مظروف خاص إلى السيد رئيس الجمهورية

مظروف خاص إلى السيد رئيس الجمهورية - مروان الغفوري

سيدي الرئيس..
لا توجد مناسبة واضحة لأكتب لك الآن. لكن دعني أزعم أن مرور عام على حيازتك الجديدة لكرسي الرئاسة، وشهر رمضان، وذكرى ثورة سبتمبر، وظهور هلال أكتوبر، وحداثة العهد بيوليو، واقتراب نوفمبر، "ألقابُ مملكةٍ في غير موضعها"، وغيرها من المناسبات الفخمة التي تتراكم في فضائنا اليمني على مدار العام، يسير فيها المدّاحون والمتزلّجون من صنعاء إلى حضرموت لا يخافون الله ولا يمنعون الذئب عن الغنم. كل هذه المناسبات من المفترض نظريّاً أن تفتح شهّيتي للكتابة إليك، وبداخلي شجنُ إقطاعي قديم لأن تصلك هذه الرسالة وأنت تقرأ طالعَ اليمن السعيد، بحقّ، وتتساءل عمّا الذي دفع اليونانيين القُدامى لأن يمنحوا بلادنا هذا الاسم الفاخر "العربية السعيدة". وأنت ربما تعلم لماذا غيّر النبي اسم شاب في المدينة يُدعى "شهابـ"، وأنه قال: لا تسمّينّ ولدَك يساراً ولا رباحاً. فالشاب لم يكن له من اسمه نصيب. ولكي لا يبدو المجتمع متسامحاً مع الكذب ومتواطئاً ضد الحقيقة فإن حظر الأسماء المتفائلة والمفارقة لمنطوق الأشياء هو فعل تربوي وأخلاقي. هل تسمعني؟
سيدي الرئيس..
هل قرأت عن الشدة المستنصرية في تاريخ الجبرتي، أو المقريزي، أو ابن تغري بردي؟ حسناً، لقد كانت الفترةَ التي حكم فيها المستنصر الفاطمي مصرَ في القرن الخامس الهجري. استمر في الحكم ستين عاماً، مثل عهدك مرّتين. ونتيجة لطول بقائه في السلطة، كما يقول المؤرخون، فقد ترهّلت الدولة وطفا عليها الفساد وتحكّم في أموالها وأسواقها وخراجها مجموعة من الأقارب والعسكريين، وكانت النتيجة أن دخلت مصر في شدة عظيمة لم تعرفها سوى مرّة واحدة إبّان القحط الذي ضربها في فترة حكم العزيز. لا أكاد أصدّق يا فخامة الرئيس، فكل المؤرخين يقفزون على الموضوعي والذاتي ويختزلون السبب فيما يعتقدون أنه أُم الخطايا: طول فترة بقاء الحاكم على الكرسي، وما سيرافق ذلك بطبيعة التكوين الهش للدولة من اختلالات وثقوب ورتابة وهشاشات تفتح الباب شاسعاً أمام الرخاوة، والانهيار. يزعم المقريزي أن الجوع وصل في تلك الفترة لدرجة أن لصوصاً سرقوا فرس أمير، عجز عن الدفاع عنه لفرط جوعه، فأكلوه، فتبعتهم الشرطة فصلبتهم، فجاء لصوص آخرون فأنزلوهم من خشبة الصلب فأكلوهم. أشعر بالرعب. هل تشاركني الشعور يا فخامة الرئيس؟
سيدي الرئيس..
خرجتُ إلى الدنيا بعد توليك الملك بعامين. كان اليمن في تلك الساعة المخيفة غارقاً في الفوضى، تسيطر عليه الأمية والمرض والخوف والفقر، وتفحسه بيادات العسكر من أعلاه إلى أدناه، بحسب رواية ثلاثين عجوزاً في قريتي، تماماً كما هي الصورة الآن برواية عشرين مليون جائع. نعم، أقسمُ لك أن الصورة لم تختلف كثيراً. ربما ستزمّ حاجبيك وتبصق على كلامي! مقبولة منّك، فأنت لا تمر في الأحياء الفقيرة مثلنا، لا تفطر على الخبز الجاف والشاي كما فعلت أنا لخمسة عشر عاماً حتى أُصبتُ بفقر الدم والعقل، وتنازلت عن فكرة الإفطار من أساسها. أنت لا تعْبُر الأرصفة والأسواق لترى الإنسان اليمني الأثري المتهالك. فمُوالوك وماسحو نعلك الكريم يسرّحون ضفائر كل متر مربع قبل أن يعْبُره موكبك الإمبراطوري، وقلّما يفعل. ويَصُفُّون بناتنا وأخواتنا على طولِ طريقك مثل النخّاسين الأفارقة، حين تقرر أن تزور مدينتنا "كل سنة مرة". كل هذا لكي يستمروا في خداعك عن أن ترى الوجه الحقيقي لبلدتنا التي ماتت بصندوق وضّاح ويحيى وسلطان، بلا سبب وبسبب، بينما تستمر أنت في مديح ظلّ جوقتك وأتباعهم من الخاطفين الأشدّاء لأكثر من سبب. سيادتك لم تستخدم المواصلات العامة بعد صلاة المغرب لترى وجوه الناس المطموسة، لم تشرب كبّاية شاي أمام موقفٍ لعمال الحراج في الحديدة أو صنعاء أو تعز لتطّلع على بقايا الآدمية التي لا يُرى منها سوى الرقم القومي... هل تعلم كم موقفا للحراج في العاصمة على بعد ألف متر من مقيلك؟ لم تقضِ دقيقة واحدة في مطعم شعبي لتعرف كيف تنتقل العدوى وتهبط الصحّة، وكيف يتشبث مواطنوك بلقمة العصيد. إن صراعنا اليومي يدور حول توفير رغيف الخبز لا أكثر، في حين نرى بذخ أصدقائك وامتيازاتهم ونعدّ رحلاتهم الجويّة إلى أماكن النجوم في الكون كما يفعل الهامشيون في كتب الأساطير؛ فهل تنتظر منّا أن نصدّق مقولة القاص الكبير، أحد ماسحي نعلك القديم، حين أن كتب عنك قبل الانتخابات الأخيرة: "تغدينا مع الرئيس على مائدة كُدَم وإدام، على الأرض وتحت شجرة"؟ ألا يقشعرّ جلدك القروي يا فخامة الرئيس من هؤلاء الطفيليّين؟ كيف تقبل لنفسك أن تصفهم في اجتماعات عامة بأنهم "خيرة أهل اليمن وأشرفهم"؟ وكيف ترضى أن يكتب عنك الطبّالون: أعظم ديمقراطي في العالم الثالث، وفارس العرب، كما يفعل أحد أشهر غلمانك من مُشاة الصحافة الرسمية. فيما هم يبصرون العالم الحر يشطب اسم اليمن من جدول الدول ذات الديمقراطيات الناشئة، ويضع اليمن في المرتبة 148 في حريات الصحافة بعد كل دول العالم، اللي يسوى واللي ما يسواش. بينما يحرز بلدنا في عهدك المديد أعلى الأرقام في تضخم الفساد والأمية والمرض ووفيات الحوامل والملاريا وحوادث السير ومعدل الجريمة، وأقل الأرقام في الناتج القومي ومعدل دخل الفرد والإنفاق على البحث العلمي والخدمات العامة والشفافية والحكم الرشيد... هل لديك أدنى فكرة عن أي فروسية يتحدث هؤلاء يا فخامة الرئيس؟ كيف تكون فارساً وخلفك شعبٌ تائه مريض أمّي؟ هل ستصدقني إذا قلت لك إن ميزانية البحث العلمي في جامعة صنعاء، خمسة ملايين ريال يمني سنويّاً، بما يعادل ربع النثريات التي يسجلها مكتب عميد كلية الطب تحت بند القهوة و"الحاجة الساقعة" لضيوف مكتبه في العام؟ متخيّل سيادتك معنى هذا الكلام؟ هل تخيّلت معنى أن يكون اعتماد البحث العلمي 5 ملايين ريال فقط في العام؟ في خمسينيّات القرن الماضي رفعت لجنة مكوّنة من 37 خبيراً أمريكياً تقريرها عن حالة التعليم في أمريكا إلى البيت الأبيض، إثر نجاح السوفييت في إطلاق أول مركبة فضاء. لقد حمل التقرير عنواناً كاشفاً وصادماً: "أمة في خطر"، وكان سبباً في تعديل المزاج العلمي الأمريكي برمّته وتسيّد الأمّة الأمريكية على الكوكب. وأنت ترى العالم يسبقنا في الفضاء والأرض، في النووي والمجاري، في الطاقة والرقص... فهل فكّرت للحظةٍ ما أن تكون صريحاً معنا ومع نفسك ومع التاريخ، وأن تعلن حالة طوارئ عامة لأجلٍ غير معلوم ولحين الانتهاء من تسوية المسألة العلمية والمعرفية بحسبانها الطريق الوحيد المفضي إلى العالم الحديث، فنحن أمة في خطر، بكل الحسابات؟ بربّك، ألم تصب بالرعب والعرق والوجيب من تقرير المعهد العالمي للمعلومات: سجّلت اليمن "صفر بحث علمي" في السنوات الخمس الأولى من الألفية الجديدة، وهي الدولة الوحيدة في العالم التي حازت هذه الفرادة؟! ألا يستحق التعليم ومستقبل المعرفة تخصيص جهاز أمن قومي، على شاكلة ذلك المسؤول عن تفتيش حقائب المسافرين، يقيل عثرة التعليم ومعه ينجو بسفينتنا من الهلاك؟ أخبرني يا فخامة الرئيس: كيف سنبحر سويّاً ونحن بهذه العطالة العارمة؟ فُتوّة يعني، وخلاص. أهذا هو اليمن الجديد؟ وبمناسبة حديثك الأبدي عن المعاهد الفنّية، هل سمعت عن ميكانيكي صنّع سيارة؟ كيف يسمح أصدقاؤك لأنفسِهم أن يجعلوا من الطرقات أهم إنجازاتك التنموية ولا يعتبرون هذه الفاجعة "87 ألف ضحية، بين قتيل وجريح، هي إجمالي حوادث الطرقات في السنوات الثلاث الأخيرة"، أهم الأعراض الجانبية المخيفة لإنجازك الكبير، مما يعرّض الإنجاز وصاحبه للمحاكمة بحجّة تهديد السلامة والأمن الداخلي!
سيدي الرئيس..
أنا لا أحبّك ولا أكرهك. لكن تعالَ نتخيّل معاً هذا المقطع اليمني: في عام 2007 تخرّج في مصر حوالى 300 طالب يمني: 40 بشهادات دكتوراه،80 بشهادات ماجستير، والبقية بشهادات بكالوريا. لن أحاكم هؤلاء الخريجين ولا شهائدهم؛ احتراماً لرمضان. لكن: من بين هذا الحشد من الخرّيجين، فقد سقطت ليلة القدر على كتفيْ واحد منهم فقط، يحمل شهادة بكالوريا، فأصبح دبلوماسيّا أنيقاً (إكسلانس، بالصلاة عالنبي) في سفارة اليمن لدى مصر بدرجة "مستشار طبّي مساعد". هكذا مرّة واحدة ودون خلق الله كلهم. سل عنه صديقك وزير الداخلية، وبالمرّة طمّنه على "وِلْد خويّه" وقُل لّه علومه زينة والله. وأرجوك يا فخامة الرئيس اطلب تعليق صديقك د. الإرياني على هذا المقطع الناعم، وتأكّد من جوابه: هل يمكن أن ندرج هذا الفصل ضمن دلائل وعلامات "العدالة الاجتماعية المتوفرّة عشرين قيراط في عشرين قيراط" كما في حِلفانه الشهير منذ عام من الآن؟ لن أعلق بشيء يا فخامة الرئيس، لكن سأطلب من سيادتك أنتَ أن تقول لي ما الذي ينبغي أن أقوله.
وبمناسبة الخرّيجين من حملة الدكتوراه، فنحن لا نرى أن الدولة استفادت من هذه الكفاءات (بافتراض وجود كفاءة)، بينما ظل المشهد اليمني بكل تجليّاته حصراً على الذين وجدنا عليهم آباءنا وكبراءنا وأضلّونا السبيل. طبعاً، باستثناء مجموعة من حملة الدكتوراه تم استئجارهم كنافخي كير وطرشان زفّة. وإذا شئت يا فخامة الرئيس أن تتأكد من كلامي فاسأل وزير الخارجية عن المسح الذي أجراه على حملة الدكتوراه من مرؤوسيه في الوزارة. أرجوك، استحلفه بالله أن يطرّي على قلبك المشتّت بالمفاجآت التي تحصّل عليها. لقد كانت فكرة "بنت جنّيّة" تلك التي سوّلت له الإبقاء على حملة الشهائد المزوّرة لأجل استخدامهم بتقنية الأندر – كونترول، فالرأس الأببببيض ينفع في اليوم الأسسسود، أو بنظام طرفة بن العبد: "لكالطّوَل المرخى وثنياهُ باليدِ". معايا، يا فخامة الرئيس؟
سيدي الرئيس..
هل تعلم أين اختفت ال46 مليار ريال يمني، طبقاً لتقرير الجهاز المركزي للرقابة، والذي كان بحوزتك منذ أيّام؟ أنت لا تريد أن تعلم، كما يقال، ولذلك فلا أحد سيجبرك على ذلك، ولن يساعدك أحد. إن هذا المبلغ العظيم، وهو رأس جبل الثلج وحسب، كان كافياً لإغراق تعز وإب بالكهرباء في الدنيا والآخرة، فهل تستطيع أن تعيده إلى مالكيه ومحتاجيه الحقيقين: الشعب؟ أنت بعيد عنّا، يا فخامة الرئيس، جدّاً لا تعرفنا ولا نعرِفك. وفي ساعات الخداع الجماهيري يقوم أصدقاؤك بجرجرتنا إلى الميادين العامة لكي نعلن ولاءنا الجديد لك، كي يزيّنوا لك سوء الحال فتراه حسناً. لقد فعلوا ذلك معي أكثر من مرّة، وفي كلٍّ عدّوني عاشقاً زاهداً وأنا لست كذلك. وأرجو أن لا تغضب مني فأنا لا أحبك ولا أكرهك، إذ كل ما أبحث عنه هو "ماء وخبزٌ وظلٌ، ذاك النعيم الأجلّ" وهو ما لم توفّره أنت لي رغم مسؤوليتك الكاملة عن ذلك. سيادتك تعلم أنهم قادرون على حشدنا بألف وسيلة، حتى لو اقتضى الأمر حشرنا في آنية زبادي فإنهم سيفعلون. لا تقل أنه ليس لديك فكرة عمّا أتحدث عنه الآن. لكن بربّك: كيف تسمح لنفسك بتصديق أن حشود الفقراء والمرضى الذين يرفعون صورَك ويهتفون بدوام السؤدد والعلو لك هم محبّون حتى النخاع. كيف تفعل هذا وأنت ذاتك قلت أن الفقراء يلعنون أثرياء المسؤولين فور انتهائهم من موائدهم وأعراسهم؟ هل تظن أن الجوع سيستثنيك؟ ألم تقرأ مثلنا: أوشك الجوعُ أن يكون كفراً؟ ألم تعلمك السياسة، وأنت تنجز عقدك الثالث رئيساً، الحقيقة التالية: يكفي أن تنشر الجوع في المدينة لكي تحوّل سكانها إلى مجرمين.
هل قرأت تصريح المستشار الطبّي في سفارتنا في مصر: 200 ألف مريض سنويّاً يفدون على مصر ومثلهم إلى دول أخرى. ألا تصاب بالرعب مثلنا؟ فخامتك تحاول دائماً حل مشاكلنا باستخدام العقليات نفسها التي أنتجْتَها وأنت تعلم أن ذلك مخالف للمنطق والخبرة والتجربة، ثم تتحدث عن أنك تعتمد على التجربة والحدس في تصريفك لأمورنا، فكيف يستقيم ذلك؟ سيدي الرئيس أنت تقدر على فعل كل شيء، لكن كثيرين يقولون إنك لا تقدر، وقليلين يقولون إنك لا تفكّر، وفيصل بن شملان يقول إنك لا تريد. فمثلاً: لا أحد يعرف على وجه اليقين ما معنى أن قراراً جمهوريّاً يقضي بتعيين "سين" من الناس مستشاراً لسيادتكم وليس لديه أي خبرة قانونية، ولا سياسية، ولا اقتصادية، ولا ثقافية، ولا علمية، ولا يحمل أي شهادة، ومع ذلك فإن المتوقع منه هو أن يشير على سيادتك في كل ما يخص المستقبل اليمني على كافة الصعد، أن يقدّم اقتراحاته وتصوّراته الواثقة في تفصيلات أسئلة الراهن التنموي والمعرفي والإيديولوجي، فهل تعلم عنه هذه المهارات؟ أم أن ما يقال صحيح. أعني: أنك تخشى منه، أو تسعى لترضيته؟ هل تخشى منه يا فخامة الرئيس أم تشتريه؟ هل تخاف من المشائخ مثلنا؟ وهل يعقل أنك تشتري مستشاريك؟ كيف ستثق، ونثق نحن من خلفك، بقرارات وإجراءات يقترحها عليكم أناس سبق وأن باعوا أنفسهم وحددوا ولاءاتهم بمعادلات كمّية ونوعية، أو حدثوا فجأة في الواجهة بسبب من علاقات بنيويّة غير شفّافة؟!
سيدي الرئيس..
لماذا لم تقدم أيّاً من قيادات المعارضة إلى المحكمة، حتى الآن، ما دمتَ واثقاً تماماً من فسادهم؟ لماذا تتركهم يواصلون عبثهم في البلاد وأنت المسؤول الأول عنها وعنّا؟ بصراحة، لم أفهم ما معنى قولك عن المعارضة "إن أنت أكرمت الكريم ملكته". فكيف تكرمهم خارج القانون والحقوق؟ وماذا عنّا نحن الذين لا شفة لنا في السلطة ولا قدح لنا في المعارضة؟ كيف تذهب أموالنا العامة في إكراميات لا نعلم تحت أي بند صُرِفت؟ ولماذا لا تكرم بقية الشعب كما تفعل مع المعارضة؟ ثمّ هل أنت متأكّد من كل ذلك؟ أعني: من أنك أكرمتهم فعلاً، وأن إكرامك لهم كان مبرّراً قانونيّاً، وأن اليمن استفادت من وراء حفلات العطايا والسبايا هذه؟ أيضاً: هل تكرم أصدقاءك في الحكومة من أموالنا كما تفعل مع المعارضة؟ ما الذي يحدث بحق السماء؟ أهو اعتراف من سيادتك بمقولة علي سالم البيض، نهاية العام 1992، عنك: "لقد جعل من قصر الرئاسة مكتباً للتحويلات المالية"؟ لن أقول شيئاً خارجاً عن حدود الأدب لكي لا أكون أول ضحايا قانون حماية الوحدة، لكني أريد أن أتأكد مما إذا كان رئيس الجمهورية مسؤولاً فعلاً عن حراسة أموال العامة؟ أليست أموال العامة أهم مجلى من مجلات الوحدة الوطنية والجبهة الداخلية والسلام الاجتماعي؟ وكيف لا يحميها أحد؟ فعلى مدى عهد سيادتك بالسلطة لم يُقدّم مفسدٌ واحد إلى المحاكمة، ولم نسمع عن قرش واحد استعادته الجهات المختصة من سالبيه. لا أفهم ما معنى أن تؤسس هيئة للمناقصات، بحُجة فساد اللجنة السابقة، وهيئة لمكافحة الفساد، بذريعة عدم كفاءة الجهاز المركزي. صدقني يا فخامة الرئيس لست أفهم لماذا لم تحاكم اللجنة السابقة إذا كانت مفسدة ولا لماذا لا يُحل الجهاز المركزي إذا كان غير كفوءٍ. وما هو الفرق بين "لجنة" وهيئة، أو بين "هيئة" وجهاز؟ إن هي إلا أسماء سمّيتموها أنتم وأصدقاؤكم، ما دامت الحقائق على الأرض تقول بسخرية: كيف ينشأ جهاز متخصص دون وجود حاجة وضرورة تستدعيه؟ وبفرض وجود الضرورة، فما هي علاماتها؟ وكما يقول الإخوة القبائل: "اللي ما تشرّقش ما تنشّرش"! وكما فشل الجهاز المأمور ستفشل الهيئة المأمورة، والذكر كالأنثى.
سيدي الرئيس..
هل قرأت كتاب مهاتير محمد "المشكلة الماليزية"؟ أو كتاب محمد بن راشد آل مكتوم "تجربتي"؟ لن أسأل عمّا إذا كنت قد قرأت "الكتاب الأخضر" أم لا. لكن: هل وضعت في تصوّرك شكلاً لليمن بعد عشر سنوات؟ كان مهاتير محمد، من بين ركامات الفقر والجوع، يصرخ: "ماليزيا قادرة على أن تفعل كل شيئا". بينما تصرّ سيادتك على المنظمات الدولية أن تبقي اسم اليمن ضمن "الدول الأكثر فقراً" ولا تنسى دائماً أن تذكّرنا بأننا فقراء وأن الفقر قدرنا الأرضي المحض. النتيجة مذهلة في الحالين: الماليزي واليمني، بسبب اختلاف المقدّمات يا فخامة الرئيس، بكل تأكيد.
سيدي الرئيس.. أنا تعبت وحياة ألله. سأكمل بقيّة تعبي مع أغنية "ضاق خلقي" للسيدة فيروز. أتمنى لك إفطاراً شهيّاً. وبالمناسبة: هل شاهدت نصيحة تلفزيون "قفي" للشعب اليمني: لا تكثروا من أكل اللحم؟ سؤال أخير، وأعتذر إلى سيادتك عن تعكير مزاجك في رمضان: هل فعلاً تناولت غداءً من "الكدم والإدام"، مع الغربي عمران، كما بشّر بك عبر "الميثاق" في سبتمبر 2006؟
كل سنة وسيادتك طيّب.
thoyazanMail