حجة كما لو إنها موئل ثانٍ للمواجهات

طاولت، منتصف الاسبوع الفائت، شرارة دم هابَّة من لدن معارك صعدة، الأطراف الشمالية لمحافظة حجة والتي تقع بمحاذاة دوائر الاقتتال المتنامية.
وكان سقط، مطلع المواجهات الأخيرة في صعدة، نحو 8 اشخاص وجرح 2 آخران على التضاريس الجبلية لمديرية «وشحة» أثناء اقتتال مباغت، طرفاه عناصر حوثية ورجال أمن.
لاحقاً، الثلاثاء قبل الفائت، قتلت امرأة وجرح 3 آخرون لحظة تبادل اطلاق نار عنيف دام لاربعة أيام. أكدت مصادر «النداء» المحلية ان الاشتباك تركز في منطقة «شعلل» المحتضنة لمجاميع حوثية تزمع تدشين جبهة قتال جديدة من شأنها تخفيف وطأة الضغط العسكري المهيمن على مناطق صعدة وحدها.
التواجه الأخير أتى، حسب المصادر، خلفية صورية لاحتجاز نقطة تفتيش، بداية الجاري، عناصر وصفوا بالحوثيين، الأمر الذي أدى إلى نشوب مواجهات مريعة.
معلوم أن مناطق حجة مآل تاريخي لأئمة الزيدية. علاوة على ذلك لم تزل الآن موئلاً ثانياً للفكرة الحوثية بكافة تجلياتها.
مناطق، مثل: المحابشة، المفتاح، وشحة، قارة... إلى كثير، مرجح، حال دوام الاقتتال، انسحاب بؤر تمرد الى مساحاتها، لتمركز جموع غفيرة فيها تمثلت الايديولوجية، إن جاز الوصف، الشيعية. انغمس عديد شباب في مراتع التعبئة المذهبية، وقت كان السيد حسين بدر الدين الأمثولة الروحية والرمزية للتنظيم إياه.
على كلٍ، ومنذ ثلاث حروب، كانت لا تبلغ مداها الافتتاحي في صعدة إلا وتزامن حملات اعتقال وملاحقة في اماكن الغزارة الحوثية بمحافظة حجة.
بالواقع، كاريزما حسين، اجتذبت عشرات الشباب الحجاويين وهم كانوا للغاية متهافتين على مائدته المذهبية التي لامست اصلاً موروثياً لديهم.
تزأر أول طلقة في صعدة، فيتأهب، بلف عدد السجن، متشربو الفكرة، ولو كانوا بالفعل لطفاء ووديعين. في المحابشة مثلاً يواظب سجن المديرية مستهل كل الحروبات المنقضية، والجارية، على احتواء العشرات، وهم أنفسهم في الغالب يعاود اعتقالهم في كل دورة دم ولو نائية عنهم.
هذا التوجس والتوقي سلوكان مغذيان بفكرة ان حجة مآل منيع حال اشتداد الخناق على المذهب الزيدي. فالإمام احمد لاذ، إثر انقلاب 48، بقبائلها، وقاد بهم حملة استعادة العرش المسلوب، وبالفعل انعطافته كللت بالنصر، ما حدا به لتسمية مدينة حجة، بمدينة النصر، تيمناً بدورها المددي آنذاك.
الفتيل الذي الآن يوقد على تخوم وشحة، انطفأ حسب الرواية الشعبية مطلع السبعينيات في ذات المكان، قارة بالتحديد، مع آخر بدور الامامة الثيوقراطية، اقصد الامام البدر ابن احمد حميد الدين، الذي احتمى بكهوفها ومغاراتها لزمن، ثم ما لبث أن تخطاها إلى المملكة السعودية.
اذن، حجة التمثل البارد لحروب صعدة، أو في الأقل، الدخان الذي عليه أن يطفو فور اضطرام النيران هناك: مران، النقعة، سحار... الى كثير.
وعطفاً عليه، فانبثاق لسان مواجهي دموي محادد لألسنة الاشتعال الجذرية، مؤدى تاريخي واجتماعي وسياسي، يسلبنا لبداهته حتى الاستغراب.
ومؤكد أن وشحة، كجغرافية إدارية واجتماعية غاصة في ثأرات بينية، محروسة بغياب ادوات الدولة ووسائل عنفها القانونية.
وحيال معاركها الأخيرة، أرجع الأهالي رفضهم استقبال الجيش، إلى عزمهم إخماد التمرد فيما بينهم. ما يعني بزوغ ثأرات بعمق طائفي غائر، فادح أيضاً.
بأي حال فليست وشحة وحدها، من جملة مديريات حجة، التي دشن الحوثيون ذراعاً عسكرياً فيها؛ أذ فمداخل مدينة حجة شهدت في 17 من فبراير المنقضي، مصرع قائد طقم عسكري واصابة اثنين من مرافقيه على يد مسلحين اعتبرت مصادر انهم من انصار الحوثي.
الاشتباك ذاك أعقب محاولة افراد نقطة التفتيش العسكرية ايقاف سيارة المسلحين. وعلى حين رفض الاخيرون مسألة التوقف فضلاً عن التفتيش، تراشق الطرفان بالنيران.
لوحق المسلحون بعد مقتل العنصر الأمني، وقبض على احدهم، فيما بقيتهم تمترسوا على هضبات مديرية شرس، المجاورة لمدينة حجة.
على الجملة، وفيما لو أفلح الحوثيون في تعويم أكثر لجبهاتهم، سيكونون على ما يرام بالتأكيد، وسيكون مسرح القتال «الجديد» بمثابة متنفس، بالمعنى العسكري، كما ويزيد من فرص تطويل المدى الزمني للحسم المفترض.