إعادة حجب مواقع الإنترنت.. غرور القوة

إعادة حجب مواقع الإنترنت.. غرور القوة - نبيل الصوفي

التفت العسكري نحونا –سائق التاكس وأنا- وقال: "المشاكل مش مليحة!". كان يتحدث بهدوء، وكأنه يبلغنا سراً، ولكن عن قرار اتخذ منذ وقت مبكر ولا مجال للمفاصلة فيه وحوله.
الأمر بدأ بمضايقة سيارة صالون (لاند كروزر) للتاكس التي كانت تقلني في مشوار داخل العاصمة، وأصرَّ صاحب التاكس على أن يرد على المضايق، قبل أن نكتشفه صبيا دون ال15 عاما؛ لكنه محروس بمرافق في الخلف برداء مدني، إضافة إلى "الميري" الذي بدأت مقالي به.
بذلت جهدا لأشرح لسائق التاكس أن أباً يسلم ابنه سيارة ومرافقين، لا يحمل مثقال ذرة من احترام للقانون العام. حكمي ينطلق من أن الابن هنا ليس مجرد "طفل مدللـ" لأب "ثري"، بل هو ابن لشخص مسؤول –أظن ملامحه كانت تشي بعلاقة له بشخصية معروفة.
والمسؤولية هنا، تحولت بدلا من كونها تقتضي من الأب أن يكون أكثر حرصا على ابنه وعلى سمعته ومرافقيه الذين يستلمون مرتباتهم من مستحقات سائق التاكس المسكين، لحراسته هو من أي انتهاكات كشخصية عامة، إلى كونها مصدرا لحماية "صبيانية الابن" وانتهاكه للقانون العام. لذا فما بعدها تحصيل حاصل.
الأمر يظهر لنا كيف يفهم كثير من مسؤولينا المسؤولية، وماذا يعني لهم القانون.
ولأن الشيء بالشيء يذكر، فأتذكر هنا كيف أن صديقا عاد ليجلس بجواري على كراسي الدرجة السياحية، رغم أنه كان حاجزا على الدرجة الأولى في طائرة يمنية كان حظها أن مسؤولين أصروا على أن لا يجلسوا إلا في الدرجة الأولى!! وكيف أن مسؤولا أمنيا معروفا –بالنسبة لي على الأقل- أقلق راحة مضيفة رحلة أخرى وهو يوجه لها الأوامر بعد أن عرفها بمنصبه!! حتى اضطرت المضيفة –وبحدة- لتذكيره بأنها تعمل مع "اليمنية" وليس في وحدته الأمنية.
هذا كله يوصلنا للنقطة الأهم، وهي إعادة أطراف ما، حجب موقعي: "الاشتراكي نت"، و"الشورى نت"، بعد اتفاق وزيري الاتصالات والإعلام مع رئيس الحكومة على "الكف عن ذلكـ".
الأمر كله تعبير عن "غرور القوة"، وكونها بديلا كاملا لدى الغالبية من متخذي القرار، وبخاصة الذين يجمعون المنصب والقرابة الاجتماعية من مراكز القوى الحقيقية في هذه البلاد، أو حتى فقط ينتمون للأخيرة التي تعد القانون الأهم في مجتمع ضيق الخيارات.
المهم أنك قادر، سواء كان معك مرافقين أم كنت أنت مرافق. والمهم أنك مقرب، وزد لو كنت حيويا ولديك مقدرة على استعراض العلاقات؛ إذا لن تُسأل أبدا عن قانون، بل يجب على هذا القانون أن يطيعك ببلع أي مادة فيه تطالبك فقط بسلوك طريق شرعي لفعل شيء ما.
لم يزل القانون في بلادنا سلاح الضعفاء على الضعفاء، وكل قوي يعتبر القانون مسبة، وينشب تنافس بين المسؤولين والمشائخ وأبنائهم على تحقيق أكبر قدر من الخروقات. ولنا الله وأمل بدولة تشدد العقوبة على المسؤول حين يسيء استخدام السلطة.
وإذا كان يمكن الإصرار على أن الرئيس علي عبدالله صالح، ليس هو من يخرق القانون والنظام العام، فإنه -باستثناءات قليلة جدا، وللأسف- لم يقف ضد خرق القانون.
ومع ما ينقل عنه من مواقف ضد مقربين منه أساءوا استخدام القرابة أو السلطة، فإنه لم يستطع تحويل ذلك إلى مبدأ عام لا يحتاج موقفا خاصا منه. إذ ليس كل واحد بإمكانه محادثته عن انتهاك خاص به.
يستوي في ذلك من أراد فقء عين مدرس في المدرسة الباكستانية (قبل أكثر من عام) لأن الأستاذ قرر تأديب طالب لديه من سوء حظ الأستاذ أنه "طلع ابن واحد قريب للرئيس"، وهؤلاء الذين يعتبرون القانون مسبة، أو من يقوم بتصرفات ضد القانون العام بحُجَّة حماية المصلحة العامة.
nbil