مجور وتحديات في اتجاهات متعددة

مجور وتحديات في اتجاهات متعددة - محمد الغباري

مهمة عسيرة تنتظر حكومة د. علي مجور ليس على صعيد التحديات الإقتصادية ومكافحة الفساد، ولكنها ايضاً متصلة بثقة الناس في قدرتها على تحقيق ما وعدت به..
الأسبوع القادم سيحل رئيس الحكومة وفريقه ضيفاً على مجلس النواب، وسيقدم برنامج عمل حكومته للفترة القادمة، وهو برنامج معروف ومحدد سلفاً لا يحتاج إلى كثير اجتهاد بقدر ما هي الحاجة ملحة للتنفيذ.
انقضاءاسبوع على إعلان التشكيلة الجديدة لم يكن كافياً ليتجاوز البعض صدمة الخروج من الحكومة أو عدم إنضمامه إليها، ذلك أن حجم التطلعات هذه المرة كان اكبر مما سبق. وظهر أن كل من هو قيادي في الحزب الحاكم أو في موقع حكومي ادنى من وزير إما يتربص بالحقيبة الوزارية ليحقق من خلالها تطلعاته بامتلاك سيارة فارهة و«فلة» فخمة وضمان مستقبل الأبناء.
وحيث تشير المعلومات إلى أن الدكتور عبدالكريم الارياني، المستشار السياسي للرئيس، وعبده بورجي، نائب مدير مكتب رئيس الجمهورية للشؤون الاعلامية، كانا شريكين لرئيس الحكومية في اقتراح أسماء المرشحين للمواقع الوزارية الجديدة، فإن ما يتسرب إلى الشارع من معلومات عن أسماء الوزراء جاء متطابق إلى حدٍ كبير مع ما أعلن، وبدا أن التمثيل المناطقي قد غاب هذه المرة وحازت محافظة إب على نصيب الأسد من الوزراء تلتهما محافظة تعز. رئيس الوزراء الذي عرف عنه التواضع والعناد أيضاً ظهر اكثر صرامة في الجلسة الأولى للحكومة وأعاد تذكير الناس بتصريحات رئيس الحكومية الأسبق د. فرج بن غانم حين أشار إلي أنه لا يريد التدخل في شؤون حكومته، وحين جزم بأنه سيتم تقييم أداء الحكومة وفقاً لنقاط محددة، وهي إشارات التقطها ا لرئيس وطالب من غيره عدم التدخل في أداء الحكومة وتعهد بمنحها الصلاحيات.
مجور المنتمي لقبلية العوالق، إحدى أعرق القبائل في محافظة شبوة، والذي ظل بعيداً عن الصراع الداخلي بين اجنحة الحزب وعرف عنه الانشغال بالإدارة والاقتصاد اكثر من الانشغال بالسياسة، أمام مهمة صعبة مرتبطة بتطلعات الناس لإنجازات على الأرض بعد ان فقدوا الثقة بكل الوعود الحكومية، وعليه بإثبات أن حكومته لا تخضع لمعيار التمثيل المناطقي هي الأقدر على إدارة الشأن العام. وعليه أن يخوض مواجهة داخلية مع الفساد المستشري في أجهزة الدولة ومع قيادة حزبه الذي يريد أمينه العام عبدالقادر باجمال أن يصبح المتحكم الفعلي بالحكومة والبرلمان باعتباره صاحب الأغلبية وحزب السلطة، إذ سيكون مطالب بالمثول أمام الأمين العام مرة كل شهر لمناقشة أداء حكومته والجلوس إلى يمين باجمال كرجل ثان في الحزب بدلاً من موقع الصدارة في مجلس الوزراء.
وعلى الصعيد الخارجي فإن مجور الذي حقق نجاحاً واضحاً اثناء توليه وزارة الثروة السمكية ولم يسعفه الوقت لاختبار كامل قدرته في وزارة الكهرباء، بحاجة لكسب ثقة المانحين والمجتمع الدولي والمحيط الخليجي؛ إذ أن هذه الاطراف مجتمعة تنتظر نتائج ملموسة للإصلاحات المالية والإدارية ومكافحة الفساد، لكن جزءاً من هذه الأطراف لا يستطيع القبول بنجاح جزئي أو بغياب الاصلاحات السياسية التي ترى انها المدخل الاساسي لنجاح أية إصلاحات والأخير ملف ما زال يحتفظ به الرئيس لنفسه حتى وإن فُرِّغ باجمال لجلسات الحوار مع الاحزاب المعارضة.
كان رئيس الحكومة المقالة قد خاض صراع اجنحة داخل السلطة و صلت إلى مكتب رئاسة الجمهورية، وأدت تصريحاته إلى عدم ارتياح خليجي إذ كان يدعم بقوة الاقتراب أكثر من الولايات المتحدة لكسر النفوذ الخليجي داخل اليمن.
كما أنه تحمل وزر بعض الملفات الاقتصادية الكبيرة كاتفاقية تمديد عقد امتياز شركة هنت للنفط، والجرعة الاقتصادية «القاصمة»، وصولاً إلى اتفاقية تشغيل وإدارة المنطقة الحرة في عدن، وفي اغلب هذه المعارك التي كانت تعكس صراع مراكز قوى داخل السلطة حمل كل الأوزار والأخطاء، وفي سبيل الحفاظ على الموقع قبل بذلك.
بعد نحو شهر من الآن سينعقد مؤتمر استكشاف فرص الاستثمار برعاية من الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي. وبفترة اقل سيكون على الحكومة إنهاء حالة الضياع القائمة للمنطقة الحرة، وشراء الولاءات داخل مواقع القرار يمضي بسرعة فائقة وسيكون على رئيس الحكومة تحديد اين يضع قدمه.
وبعد نحو عامين من الآن سيحل موعد الانتخابات النيابية ومن المفترض أن يراهن المؤتمر الشعبي على نجاحات حقيقية للحكومة في مسعاه للإحتفاظ بالأغلبية النيابية في أي مستوى كان، ولكنه ايضاً في وضع مماثل لما نحن عليه سيكون رئيس الوزراء مطالب بتوظيف الحكومة لخدمة الحزب، أما عن طريق الانفاق من المال العام أو عبر المشاريع الوهمية والوظائف الغائبة، كما حدث ذلك في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، أو من خلال كسب الولاءات بالمناصب المتعددة.
وإذا ما نجح في هذا الاختبار وحافظ على الصورة المرسومة له الآن فإنه سيسجل أول بداية حقيقية للإصلاحات السياسية والاقتصادية في البلاد. أما اذا أُجهضت مساعيه فذاك ما يتوقعه الغالبية ممن عايشوا تجربة د. فرج بن غانم. إلا أن قبوله بمسايرة الواقع سيقضي على بقايا الآمال التي يعيش عليها الناس اليوم.
رئيس الوزراء الذي لم يصطدم حتى الآن مع الصحافة ولم يحشر في قضايا الحريات العامة سيجد نفسه أمام اختبار قاس، إما عن جهة نقد أدائه ووزارته، أو من جهة الانتهاكات التي تطال الصحفيين والناشطين السياسيين ومن اجهزة لا تقع تحت إمرته أصلاً. أو باتجاه تحرير الاعلام الرسمي من هيمنة الحزب الحاكم أو الحفاظ على حياده في الصراع الداخلي.
في وظيفة كهذه في منطقتنا لا يقبل الناس أن يصبح الرجل الأول للحكومة مجرد موظف إداري بهذه الدرجة العليا، ولكنه يتحمل جزءاً كبيراً من مسؤولية ما يجري وقد يصبح في يوم من الأيام المسؤول عن كل الاخفاقات حتى وإن لم يكن سببها، إلا لكونه قِبل أن تُرتكب الأشياء باسمه، أو رضي أن يعمل بدون سلطة فعلية على وزرائه.
malghobariMail