مابو إلا صور الرئيس

مابو إلا صور الرئيس - نبيل قاسم

احتفل النظام الحاكم في اليمن بعيد من أعياد الوحدة، وحدث أن كان هذا العيد في مدينة إب، وإذا توجهت كيلو متراً واحداً شرق إب ستجد معدات تشق طريقاً إلى حصن حب، وهو أحد الحصون الهامة في اليمن، ويمكن أن يكون متحفاً يظهر قدرات الإنسان اليمني في بناء الحصون، أما إذا توجهت كيلو متراً واحداً غرب إب فستكون في حبيش، ذلك المستودع السكاني الذي يذكرنا بكل من وصاب وريمة وتعز، مستودعات الماكينة البشرية الموزعة على كل أرجاء اليمن والعاملة في الكثير من المجالات وهي الأكثر فقراً. الطريق إلى قرية الدنوة وعر جداً وجبلية، رغم أنها لا تبعد عن مدينة إب بضع كيلو مترات لا تتجاوز العشرة، وفي هذه القرية يوجد أحد المساجد القديمة والمتميز ببنائه المعماري، وبجوار هذا المسجد ستجد مسجداً صغيراً يشبه الكعبة، فقد ذهب باني هذه الكعبة سبع مرَّات إلى مكة، وكان يلاحظ ويشاهد ويركز على الكعبة ثم يعود إلى قريته ليهدم الكعبة ويبنيها مرة أخرى، حتى أنه بناها سبع مرات بعد أن هدمها سبع مرات، يحكى أن بانيها قتل على يد الإمام المهدي لأنه أراد أن يكون خليفة على منطقته.
بجوار كعبة الدنوة التم حولي أطفال كثيرون فأنا الغريب عن القرية، فبدأت الحوار معهم بقولي إني شاهدت الكثير من الصور المتحركة مثل عدنان ولينا وريمي وغراندايزر، وسألت الأطفال ما هي الصور المتحركة التي تشاهدونها هذه الأيام؟ وأجابني طفل لا يتجاوز الثامنة، وقد بدت علامات الحزن على وجهه: «هذي الأيام ما بو إلا صور الرئيس». فضحكت من أعماق قلبي لإجابته السريعة والتلقائية وتألمت حين بدأ الأطفال بالحديث خاصة، شكواهم من غياب الكهرباء. الشيخ الذي دلنا على هذه القرية قال بحرقة شديدة: «ربما لا توجد منطقة في اليمن يتنازع فيها أبناؤها على عرقلة المشاريع، مثل حبيش»، واستطرد قائلاً: «أخيراً اخترنا شخصاً طيباً ورشحناه لمجلس النواب ولكن العراقيل لاحقته من كل مكان دون أن ندري أي لعنة حلت بحبيش».
توجهنا لزيارة التحفة المعمارية الأخرى في قرية الفاراوي وأول ما يستقبلك في هذه القرية هو تلك المنارة التي تحطمت في زلزال عام 1982، ومنذ ذلك الوقت لم تجد من يعيد بناءها، ربما لأن طولها أكثر من عشرين متراً!! وذلك قد يكلف الدولة كثيراً.
في هذه القرية استقبلنا الشيخ زيد الفاراوي، ذلك الرجل الطيب الذي يتحدث إلى الصغير والكبير دون أن تفارق وجهه الإبتسامة، فقيه القرية الطيب رأى الأستاذة «مورنا» وهي تكتب يومياتها بجانب الصور الفوتوغرافية، قال: «ما شاء الله على خط مليح مع هذه السائحة، قدي زي القاضي النزيلي». ومنذ ذلك اليوم ونحن نناديها النزيلي، ونتذكر أهل هذه القرية الطيبين، ونتذكر إمام الجامع الذي صلى بنا صلاة الجمعة والذي يلصق الورقة بعينيه ليقرأ خطبة الجمعة. يا ترى من سيذهب به للطبيب لمعالجته وشراء نظارة!؟ ولنبدأ أولاً بمعالجة إمام القرية، ثم إصلاح منارة جامع الفاراوي، وبعد ذلك سنطالب بإصلاح الطرقات، وتوفير الكهرباء وتوفير المياه الصالحة للشرب. ونحن نعرف أن ذلك الاهتمام البالغ بالحقول وذلك العرق وتلك الغربة في جميع أرجاء اليمن ليست قادرة على توفير حياة كريمة طالما أن الحكومة تهمل حبيش وتعتبرها قفا إب. أما نحن فلن ننساها وسنكن لأهلها الحب والإحترام، وسأقول لأحد أبناء حبيش والذي يعمل في مدينة سيئون بائعاً للسجائر بعد أن أنهى الثانوية العامة: «أنا أُكنُّ لك الإحترام»، ولا أحترم شركة النفط اليمنية التي صرفت أموالاً كثيرة فوق جدران الطريق من إب إلى صنعاء لتكتب ترحيباً بالأخ الرئيس، وبعبارات شديدة البلادة، حتى أنك تعتقد أن مقرها هو إب؛ لماذا لا تقوم هذه الشركة بإصلاح بعض المآثر التاريخية بدلاً عن هذا التملق الممقوت?