كتاب في التنجيم لبلد طاعن في السن

كتاب في التنجيم لبلد طاعن في السن

- «النداء»:
يزخر كتاب الإحصاء السنوي للعام 2005، والذي صدر مؤخراً (ومتأخراً) عن وزارة التخطيط والتعاون الدولي، بالغرائب والمفارقات، لكأنه كتاب في التنجيم سطره بالداوة والريشة فلكي من القرن السابع عشر، وليس فنيين متخصصين في جهاز عريق راكم خلال 4 عقود خبرة وتقاليد بيروقراطية مكنته من أن يكون واجهة عصرية على الخارج.
الكتاب الذي يُعد مرجعاً أصلياً لا غنى عنه لأي مؤسسة أو باحث أو مانح، محلي أو دولي، يظهر في جدول رقم 2 من فصل السكان أن إجمالي عدد سكان الريف في اليمن 14047405 نسمة، لكنه ما يلبث أن يظهر في الجدول رقم 13 من الفصل ذاته أن هؤلاء يبلغون 14100435 نسمة، أي بزيادة 53 ألف نسمة، ما قد يفيد بأن معدل النمو السكاني في الريف اليمني خيالي في ارتفاعه بحيث أن الريفيين يزدادون بعشرات الآلاف في الفترة التي يستغرقها القارئ، للانتقال من الجدول 2 إلى الجدول 13.
الجدول 11 المخصص لنسبة النوع حسب الفئات العمرية طبقاً لنتائج تعدادي 94 و2004 يسجِّل إنجازاً خارقاً لمجلس السكان والبرامج الدولية المعنية بالحد من الانفجار السكاني في العالم.
ففيما يخص تعداد 1994 يظهر الجدول أن سكان اليمن يزيدون عن 26 مليون نسمة، بينهم نحو 15 مليوناً من الفئة العمرية: 65 سنة فما فوق. وفي المقابل يبرز الانجاز الخارق في نتائج تعداد 2004، حيث ينخفض عدد السكان إلى 19.6 مليون نسمة، بينهم 600 ألف نسمة من الفئة العمرية: 65 سنة وما فوق. وإذا استمر الجهاز المركزي للإحصاء في جهوده الخارقة والدقيقة، فعلينا أن نتصور يمن «الحكمة والإيمان» نظيفة من المؤمنين في ظرف 20 سنة من الآن!
اليمن بلد عرضة للانقراض، بحسب الجدول ذاته. إذ أن الهرم السكاني لتعداد 94 يبدو هرِماً طاعناً في الشيخوخة، بما لا يقارن بأية دولة اسكندنافية. وللدقة يكاد يكون الهرم مقلوباً، تماماً كما الأوضاع في جهاز الإحصاء، خلاف حاله وفق نتائج تعداد 2004، إذ يلوح الهرم السكاني فتياً ضاجاً بالحيوية.
كذلك تسير الأمور في فصول كتاب الإحصاء السنوي للعام 2005، ربما حرصاً من معديه على تحقيق الانسجام.
ففي فصل الاستثمار، ينتفي التطابق في عدد المشاريع في الجدولين 1 و2 (ص65) مع جدول أهم مؤشرات الاستثمار التي تتصدر الفصل (ص64)، ففي هذا الأخير تعيش اليمن ازدهاراً في قطاع الاستثمار، فعدد المشاريع المسجلة لعام 2005 يبلغ 335 مشروعاً. لكن الشعور بالاطمئنان الذي يولده هذا الرقم، يتبدد فور التأمل في الجدول رقم 2 في الصفحة المقابلة، حيث ينخفض عدد المشاريع إلى قرابة النصف (165 مشروعاً). هذا أمرٌ جدير بالتمحيص في أسبابه، إذ لا ضرورات دعائية اقتضت رفع الانجازات في 2005 لاعتبارات انتخابية!
يحسب لوزارة التخطيط والتعاون الدولي حرصها على العدالة في توزيع الأخطاء على فصول كتابها السنوي، كما في فصل الأسعار، حيث الرقم القياسي لمعدل التضخم (11.40) يبزُّ جميع المعدلات الواردة في الفصل نفسه.
فصل الصناعة، في الكتاب، يصلح لأن يكون برهاناً دامغاً لأحزاب المعارضة التي لا تكل من اتهام الحكومة بالتلاعب في حسابات النفط. فالرسوم البيانية التي من وظيفتها تبيين الجداول، تقوم هنا بدور الناقض لها. فالرسم البياني الخاص بكمية انتاج النفط (ص100) يقدم مشهداً قاتماً وكابوسياً لأهم مصادر تمويل الموازنة العامة للدولة. إذ أن كمية إنتاج النفط -بحسب الكتاب- انخفضت إلى أقل من نصف ما كانت عليه عام 2003. علاوة على هذا المشهد الكابوسي تبدو وزارة التخطيط والتعاون الدولي مرتبكة في إعداد وثائقها وتقديم بياناتها في مختلف الجداول والرسوم، لكأنها تغطي على الحكومة، تماماً كما يفعل محاسب شاطر يعمل لدى تاجر متهرب من الضرائب!
كتاب الإحصاء السنوي (أو ما يفترض أنه الصورة الفوتوغرافية الدقيقة للجمهورية اليمنية) يقوم على منهج اللاتطابق في جداول فصوله. وتستحق قيادة الوزارة والجهاز، الثناء على أمانتها في إعمال هذا المنهج الذي يؤهلها للحصول على مركز متقدم في الجمعية اليمنية للمنجمين.