زار أقاربه في السجن بعد مضي 16 يوماً على مقتله.. صدام.. الزائر بعد موته

- ابراهيم البعداني
قبل 20 يوماً غادرت جثة صدام، ثلاجة مستشفى الثورة بتعز على متن سيارة إسعاف قاصدة سجن مديرية السياني جنوبي إب، كان على صدام (الجثة) بعض مضي 16 يوماً على مقتله زيارة الشقيق رأفت وثلاثة آخرين من أقربائه المحتجزين في السجن قبل البدء في مراسيم الجنازة.
ربما أراد ظافر أحمد دحان الرعدي، والد صدام ذلك! لتحقيق رغبة أبنه الأخيرة قبل ان يقتل بالخطأ ظهيرة 26 من يونيو الفائت.

باعتزاز وفخر تتحدث الأسرة عن فقيدها ولكن بصوت مفجوع يتخلله نحيب.
عرف صدام، الشاب (16 عاماً) الذي بكاه أهالي عزلة عميد الداخل، مسقط رأسه بمديرية السياني، بحب الخير وتقديم مساعدته للجميع. وطبقاً لرواية الأسرة وشهود العيان، فإن صدام غادر منزل والده صباح الثلاثاء 26 يونيو الفائت قاصداً حقول القات كعادته.
كان الحقل الذي توجه إليه تملكه أسرة صديقه هشام الذي كان حينها في الحقل رفقة صديقهما منير.
اتفق ثلاثتهم على زيارة سجن المديرية، كانت فكرة صدام، الذي اعتاد زيارة أخيه رأفت وثلاثة أخرين من أقربائه: مأمون، صلاح، وسيم. المحتجزين منذ ال13 من يونيو على ذمة قضية لم تتضح أبعادها.
بعد قيامهم بقطف القات، دلف صدام وصاحباه إلى المحراس [غرفة الحراسة] التابع للحقل. لم يكونوا جميعاً يعلمون بخفايا القدر وبالفاجعة الرهيبة التي تنتظرهم في الداخل.
جلس صدام على فراش خشن - يشهد على أرق صاحبه من تعرض حقله للسرقة - لكنه شعر بوجود جسم صلب ! كان مسدساً روسياً وشد انتباهه كثافة الصدأ على السطح الخارجي له، فأشار إلى صديقه هشام عبده محيميد منبهاً إياه إلى خطورة تأثير بقاء الصدأ على جسم المسدس الذي يملكه والده، ودون أن ينتظر رد هشام أعطى المسدس لصديقه الآخر منير ليتولى مهمة إزالة الصدأ، أخذ منير المسدس وقام بفصل مخزن الذخيرة عن باقي المسدس، وشرع في دلكه بقطعة قماش مبللة بالزيت المخصص لإزالة صدأ الأسلحة.
لكن منير لم يكن يجيد التعامل مع المسدس كتخليصه للصدأ! فقد ظن أنه قد تخلص من خطر المسدس بإبعاد مخزن الذخيرة، فقد فاته أن رصاصة عالقة في ماسورة المسدس، ودون مقدمات انزلقت إحدى أصابع منير لتضغط على الزناد معلنة عن وقوع الكارثة.
فقد انطلقت الرصاصة من المسدس فخترقت رأس صدام ليسقط مضرجاً بدمائه التي ملأت غرفة المحراس في الحقل.
وبذهول يستعصي وصفه قذف منير بالمسدس من يديه ليستقر إلى شجرة قات، وبدأ يصرخ وينادي صديقه صدام، لكنه نهض مستغيثاً بأحد المواطنين لينقل صدام إلى المستشفى، وبينما هو كذلك توافد كل من كان في الجوار لنجدة الشاب الوديع.
وضع صدام بين يدي صديقه منير الذي توسط في جلسته بالمقعد الثاني لسيارة الهيلوكس وبجواره هشام.
وحال وصلوا إلى مستشفى القاعدة، رفض الأطباء قبوله بذريعة عدم توافر إمكانيات إنقاذه، فأسرع الجميع إلى مدينة تعز ليدخل مرافقو صدام في معركة مع المختصين في مستشفى الثورة العام لم تنتهي إلا عقب تسليم منيروهشام إلى ضابط البحث الجنائي بالمستشفى باعتبارهما المسؤولان عن الحادث، وأفتتح الطريق أمام صدام إلى قسم الإسعاف لكن القدر لم يمهل الأطباء فقد أسلم صدام روحه إلى خالقها.
مات صدام كضحية جديدة لسوء استخدام السلاح لكن الموت لم يكن النهاية، بل كان البداية، فبرغم تسلم إدارة أمن مديرية السياني لمنير وهشام وإيداعهما السجن، إلا أن جثة صدام ظلت رهينة ثلاجة مستشفى الثورة بتعز.
منذ اليوم الأول لإعلان وفاة صدام في السادس والعشرين من يونيو 2007، كان والده الفنان المبدع والمنولوجيست الرائع/ ظافر أحمد دحان الرعدي، مُصراً على أن يشارك "رأفت" إبنه المحتجز مع: مأمون، وسيم، صلاح. في مراسيم الجنازة ليتمكنوا من توديع رفيق طفولتهم وإلقاء النظرة الأخيرة على جثمانه.
عند الساعة الرابعة عصر يوم الخميس 12من يوليو حين وصلت سيارة الإسعاف التي تحمل جثمان صدام إلى أمام إدارة مديرية السياني بعد أن اخترقت وادي نخلان الطويل معلنة لكافة أبناء القرى المتناثرة على جانبي الطريق إصرار صدام على زيارة أخيه ورفاقه ميتاً بنفس الإصرار الذي كان يصف به محبته لهم وزياراته اليومية لهم في سجنهم حين كان يتمتع بروح الحياة.
وحين وصل جثمان صدام إلى الباب الأمامي لإدارة مديرية السياني، اضطر مستلم السجن بضغط من إنسانيته إلى فتح باب السجن أمام الشبان الأربعة.
تدافع السجناء الأربعة في حركة تلقائية لتنتهي خطوات أقدامهم أمام سيارة الزائر الفريد، فتح لهم باب سيارة الإسعاف فوجدوا أنفسهم أمام جثمان الأخ المجتهد في زيارتهم اليومية حين كان حياً، فانهالوا على جسده يقبلونه غير أن تقبيله لم يكن آخر عطاء الإخوة فقد انهار أخوه رأفت مغشياً عليه، وغرق مأمون ابن خاله في دموعه، فيما تشبث وسيم وصلاح بجثمان صدام باكيين.
لم يقف الأمر عند هذا الحد، بل ازداد سخونة مع تدافع الآخرين الذين قدموا لاستجلاء الخبر اليقين الذي جاءت به سيارة الإسعاف، ولم يستطع أغلبهم أن يحبس دموعه، حتى سائق سيارة الإسعاف أجهش في البكاء.
مضت, دقائق معدودة حتى غادر الجثمان المكان ليقطع عشرات الكيلو مترات الأخرى قبل أن يدفن في مثواه الأخير بقرية القريعاء بعزلة عميد الداخل.