مايو.. صورة واحدة ل 17 عاماً

مايو.. صورة واحدة ل 17 عاماً - غمدان اليوسفي

كأن السنوات تأتي على شريك الوحدة الرئيسي (الحزب الاشتراكي اليمني) لتنحيه بعيدا عن طريق القيادة الوحيدة الحالية.. فإن لم يكن إزالة هذا الحزب لوضعه فبفعل النظام وسوط لجنة الأحزاب.
الكلام ليس إنشاءً، إنما من واقع التهديد الذي أطلقته لجنة الأحزاب بحل الحزب الاشتراكي، وحزب اتحاد القوى الشعبية، الأحد الماضي، قبيل ذكرى الوحدة بيومين فقط.. هدية لا تخلو من الدراما الأليمة.
كل مايو تتضاعف متطلبات السياسة، ويزداد إلحاح الواقع على ضرورة الخروج من مأزق الحرب الكلامية وترويج الوحدة على أنها الإنجاز الذي تفرد به طرف واحد، هذا الطرف الذي أصبح مؤمنا بذات الصورة، بعد أن كان يرى أن الوحدة كانت هروباً للاشتراكيين بعد سقوط المعسكر الشرقي.
تتصدر صورة الرئيس علي عبدالله صالح الصحف ولوحات الإعلانات وشاشة التلفاز اليمني أثناء رفع علم الوحدة بشكل منفرد وخلفيته غير حقيقية، الصورة ناقصة وغير مكتملة الفروع، صورة جماهير في أحد المهرجانات بينما تختفي صورة قادة الوحدة الآخرين، حتى صورة توقيع اتفاقية الوحدة تظهر الرئيس يوقع الاتفاقية وحيداً مع نفسه والطاولة التي أمامه حيث اختفى المشارك الرئيسي فيها علي سالم البيض في يوليو 1994 من الصورة ومن الأصل أيضا.
"الفكر السلطوي الشطري الذي كان موجوداً في أعماق المتمسكين بالسلطة والتشطير الراسخ في أذهانهم، ولم يستطيعوا أن ينزعوا ذلك الشعور والمفاهيم من أعماقهم فظل حنينهم إلى السلطة حتى ولو كانت على حساب الوحدة" هكذا يبرر القيادي الاشتراكي السابق عبد القادر باجمال سبب حرب 94 بعد مرور 14 عاما عليها.
تكبر المطالب والصورة وحيدة في إطارات لا تهترئ، وجناح الوحدة الآخر ما زال مكسوراً يبحث عن بقايا ريشه الذي تناثر في 94، ويبحث عن معالجة لآثار صراع خلف غباراً لم تنجل أتربته بعد.
منذ أكثر من شهر تبث الفضائية اليمنية والصحف الرسمية كالعادة استطلاعات رأي للناس حول رأيهم بالوحدة... شيء لا يطمئن السلطة ربما، سيما وأن 17 عاما انقضت من عمرها، كفيلة بأن تجعل الناس مؤمنين أن الوحدة لا تحتاج لرأي بعد هذا العمر لأن استطلاعات الرأي غالبا تكون قبل الحدث وليس بعد أكثر من عقد ونصف.
71 شخصا كان قوام اللجنة المشاركة في لقاء صنعاء لقيادتي ومسؤولي الوطن قبيل الوحدة بشهر واحد، اختفى خمسون من الصورة الحكومية وبقي 21 فقط يتربعون على كراس متعددة، كثير منهم احتفظ لنفسه بمناصب كبيرة متوالية خلال 17 عاماً، ولم يصبه دوار الكرسي بعد، زالت ابتسامة أعضاء اللجنة وهي الابتسامة التي لن تتكرر، كما تحدث الدكتور ياسين سعيد نعمان لبرنامج "زيارة خاصة" في قناة الجزيرة قبل أسبوعين.
"إزالة آثار الصراعات" تكررت المطالبة بها خلال السنوات الأخيرة، لكن أطرافا ما زالت تستخدم تلك الصراعات كورقة سياسية تقفز إلى وسط المائدة كلما اتسعت الأطباق عليها، فتتناثر تلك الأوراق دون أن تصل قصاصاتها لتفيد المواطنين البسطاء.
مع كل بيان يضمِّن الرئيس صالح بيانه الحديث عن أن "المعارضة هي الوجه الآخر للنظام السياسي" لكن ذلك غالبا ما يتعارض مع الواقع؛ حيث تظل الأحزاب المعارضة قابضة على ترخيص لجنة الأحزاب -كالقابض على الجمر- الأمر الذي لم يعد لائقا بالطرح تزامنا مع الحديث عن الديمقراطية.
شيء آخر يطرح بعد هذا العمر هو "التنمية".. هذه المفردة التي تتكرر مع كل بيان رئاسي بمناسبة العيد الوطني وتطغى على مفردة "المواطن" مع أن صبره على المحن والغلاء فاقم السلبيات وجعل اللقمة أبرز هم يلاحق أكبر عدد من السكان، وهو يبحث عن صحة وتعليم قبل أرقام المشاريع التي تتناثر على شاشات التلفاز وميكروفون الإذاعات.
"حرية التعبير" هي المفردة الروتينية التي تتضمنها بيانات العيد الوطني وهي التي تتناقض مع عدد الاعتداءات على العاملين في حقل الصحافة وهي أيضا كمفردات الإشادة بالقوات المسلحة التي لم يخل منها أي بيان رئاسي.
في مايو 2004 أعلن الرئيس في بيان العيد الوطني أنه سيتم تنفيذ مشروع توليد الطاقة الكهربائية بالغاز، وبقدرة 3000 ميجاوات، وأنه سينطلق في عام 2007م، وبعد انقضاء فترة سماح الرئيس بدأت الكهرباء بالانقطاع مع اقتراب عيد الوحدة قرابة 4 ساعات يوميا، وقبله كان في 2003 في ذات المناسبة يعلن أن الطاقة الكهربائية ستصل خلال الفترة القليلة القادمة إلى حوالي(2300).
بعد 17 عاما ربما لدينا مشكلة في المصداقية، وربما في أشياء أخرى، لكن الحكومة ليست مضطرة لإطلاق تصريحات قد تعكر المزاج إذا وصفت بأنها كاذبة ولم تف بوعودها.
صفحات كثيرة لا تحتمل الانتظار حتى أعياد أخرى خشية أن يصبح المنجز الأبرز للرئيس صالح سراباً، يكون من خلاله قد أزال برميل الشريجة ونبتت له براميل أخرى تتضخم مع كل سياسة خاطئة لاحتواء أزمات تفتح أبوابها ولا تغلق، والأهم من ذلك أن يكون لدى صناع القرار رؤية للتعايش، مجتمع يحتاج إلى النظر إليه بعين مسؤولة بعيدا عن الإقصاء والتهم الجاهزة، وحل مشكلة معيشته بعيداً عن الخطابة المكررة.
[email protected]