لمشاركة الحزب الاشتراكي وكل القوى السياسية في صياغة الميثاق الوطني. وتم الاتفاق على دخول كافة القوى في المؤتمر الشعبي العام كمظلة للجميع.وبقي بعضنا في المؤتمر وفي الأمن والجيش بقرار من الحزب.
> بعد اتفاقكم مع السلطة في الشمال كيف صارت علاقتكم مع حلفائكم في الجنوب؟
- اتفاقنا مع السلطة في صنعاء جاء تنفيذا لقرار قيادة الحزب كما أسلفنا، وقد اختلفنا مع بعض الرفاق في الحزب على وضع منطقة مريس(مديرية قعطبة) عندما قالوا تُسوى الأوضاع في كل المناطق باستثناء مريس لأن وزير الدفاع سيضع خطة دفاعية تشملها فاعترضنا وقلنا لماذا مريس دون غيرها؟ وحدثت بعد ذلك القطيعة لفترة زمنية.
> هل عاتبك جارالله على هذه القطيعة؟
- لم نناقش معه هذا الامر.
> ألم تتواصل معه؟
- انقطع التواصل لفترة. لكنا تواصلنا بعد ذلك بصورة شبه مستمرة؟
> كيف تلقيت نبأ استشهاد جار الله؟
- كان رفيقا عزيزا ويعزُّ علينا رحيله فهو من أنبل الشخصيات اليمنية في العصر الحديث, ومن القادة الذين استحقوا احترام خصومهم فما بالك بإخوانهم ورفاقهم. اغتياله كان كارثة بكل المقاييس. كنت أتصور انه سيكون آخر من تطاله عمليات التصفية لموقفه المعروف من العنف والاغتيالات. كنت ضمن مستقبلي العزاء في بيته إلا أني لم استطع أن أقول لزوجته "عظم الله اجركم" لهول الحادثة.
> ماذا عن حسين الهمزة هل حدثت بينكم قطيعة في تلك الفترة؟
- لا. استمر تواصلنا معه.
> بالنسبة للدعم المقدم من الحزب، هل استمر؟
- لمرة أو مرتين فقط.
> أثناء المفاوضات بين قيادتي الشطرين لوقف الصراع، هل كان لكم دور باعتباركم القادة الميدانيين لهذا الصراع؟
- نعم، فنحن من أوقف الحرب ومن أشرف على تسوية الأوضاع.
> ذكر الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر في مذكراته التي نشرها مؤخرا أن هناك مخربين مثل محمد صالح الحدي تم إدخالهم في القوات المسلحة (بعد المفاوضات) ليجدوا مجالا جديدا للعمل ضد المشائخ والتيار الإسلامي، ما تعليقك على ذلك؟
- الشيخ عبدالله رمز من رموز اليمن والثورة، ويستحق الاحترام والتقدير وهو عندما يتكلم عن التاريخ لابد أن يسمي الأمور بأسمائها خصوصا في تلك الظروف وفي ظل الاختلاف والتباين، ولو سألت اليوم الشيخ عبدالله والتيار الإسلامي عن محمد صالح الحدي لوجدت جوابا ايجابيا يتفق والتطورات والمستجدات.
 > الملاحظ في خطاب الأخ الرئيس انه لا يذكر المناطق الوسطى إلاّ و معها التخريب والمخربين, برأيك لماذا هذا الربط؟
- أرجو أن تعفوني من الإجابة عن هذا السؤال.
> لماذا؟
- لأن الإجابة ستفتح علينا أبوابا واسعة لا نرى مبررا لفتحها.
> قلت في أحد زواملك:يا عيد عيدنا على ما احنا عليه... في ظل وحدة رقدتنا في البيوت.. هل يعد هذا مطالبة بإصلاح مسار الوحدة لكن من الشمال ومنذ وقت مبكر؟
- كنا ننظر إلى الوحدة على أنها ستنهي كل مظاهر الفساد والإفساد وتشيع قيم العدل والمساواة.
> كيف تقرأ الوضع اليوم خصوصا في ظل تصاعد احتجاجات الجنوب؟
- اليمن تتعرض لموجات من التآمر داخلية وخارجية تستهدف النيل من وحدتها وأمنها واستقرارها. وما يقلقنا أن المطالب الحقوقية التي يقف معها كل أبناء شعبنا خرجت عن طورها إلى حد رفع شعارات انفصالية و(ترديد) ان دم الجنوبي على الجنوبي حرام. علما أننا نبارك المصالحة وتصفية رواسب الماضي لا على مستوى شطري وإنما على مستوى اليمن الواحد. ليكن شعار الجميع أن دم اليمني على اليمني حرام. هناك مظلومون ومحرومون في مختلف المناطق ومنها المناطق الوسطى ومأرب والبيضاء وذمار وريمة وإب وتعز والضالع، حيث حرموا من أبسط حقوقهم المكتسبة وبتآمر من قبل البعض في صنعاء وعدن. اعتمدوا للشهداء سواء المحسوبون على صنعاء أو المحسوبون على عدن راتبا شهريا قدره خمسمائة ريال وصل بعد التسويات الأخيرة إلى ألف وخمسمائة ريال لكل شهيد.
ولا يزال الضابط الطيار علي احمد الشغدري من مديرية دمت مفقودا منذ حرب 1994، ولا يعرف عنه شيء ولم يسلم راتبه إلى أهله، أليس هذا ظلما؟ وهل نقول إن الوحدة السبب في ذلك؟ لا فالوحدة هدف سام ونبيل ولا يمكن المساومة عليها مهما كانت المظالم.
> وما الذي أفضى إلى هذا الاحتقان؟
- ممارسات السلطة الخاطئة هي العامل الرئيسي في ذلك. تتعامل مع الشعب كما لو كان غريما و لها معه ثار. البلد تدار بعقلية عصابة لا تهمها مصلحة الوطن.
> لو طلب منك تشخيص الواقع بزامل, ماذا تقول؟
- قلت في آخر قصيدة مخاطبا رئيس الجمهورية:
يا سيدي طاقة الأحزاب وظفها
الانفراد يا حبيب الشعب أحجانا
وحمل الأم حملا فوق طاقتها
والشعب يدفع ثمنها آلافاً وأطنانا
حتى ان الأسعار بلغت فوق ذروتها
مع النزيف (صعدة) الذي إن ظل أعمانا
أنت الذي تفتح الأبواب وتغلقها
تعيد روح المحبة مثلما كانا
هذي نصيحة من الحدي تقبلها
يشفى بها جرح أوجعنا وغثانا