يا عار اليمن!

يا عار اليمن! - إلهام مانع

ما الذي يجمع بين الناشطة الحقوقية والكاتبة اليمنية حنان يحي الوادعي، وبين مركز الإغاثة لرعاية المرأة في عدن؟
فزورة؟
لعلها نكتة؟!
الأحرى أنها فضيحة.
يا عار اليمن!
الناشطة حنان يحي الوداعي اختطفها عدد من رجال الأمن في صنعاء يوم 17 مارس 2007، وهي في طريق عودتها من عملها.
 أخرجوها من سيارتها بالقوة، وأدخلوها بالقوة في سيارة خاصة.
سيارة لا تحمل أي إشارة بتبعيتها لجهة رسمية.
كل ما دل على هويتهم كان تلفوناً لا سلكياً يمسك به أحدهم.
«تلفون لا سلكي؟».
صولجان القوة، وعصا القهر.
رمزهما.
وكان كافياً لبث الذعر في نفوس من وقفوا صامتين وهي تُختطف أمامهم.
خطفوها هكذا!
فعلوا ذلك في وضح النهار.
فعلوا ذلك أمام أعين رجال الشرطة والمارة.
ووقف هؤلاء مدهوشين، مذهولين، و... خائفين.
يا خزي الرجال!
كانت تصرخ بهم أن «أنجدوني من هؤلاء!».
وهم؟
مرعوبون.
يا حمية الرجولة!
كمموا فمها وهي تستنجد بالشرطة والمارة.
وهم؟
صامتون كالجثث.
 يا عار اليمن!
تسألوني: لم اختطفوها؟
سؤال وجيه لو تعلمون.
لم تجد جهات الأمن (أي أمن هذا الذي يختطف نساءنا الناشطات في وضح النهار؟ الأحرى أن نسميها جهات ترهيبية) أي رد مقنع على هذا السؤال.
كل ما تفتقت به قريحتهم هو أنه «وصلهم بلاغ مجهول بكونها دخلت السفارة الإيرانية»، وهي السفارة التي تقع بالقرب من مقر عملها في المنظمة السويدية لحقوق الطفل.
وماذا لو كانت قد دخلت السفارة فعلاً؟!
هل هناك قانون يمنع اليمني من دخول أية سفارة أجنبية؟!
ولأن ما تفتقت به قريحتهم حري بفتق قرحة أي عاقل، فقد اضطروا آسفين على ما يبدو إلى إطلاق سراحها بعد ساعتين من اقتيادها إلى السجن المركزي بصنعاء.
لكن الهدف الفعلي تحقق.
رسالة أرادوا أن يبعثوها بالبريد المستعجل لكل من يعمل في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان: «الكل مستهدف، ولا أحد مصون».
 حتى المرأة اليمنية التي ظلت أخلاق اليمن تمنع رجال الأمن (عفوا! رجال الترهيب) من التعرض لها، (طبعاً باستثناء من تنتمي إلى فئة الفقراء المستضعفين والسجينات المهمشات) حتى هذه المرأة ليست بعيدة عن أيديهم.
«خافوا! هو أجدى لكم»(!).
وما دمنا نتحدث عن الفئات المستضعفة فالأجدر أن نتحول إلى الشق الثاني من السؤال، إلى مركز الإغاثة لرعاية المرأة في عدن.
هل تعرفون أن هذا المركز هو الأول من نوعه في شبه الجزيرة العربية؟
هو لا يقدم فقط مكاناً تلوذ به النساء المعنفات (أي من يتعرضن للضرب والتكسير في بيوت أسرهن) بل يزيد على ذلك بأنه يوفر حياة كريمة للسجينات السابقات، وأغلبهن فتيات في عمر الزهور، تعرضن للاستغلال من ذويهن، أو للزواج في سن الطفولة، أو للتغرير من أصحاب النفوس المريضة.
فتياتنا.
بناتنا.
ضحايا مجتمعنا.
لسن «مجرمات».
لسن «ساقطات».
بل ضحايا.
في عمر الربيع، ويبحثن عن فرصة جديدة في الحياة بعد السجن والبهذلة، ويوفرها أول مركز من نوعه في شبه الجزيرة العربية، بالتأهيل والتدريب والرعاية النفسية.
أفلا يحسن بنا أن نقدم لهذا المركز كل الدعم والرعاية؟
أفلا يجب، وهو التجربة التي نشير إليها بزهو في أوروبا، وأنا أول من تفعل ذلك، أن نسعى إلى إنجاحه؟
«بالطبع لا».
هذا هو الجواب الذي نسمعه جهاراً.
«لا».
«بل نعمل على إفشاله»، و»ندكه دكاً على رأس من يعيش فيه».
لعنة الله على النجاح، ومن يسعى إلى النجاح في أوطاننا.
ومن الذي يعمل على إفشاله؟
من الذي يسعى إلى إغلاق المركز؟
أمن عدن!
لا غيره.
هذا «الأمن» يبدو منزعجاً من المركز.
وأكثر انزعاجا من طلب مديرته استخراج بطاقات هوية لنزيلات المركز.
نزيلات، تمت محاكمتهن أمام محاكم يمنية، وحكم عليهن بالسجن، كيمنيات. ثم عندما تحاول مديرة المركز استخراج بطاقات هوية لهن، يقف أمن عدن متسائلاً: «هل هن يمنيات؟».
سؤال كفيل بفتق ما تبقى من قرحتنا.
يتساءل هذا «الأمن» ويتأفف، ثم يرفض مصمماً، رغم أن محافظ عدن أصدر أوامره باستخراج بطاقات هوية لنزيلات المركز.
أصدر المحافظ أوامره، و«أمننا» يرفض،
و«أمننا» يلعن سنسفيل المركز، ويسعى إلى إغلاق المركز.
وأكاد أجزم أنه حتى لو أصدر وزير الداخلية أو رئيس الجمهورية أمراً بمنحهن بطاقات هويتهن، فإن «أمننا» سيتجاهل الأمر كأنه لم يكن.
إذن!
ما الذي يجمع بين الناشطة الحقوقية والكاتبة اليمنية حنان يحي الوادعي ومركز الإغاثة لرعاية المرأة في عدن؟
لا شيء سوى كلمة من ثلاثة أحرف: الألف، والميم، والنون نصُفّها صفاً، ثم نجمعها، ونلفظها في كلمة تزرع الخوف في قلوبنا.
«أمننا» فوق القانون.
«أمننا» خارج مؤسسة الدولة.
يكسر ظهر الدولة.
لا يعني له الحق شيئاً.
لا يعني له القانون شيئا.
ويقول إنه يحمي القانون!
أسألكم بالله! عن أي «أمن» يتحدثون؟!
[email protected]