الجمهورية المتحارب عليها في صعدة.. معارك هتك الإنتماء

الجمهورية المتحارب عليها في صعدة.. معارك هتك الإنتماء - فكري قاسم

تحتاج إلى كثير من الوقت لتستوعب أنه يتم إطلاق النار بينك وبعضك.
يتحاربون الآن في صعدة، على أيش؟ والله مالي علم!
رفع الحوثيون شعار :« الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل».
ومن سوء الحظ وسوء التصرف أن الذين ماتوا ويموتون الآن يمنيون فحسب»!
قالوا إن الولاية «للبطنين» وتمردوا من أجل ذلك. قاتلوا، وياليتهم قصدو بها (أي البطنين) بطن الشمال، وبطن الجنوب، فذلك شكل رائع للدفاع عن المواطنة المتساوية، وعن الوحدة الوطنية.
أو يا ليتهم قصدوا بها بطن الشعب -من الجنسين- رجالاً ونساء، إذ غلاء المعيشة والفساد وإرتفاع الأسعار وضع بطون الغلابى وأرواحهم على كف عفريت، ولصالح ثلة من القطط السمينة في كراسي الأمام؟!
ليت «الحوثيون» قصدوا ذلك.
وليت النظام الذي قال إنهم جماعة متمردة تريد الانقلاب على الجمهورية، يطمئن الناس -وبإجراءآت عملية- أن هذه الجمهورية المتحارب عليها لا تبدو مهرولة إلى «حدف» الفندم «حُمادي» كهدية نظير سنوات نضال الأب، الأب الذي حينما يكون أمن «جمهوريتنا» على المحك، فإننا نتوقع هنا أن يفكر بهدوء للدفع قدماً بالمصالح الوطنية، أو هذا ما ينبغي على الرئيس فعله.
إن البلد تخوض حرباً تشبه تماماً حروبنا أيام كنا صغاراً نلعب حرباً في الحارة- مع الفارق الكارثي طبعاً.
وكنا بفضل مسلسلات رمضان التي تحكي حروب المسلمين مع الكفار نخرج إلى أزقة الحارة، كل واحد منا بيده سيف صنعه من أي سيخ حديد، وبعد أن نقتسم فريقين، أو حارتين، نبدأ الحرب من زقاق إلى آخر، وعلى أيش نتحارب؟ والله ما كان لنا علم!
المهم حرب بالسيوف، والنبال، والرماح، وكذا بقذائف المنجنيق، المصنوعة من أوراق الحلص، وترمى باليد طبعاً.
وكانت تمضي أيام، وأسابيع أحياناً، ونحن نتحارب، وهات يا صياح، إذ كل فريق منا شاهرٌ أسلحته في المعركة، ويهتف بحماس: الله أكبر.. الموت للكُفار.
حتى لم يكن أحدٌ يعرف فعلاً من هو المسلم فينا ومن هو الكافر، المهم نتحارب وعند الله حُسن الثواب.
لكن الذي يحدث في صعدة الآن موجع وخطير، وثمة تُجار حرب -لما فطمتهم الشقيقة الكبرى على ما يبدو- وجدوا في استمرار حرب صعدة ما يجعلهم مستفيدين.
بالنسبة للصوص المجتمع الكبار، فإن الإتكاء على الحرب، أسهل دائماً من الإتكاء على البناء والتنمية، كما أن حالة الحرب توفر للأنظمة مساحة من الغفران إنْ هي لم تنجز شيئاً.
الدين كأداة حرب
< الدين هُنا أيضاً، أستخدم كأداة حرب!!
كلا الطرفان إستخدمه، وبطريقة أقل ما يمكن وصفها أنها كانت ساذجة.
أراد الحوثيون في حربهم ال «بلا عنوان واضح» أن يعملوا للرئيس «كُش ملك». فاصدروا فتوى تكفير ضده!! غير أنها بدت محاولة فاشلة، خصوصاً إذا ما عرفنا أن فخامته طيلة سنوات وهو يحصن نفسه بتحالفات قوية مع رجالات الفقه والسنة والتوحيد... والتربية الوطنية! بينهم جماعة الحوثي أنفسهم... وفعل كل ذلك ليدخل الجنة مُحتفياً به كما لو أنه سيدخل استاد «إب» في احتفالات العيد الوطني!!
والآن تقولوا كافر؟!
هذا العيار، ضد أياً كان، يبدو سخيفاً. ومشروخو الحجة غالباً ما يلجأوا إليه.
النظام هو الآخر، استخدم سلفيين لمآذن ومنابر الشيعة في صعدة، وبعض من سماسرته كفرُّوا الشيعة. اليمن دائماً تخوض هذا النوع من الحروب.
لسنوات طوال والنظام في اليمن يضرب اليساريين والتقدميين والمفكرين والادباء والفنانين، ويدعم بدلاً عنهم القبيلة والمشائخ وحوزات الدين.
إختفت دور عروض السينما، إندثر المسرح، ومعه الفنون وفرق الموسيقى، وإنتعشت فرق الجهاديين والسلف، والإثنا عشرية، والبطنيين، و... و... إلخ.
دُكت الشخصية اليمنية من الداخل، أُهمل الفن، الفن كأرقى وسيلة علاج لتشوهات مجتمع ما، ونشط سوق الكاسيت الوعظي. وبدلاً من الحُب ظهرت الحبة السوداء وخلطة العريس.
خفت صوت العقل المفكر.
وارتفع صوت الإقطاع وقاطعي الطريق، وكذا أصوات «التنكات» الفارغة.
< سنوات طوال والنظام مغرور بما كسب من جولات هتك الانتماء.
المحزن يا جماعة أن لدينا كتائب من الشهداء ولم نخض حرباً إقليمية واحدة.
كل الذي خُضناه حروباً أهلية طاحنة. هزمنا بعضنا، دحرنا بعضنا. الحزب الاشتراكي في الجنوب طحن ما طحن من البشر (في سبيل الوطن؟!).
نظام صنعاء منذ ما بعد الثورة طحن ما طحن من البشر، في سبيل الوطن أيضاً.
قادة عسكريون من الجنوب تم تحييطهم، شهداء بالآلاف ومن الطرفين سقطوا قتلى في حرب صيف 1994م الملعونة، وكله في سبيل الوطن.
 سنوات طويلة والنظام يفصِّل مثقفين وعسكر وقضاة على مقاسه، ولما بدى بلا حجم ولا مقاس أمام جماعة تمردت في صعدة صرخ: يا لومااااااه.
fekry