تحولت أجزاء منها إلى مواقع لرمي القمامة والنفايات ورعي الأغنام.. موتى مقبرة المسلمين في «القلوعة» يستغيثون من جور الأحياء!!

-  عدن «النداء»:
"الحي أولى من الميت"، هذا المثل الشائع بين الناس والذي يقال في ظروف معينة لا يغتصب فيها الأحياء حقوق الأموات، يبدو أنه أصبح في هذا الزمن الرديء قاعدة يستند إليها بعض ضعاف النفوس وعديمي الحياء من بني جلدتنا، حتى بات الشعار الأحلى الذي يبررون به تصرفاتهم الحمقاء وسلوكياتهم الهوجاء تجاه من تركوا هذه الدنيا الفانية ليلتقوا بالرفيق الأعلى.
مقبرة الموتى من المسلمين الكائنة في منطقة القلوعة بمحافظة عدن تحولت بسبب الأفعال غير الإنسانية التي يقوم بها ثلة من القاطنين جوارها، إلى ما يشبه الخرابة، بل هي الخرابة بعينها إن لم يكن هناك وصف أكثر دقَّة في إيضاح الحالة التي وصلت إليها بعد سنوات من الإهمال وعدم الاكتراث، وطيها في سجلات النسيان. هذه المقبرة كانت قبل سنوات طويلة تؤوي جثث الموتى من المسلمين (وأركز على لفظن ووصف "المسلمين" لأن هناك مقبرة أخرى أقدم منها للنصارى وعلى وجه الخصوص الإنجليز الذين عاشوا في عدن إبان خضوعها للسيطرة البريطانية التي دامت قرابة قرن ونيف من الزمان).
ولأن هذه المقبرة الخاصة بالمسلمين الوحيدة في المنطقة، كانت تدفن فيها جثث الموتى من المناطق القريبة منها، وهي تقع في نطاق أحياء شعبية مكتظة بالسكان، ولكنها ظلت محفوظة ومصانة من الاعتداءات إلى ما قبل العهد الوحدوي الميمون، الذي أدخل البلاد في مناكفات ومكايدات سياسية سُلب فيها كثير من حقوق الأحياء فكيف سيكون الحال بالأموات ومواقع إيوائهم التي من المفترض أن تكون لها حرمات ومواقع لا ينبغي تجاوزها!؟
واقع الحال مع مقابر عدن في الفترة الأخيرة بات محزناً، ومناظرها كئيبة بسبب ما يقوم به الأحياء الذين لا يراعون حرمة المقابر وحقوق الموتى في تركهم بعيداً عن الأذى، ولسان حالهم يقول: "الحي أولى من الميت". ولن نتطرق هنا إلى إيضاح حال جميع مقابر المسلمين في محافظة عدن التي تعاني من تدهور حالها وامتلائها بالموتى حتى لم يعد فيها موطئ قدم؛ ولكننا سنأخذ مقبرة القلوعة كنموذج بسيط نوضح فيه الوضع المزري الذي وصلت إليه في ظل سكوت الجهات ذات العلاقة وكأن الأمر لا يعنيها!!
إن مقبرة القلوعة اليوم باتت خراباً في خراب بفعل الاعتداءات التي تتعرض لها بين حين وآخر. ومن أبسط صور هذه الاعتداءات محاصرتها من كل حدب وصوب بالبناء والتوسع العمراني العشوائي الذي أغلق عليها جميع المنافذ ولم يبق لها سوى مدخلا واحد أشبه بالمرور من غابة من الأشجار اليابسة ووسط ركام من النفايات والمخلفات الصلبة. عدد من جيران المقبرة اقتطعوا أجزاء منها لاستخدامها في منافع شخصية. فأحدهم قام بالبناء فوق سورها ليضمه إلى زريبة مواشي منزله. وآخر حطَّم أجزاء من سورها الحجري ليفتح منافذ تهوية إلى منزله الذي ألصقه بسورها القديم. وثالث اقتلع أحجار السور ليسمح بمرور دخول مواشيه إلى داخل المقبرة وإطعامها وإعطائها الماء، وكأن المقبرة غدت زريبة لتربية المواشي وليست مكاناً ذا حرمه لدفن الموتى. أما الرابع والخامس والسادس فقد اشتركوا في تمديد أنابيب المجاري لتمر بداخل المقبرة ومنها إلى نقطة التصريف ومعها تطفح مياه المجاري القذرة جوار القبور في وجود تسريب أو انسداد في الشبكة.
أما بقية الجيران فقد حولوا المقبرة إلى مزبلة وموقع لرمي القمامة والنفايات وبقايا مخلفات البناء. فأين دور الأوقاف والبلديات والمجلس المحلي مما يحدث لمقبرة القلوعة؟ ولماذا كل هذا السكوت المريب تجاه هذه التجاوزات؟ أليس في هذه المقبرة إخوان لنا في الأصل والدين والنسب وينبغي علينا الحفاظ على حرماتهم، في الوقت الذي نجد فيه مقبرة النصارى القريبة منها في نظافة دائمة وبعيدة عن أي اعتداءات أو تطاول؟!.
إن موتانا يصرخون من الجور الذي يلحقه بهم الأحياء الذين تجردوا من كل معاني الحياء وقيم، الأخلاق، وقد طالهم الأذى من جيرانهم بعد أن أحاطوا بهم إحاطة السوار بالمعصم، ليتجاوزا بعدها آثامهم إلى داخل المقبرة التي لم يعد بمقدورها إيواء موتى آخرين، وبالكاد يستطيع القائمون عليها دفن طفل لا يتجاوز عمره بضع أشهر. فرحمة بموتانا وبجيران هذه المقبرة نقول: إن ما تفعلونه إثم عظيم، وعليه: نناشد مكتب أوقاف عدن محاسبة كل من أوصل مقبرة القلوعة إلى هذه الحالة المزرية، وفك الطوق الذي ضربه حولها جيرانها فحولوها إلى خرابة!!