على مائدة العشاء الأخير*

على مائدة العشاء الأخير* - خالد سلمان

أنا خالد سلمان.. أقر وأعترف.. وأقدم هذه الشهادة دفاعاً عن الحق و العدل ونظام حكم اليمن.. أعترف بأن هذه البلاد المحكومة بالصوت و السوط وردهات المحاكم..«ما بش» مثلها لا في الشموليات.. ولا في الديكتاتوريات.. وانه لم تخلق قط (لسواها) قدرة في تجاوز عنجهية عيدي أمين البليد.. وإقدام الدكتاتور ساوسيكو موبوتو قاتل لومومبا العتيد.. وان بونشيت الذي انقلب على ديمقراطية الليندي.. هو الأحمق في مقياس فراسة النظام.. إذ سلم الحكم لصندوق الانتخاب بعد ان شاخ و عصف به الزمن.. فيما اليمن ما زالت حتى اللحظة تقف وقفة عرجاء.. خلف حكم واحد حتى وإن أصيب بالكساح.
عموماً أتصور إن (أعلاه) هي شهادتي الحقيقية. ما عداها مجرد تفاصيل صغيرة.. في مكنه قمعية جهنمية.. تدار من غرف عمليات كل الأجهزة.. في ظل قضاء «الحاجة نزيهة»! التي أدانت سامية الأغبري.. وإعادت الحق للسفهاء في «الدستور» بصك على بياض.. صك حق الشتيمة.
<< ماذا يعني في هذه البلاد أن تتنفس البارود صباحا ومساء؟ ماذا يعني.. أن يغدو السير في السوق.. أكثر فداحة وإغراء للقتلة.. من الشراك و حقول الألغام؟
ماذا يعني أن تخطو الطريق.. وأنت تشعر بعطش سيارة عابرة لدمك المهدر؟
ماذا يعني لهذه السلطة.. إن كنت في الصحافة المحترمة.. تشفر «طرقات» بابك كل يوم.. تعيد بالهاتف تسمية أطفالك كل ساعة بأسماء حركية.. وان يسكنك الإحساس بأنك طريدة مطاردة.. وانك الصيد السهل لكل القتلة.. المتبرعين و المكلفين و ضحايا التعبئة الخاطئة.
قطعا كل هذا و جزء من هذا.. مجرد جزئيات من تفاصيل صغيرة.. لم يعشها الأصدقاء في صحف الحكومة.. لم يتملك أياً منهم أحاسيس التحفز و التوفز.. وتحريك كل حواس و قرون الاستشعار.. لتقدير نقطة انطلاق الضربة القادمة.
فقط تستطيع أن تشعر بهذا الكابوس.. إن كنت صحفياً معارضاً.. في بلد الإنسان فيه رخيص و القلم رجس.. والكتابة غيبة و نميمة (!!) حد حكم القاضي الريمي.
<< عندي 14 قضية.. سرقت روحي ووقتي.. ممن يستحقون حقاً لهم العناية و الرعاية.. الأسرة والأطفال والمهنة.
عندي 14 قضية إفك.. لا توجد في أضابيرها قضية لمواطن واحد في حق مدني.. اكبر أصحابها السيد الرئيس وأشقاؤه.. وأصغرهم مدير مالية تعز و قائد البحرية.
عندي 14 قضية.. 14 جرحاً سرق مني النوم الآمن.. ثم أجهز عليّ بسرقة الوطن.
عندي 14 قضية.. أرادوا منها إحالة حياتي إلى جحيم.. أرادوها ضربة فأس لشرخ الإرادة و تكسير الصمود.. وإضعاف الانتماء إلى حق الناس في حياة نظيفة.
ماذا بقي عليّ أن أقول؟.. لدي 14 قضية.. نهبت سنوات من عمري.. وهاهي تبدد ما تبقى منه في ضياح الغربة.. واصقاع الشتات و انا الذي لم اغادر قط داري.. لم اترك صغاري.
ألم أقل لكم انني اكتب شهادتي للذاكرة.. إن هذه البلاد قاتله بامتياز.. وان هذه البلاد فيها الحياة و الموت بيد الله و الطلقات الطائشة.. وان صحافة هذه البلاد منعوشة.. على أكتاف حكم يوزع دماءها في المعسكرات ومهرجانات التتويج.. اقتلوهم اين وجدتموهم.
ألم أقل لكم أن اليمن بزت كل «كاكي» تراث الأسلاف.. من الأرجنتين إلى تشيلي ومن نميري إلى بري.. وان ليس هناك من هو أضع وأفدح و افجع.. من حكم يرى في القلم رصاصة قاتلة.. إما أن تبادرها بالإنقضاض وإما تنقض عليك.
<< لدينا نظام حكم في عدائيته للصحافة.. «بوكاسي» الشهية.. يحلم بيوم يضع فيه الكتاب على مائدة عشائه الفاخر الأخير.. يتمنى ان يأكل طبق كتف نبيل سبيع.. يصنع من اصابعه الممسكة بالقلم.. سلك تعمير سبطانة البندقية.. يحلم بطبق مخ الخيواني.. بشفاة و صرخات الدكاك.. بكافيار عيون حسان.. بفاكهة روح فكري.. يحلم بشرب كأس دهشة محمود ياسين.
بضلع من العديني و جابر.. من الجرادي و سامي و عامر.. برمانة قلب عابد.. يحلم بهرس جهورية صوت توكل.. بفدائية رحمة بإستبسال دفاعات سامية.. ورش دم لغة «الجمالين» انعم و جبران على صحن حكمه عسل سبايا.
الجميع مشاريع قتلى على طاولة العشاء الاخير و قوائم النظام.. وكأن عوبلياً قد همس بإذنه: عليك بنخاع عظم الحرف فإنه يطيل عمر الرئاسات الشائخة.
ليس هناك من هو أشد خصومة للصحافة كما هو حال نظام هذه البلاد.. بلاد الزنازين و المقابر.. والموت الطليق.
* شهادة قدمت لمنظمة الزميل محمد صادق العديني.
[email protected]