أزمة الرئيس اليمني القادم - حافظ البكاري

أزمة الرئيس اليمني القادم - حافظ البكاري

ثمة شيء ما يطبخ في دهاليز صناعة القرار السياسي اليمني، ويجري التحضير والتهيئة له منذ أن أعلن الرئيس علي عبد الله صالح عدم ترشحه للانتخابات في يوليو 2005 وما أحدثه من ضجيج لم ينته إلا بفوزه في الانتخابات. الترتيبات، التي ربما تكون غير منظورة للكثيرين وأنا واحد منهم، تشير إلى أن هناك واقعا يراد فرضه والتهيئة له على الصعيدين المحلي والإقليمي والدولي. هذه الترتيبات لا يمكن –سياسياً- فصلها عن عدد من المعطيات والأحداث التي تشهدها اليمن، والتي سأمر عليها سريعا إما لدواع الكتابة السريعة وإما لغموض ما زال يكتنفها- بالنسبة لي:
الأمر الأول يتمثل بالحرب الدائرة في صعدة والتعاطي الرسمي معها إعلاميا وعسكريا ودبلوماسيا، وما تشهده المنطقة من فتح غير مسبوق لما يسمى بالخطر الشيعي وبروز إيران كقوة سياسية واقتصادية مهددة للمصالح الأمريكية والغربية وكقوة شيعية يجري تصويرها بأنها مهددة للدول السنية في المنطقة، علاوة على طريقة التعاطي العسكري والسياسي مع الحرب التي لم يعرف بعد طبيعتها ولم تتضح بجلاء أسبابها ولا أهدافها ولا الأدوات المستخدمة فيها، وكل ما نعرفه عنها هو ما سببته وتسببه من كارثة حقيقية للبلد، كنا في غنى عنها كوننا لم نعرف بعد الثمن الذي تدفعه البلد مقابل الخطر الذي يمثله المتمردون في صعدة أو ما يطلق عليهم بالحوثيين بوصفهم سببا رئيسا في الكارثة التي تدفع اليمن كلها ثمنها.
الأمر الثاني: الحوار الذي يجريه الحزب الحاكم مع أحزاب المعارضة، وأجندة الحوار المشترك وأولويات كل طرف من طرفي هذا الحوار وأهدافه غير المعلنة من الحوار، كون القضايا التي أعلن عنها بوصفها محاور فلا أعتقد أن هناك اختلافا على أهميتها لكن المهم هو القدرة على الخروج برؤية موضوعية مستندة إلى الحضور السياسي لكل منهما وليست وفقا لمعايير القوة والنفوذ.
الأمر الثالث: التغيير الحكومي الذي جرى قبل أيام والذي أُخرج فيه عبد القادر باجمال من رئاسة الحكومة، وبدا واضحا أنه فقط استهدف رئيس الحكومة، ويعكس موازين القوى الحالية التي ينفرد الرئيس صالح بالتحكم بها بشكل مطلق، وكان هدفه الأساسي هو المراقب الخارجي والدول المانحة وبالتالي جاء توقيته بعد أن اتضحت معالم زيارة الرئيس صالح للولايات المتحدة الأمريكية التي أعلن أنها ستأتي تلبية لدعوة من أعضاء الكونجرس الأمريكي وما يمكن أن يطرح فيها من تقديم للاتجاهات والرغبات السياسية للرئيس صالح على مستوى العلاقات اليمنية الأمريكية والغربية، خاصة قبل مغادرة الرئيس الأمريكي جورج بوش. وفي هذه النقطة أستغرب إعطاء الموقف الأمريكي أكثر مما يريده الأمريكيون أنفسهم والذين تكشف التطورات لديهم من الانشغالات الدولية ما يجعلهم يراجعون اتجاهاتهم المعلنة لدعم الإصلاحات السياسية والديمقراطية والتغيير في الشرق الأوسط. والجانب الثاني متعلق بصاحب الطلب أو الدعوة للزيارة. كونه يتضح ضمنيا أن الزيارة جاءت بناء على طلب يمني، خاصة وأنه من الغريب أن يوجه أعضاء في الكونجرس دعوة للرئيس صالح ليقابل الرئيس بوش، وهذا -فنيا- خارج السياق المنطقي. وبالتالي يبدو أن الزيارة هدف يمني قد يتقاطع مع أهداف أمريكية لا يخلو من بينها إيجاد مكان لليمن في المتغيرات التي تشهدها المنطقة.
الأمر الأخير: هو عودة بعض الشخصيات المعارضة من الخارج وبالذات قيادة حزب "رابطة أبناء اليمن": عبد الرحمن الجفري وعمر بن فريد والشيخ مجاهد القهالي، من الخارج، بناء على اتفاق مع الرئيس صالح وبرعايته وما يمكن أن تقوم به هذه الشخصيات بشخوصها وامتداداتها السياسية والقبلية على الصعيد السياسي الداخلي.
 لا ننسى أن الرئيس علي عبد الله صالح هو أول رئيس لليمن في العصر الحديث يحكم البلد لأكثر من ثلاثين عاما كون فترة رئاسته الحالية تنتهي في سبتمبر 2013 وهو أمر يجعله حاليا ثاني أقدم رئيس عربي في الحكم بعد الزعيم الليبي معمر القذافي وقد يصبح الأول، إذا ما غادر القذافي الحياة الدنيا وصالح مازال رئيسا.
أعتقد أن الكثيرين يشتمَّون رائحة الطبخ، لكن الوجبة ما تزال غامضة نوعا ما. إلا أن الواضح فيها أن الشعب بكامله سيتذوقها. والتخوف الأساس فيها هو أن يكون الطعم مرا إلى درجة لا يحتمل الشعب ولا القوى السياسية بلعها.
أعتقد أن ما يجري طبخه يعد الأساس فيه مستقبل الموقع الأول والوحيد في صناعة القرار في اليمن حتى اليوم، وهو موقع رئيس الجمهورية الذي يحتفظ به الرئيس علي عبد الله صالح منذ صعوده إليه في دولة شمال اليمن عام 1978. اعتقادي بأهمية ومحورية هذا الأمر ليس ناتجا عن متغيرات في معطيات الواقع السياسي اليمني بقدر ما هو ناتج عن حقيقة نؤمن بها جميعا تتعلق بالزمن كمتغير حتمي بنى الله الحياة على أساسه. وبالتالي لا يمكن لأي من يرى نفسه معنيا به إلا التكيف معه ووضعه في الحسبان والاستعداد لما يحمله من متغيرات. الزمن الذي يحمل معه عدة حقائق من أهمها أن الرئيس علي عبد الله صالح دخل قبل أيام عامه الخامس والستين بوصفه من مواليد 21 مارس 1942.
وبالتالي رأيت أنه من المناسب أن أورد بعض السيناريوهات المتعلقة بموقع رئيس الجمهورية الذي يزيد الجدل حول مستقبله ومستقبل اليمن معه كلما تقدم العمر باليمنيين كشعب وبصالح كرئيس وبالجمهورية اليمنية كدولة.
ما يعكسه الواقع اليمني وحتى الإقليمي والدولي يقول إن الثابت والمؤكد عمليا أن الرئيس علي عبد الله صالح لن يغادر كرسي الحكم كأسرة وما عدا ذلك لا يعدو عن كونه تفاصيل يمكن التعامل معها ويجب بذل المزيد من الجهود التمكينية لأسرة الرئيس في الحكم. ولذلك أعتقد أن واحدا من ثلاثة سيناريوهات رئيسة تنتظر موقع الرئيس في اليمن سيتم تنفيذها خلال مدة لا تتجاوز الخمس سنوات من الآن. لكنه من الصعب المضي في أي منها دون تحضير مسبق. وأعتقد أن كثيرين ينكرون ذلك.
 الأول هو موت الرئيس علي عبد الله صالح وهو في كرسي الحكم (أيضا لا سمح الله الذي لا يستطيع أحد رد قضائه).
 وبالتالي لن تحتاج السلطة إلى تعديل دستوري جوهري محرج للرئيس صالح. ولعل الإحراج لن يكون أكثر من حرج إعلامي أمام الرأي العام الأجنبي بشكل أساسي. وربما الإجراء الوحيد الذي يمكن اتخاذه في حالة تسمية نجل الرئيس أحمد رئيسا، هو سن الرئيس القادم. وقد كان الحكم في اليمن متنبها لهذا الأمر منذ فترة ومنذ أن ظهرت بوادر الكبر وتبعاته على الرئيس صالح، وبالتالي فقد كانت هدفا أساسيا من أهداف التعديل الدستوري عام 2000 كونه تم تحريك سن الرئيس من مواد الباب الأول إلى مواد الباب الثاني التي يمكن أن يقوم مجلس النواب بتعديلها خلال دقائق على غرار ما جرى في سوريا. وأذكر أني كتبت عن ذلك قبل التعديلات بعدة أشهر في خبر نشرته لي جريدة "عكاظ" السعودية التي كنت أراسلها في حينه، وتعرضت لضغوط كبيرة للكشف عن المصدر الذي سرب لي المعلومة وأحمد الله أنني تمكنت من تحمل الضغط وإخفاء مصدري الذي ضحكت أنا وهو كثيرا حينما وجدنا الخبر منشورا في مساحة صغيرة بصفحة داخلية في "عكاظ" ولم يكن في الصفحة الأولى كما توقعنا معا لخبر مثل هذا.
عموما هذا التحريك تم دون ضجيج، وبدا عاديا كونه جاء ضمن حزمة الباب الثالث الذي أصبحت أغلب مواده ضمن صلاحيات البرلمان في التعديل الدستوري. ويبقى فقط الأمر متعلقا بالتهيئة لذلك في أوساط القوى العسكرية والقبلية المؤثرة ثم القوى الحزبية.
السيناريو الثاني هو انتهاء فترة الرئيس صالح ورغبته، ومعه شركاؤه في الحكم، في البقاء رئيسا لفترة جديدة يتجاوز معها مأزق الفترتين الرئاسيتين للرئيس، واللتين تنتهيان وفقا للمادة (112) من الدستور.
وفي هذه الحالة يتم إجراء تعديلات دستورية عن طريق الاستفتاء، كون المادة (112) تأتي ضمن المواد التي يتطلب تعديلها استفتاء عاماً ولا أعتقد بوجود صعوبة في تمرير ذلك وليس من المستبعد أن يكون ذلك في إطار التعديلات الدستورية التي بدأ الحديث عنها والتي لا شك ستكون مغطاة بغطاء الإصلاح والتطوير السياسي وتطوير النظام السياسي وربما تنفيذ وعد الرئيس علي عبد الله صالح بتقليص مدة الدورة الرئاسية من سبع سنوات إلى خمس سنوات وهو الأمر الذي قد يفتح أيضا ثغرة جديدة لتمكين الرئيس صالح من البقاء في الحكم لدورتين قادمتين مدة كل منهما خمس سنوات على أن تبدآن مع نهاية الدورة الحالية وهذا يمكن أن يشار إليه في التعديلات الدستورية كمادة انتقالية مثلما تم الإشارة إليه في تعديلات عام 2000.
الخيار الثالث: انتهاء فترة الرئيس والرغبة في كسر ظاهرة التوريث الأبوي ونقل الموقع الأول إلى شخص آخر غير نجل الرئيس والذي تقول المؤشرات إنه لا يمكن أن يكون من خارج أسرة الرئيس. وهذا الخيار لن يحتاج أكثر من إجراء بعض الترتيبات البروتوكولية وإجراء انتخابات خاطفة لا تسمح قواعد المشاركة فيها ومعطيات واقعها إلا بفوز مؤكد.
بالطبع كل هذا الآن غير مطروح في أجندة الحوار الذي بدأ مؤخرا بين الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة وإن تم تناول شيء مما ذكرت أعتقد سيكون التعديلات الدستورية وقد تكون هذه النقطة أكثر نقاط الاختلاف بين الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة التي لا أعتقد أنها ستتمكن من إعاقة الحزب الحاكم، أو بالأصح السلطة، في اليمن من تمريرها على اعتبار قدرة السلطة على القيام بذلك بسهولة كبيرة وحتى دون منغصات حقيقية كتلك التي رافقت التعديلات الدستورية في مصر، كون من بيده أدوات اللعبة السياسية والحكم في دول العالم الثالث يستطيع تمرير أهدافه ومشاريعه السياسية دون أن تحول بينه وبين تحقيقها لا تستطيع أي قوة سياسية مهما كان حضورها بين الجماهير مع أن عدم التقليل من الأهمية السياسية لأي موقف تتخذه أحزاب المعارضة التي يأتي -وبشكل أساسي- التجمع اليمني للإصلاح يليه الحزب الاشتراكي اليمني، في مقدمتها.
hafezbukariMail