الذين يحبون الأزرق!

ما فعله جوليان جيرمان، 46 عاما، ذات يوم، كان عاديا, بل عاديا جدا. فذاك المصور الفوتوغرافي الذي اصطحب ابنته يوما إلى المدرسة، اكتشف فجأة أنه انقطع عن جو المدارس منذ 25 عاما، وأنه لم يعد يعلم ما الذي يحدث هناك. هذا الاكتشاف الذي أدهشه, فجّر لديه الكثير من الأسئلة... منها "لمَ لا يدخل التعليم في الفن!".
 وكان إحدى ثمار أسئلته المعرض الفني الذي يحتضنه المتحف الوطني بصنعاء هذا الأسبوع، والذي افتتحه وزير التربية والتعليم، عبد السلام الجوفي، مساء الأحد الماضي، ليستمر حتى 20ديسمبر.
الوزير الذي وجد شيئا في المعرض يصلح لدعاية سريعة للمؤتمر الشعبي العام, كان يفتتح ما نظمه المركز الثقافي البريطاني الذي اهتم ب11 مدرسة يمنية عرضت فقط 6 صور عنها، ليحتفظ المركز البريطاني بعدد أكبر من الصور التي لم تعرض.
غير أن ما سمح بعرضه من المدارس اليمنية, إضافة لصور أخرى لتلاميذ من البحرين والسعودية وبريطانيا وقطر, تحدث بصدق عن حال المدارس اليمنية. ولم يكن هناك مجال لتحسين الصورة أو للمقارنة.
السفير البريطاني، تيموتي تورلوت، بدا مهتما بحال التعليم في اليمن. وعن تجربته في التدريس في عدن لفتيات في العاشرة، تحدث عن ذلك للجمهور الذي وجد نفسه وجها لوجه مع الطلاب اليمنيين المكتظين في مدارسهم الحكومية, أمام صور أخرى مجاورة لطلاب إنجليز وخليجيين, كانوا يرتدون الألوان الفاتحة، وكانت فصولهم مرتبة وألوانها زاهية.
المصور كانت فكرته الأساسية إلقاء الضوء على حال المدارس في هذه البلدان. وجولته العربية التي بدأت باليمن, كانت جريئة لأن تكون الصورة الافتتاحية لمشروعه مع طلاب مكتظين يكرهون الفيزياء ويحبون الأزرق.
فقد كان اللون الأزرق هو الرابط المشترك بين الطلاب الانجليز واليمنيين, لينال هذا إعجاب الجوفي وينوه عنه بكلمته الافتتاحية, فهو معجب باختيار الأولاد "لأن هذا يمثل النقاء والصفاء وليس فقط لأنه لون المؤتمر الشعبي العام".
ما قاله التُقط من الحاضرين كمزحة أضحكتهم, بعد أن وقفوا في مساء بارد في ساحة المتحف، منتظرين الافتتاح الرسمي للمعرض الذي أبرز ألوانا أخرى فضلها الطلاب في مناخة ورداع وصنعاء.
هناك كانوا يرتدون الزي المدرسي الكاكي، وكانوا في فصول قاحلة من الألوان، وكانوا يجيبون على أسئلة الاستبيان بإجابات لا تعكس حب المدرسة.
المصور لم يقم برحلة لالتقاط الصور، بل كان مهتما بآراء من التقط لهم الصور. فهو بجولته مع 148 تلميذا، أكد لنا أن طلابنا يكرهون التاريخ والفيزياء. 0% نسبة هاتين المادتين, بينما التربية الدينية 84%، و5% فقط يفضلون اللغة العربية، 21% الإنجليزية, الرياضيات حازت على 16%، ولدينا 3% منهم يفضلون كل المواد، وفقط 1% لا يعلمون أية مادة يفضلون. وطلابنا لا يرغبون أن يصبحوا كُتّابا؛ 8% فقط يودون ذلك، و14% منهم يريدون أن يكونوا طيارين، 16% أطباء، 15% علماء، ومثلهم لاعبي كرة قدم, 6% شرطة، 9% رجال أعمال، و8 % فنانين، ولكن الذين يودون أن يكونوا معلمين فقط 1%. فهل يكره طلابنا المدرسة والتعليم؟!
الصور كانت صامتة، لم تجب على هذا السؤال. لكن الوزير كان مزهوا وهو يجول المعرض، وكان مرحبا باختيار اللون الأزرق.
الصور المعلقة، والتي اختطفت من حياة الطلاب لحظة لا تتكرر كل يوم، نقلت أيضا معلومات عنهم تحتاجها وزارة التربية والتعليم، التي لا يبتعد ديوانها العام عن مقر المعرض. ربما تحسن أجواء الدراسة والتعليم لدى شريحة يقدرها البنك الدولي ب78 % من إجمالي عدد السكان, علشان الصورة تطلع حلوة.
monasafwanMail