الطلاء قبل المياه والكهرباء في عدن.. !

الطلاء قبل المياه والكهرباء في عدن..!

- عدن «النداء» - خاص:
في خطوة أثارت استياءً عارماً بين اوساط ابناء محافظة عدن وجهت السلطات المختصة في قيادة المديريات ومكاتب الاشغال العامة، مذكرات إلى أهالي المناطق المرتفعة الذين اتخذوا من الجبال مقراً لبناء مساكن تؤويهم بعد أن أغلقت في وجوههم كل الآمال والطموحات بالحصول على منزل في مبنى سكني أو قطعة أرض في المساحات البيضاء التي ابتلعتها العناكب السوداء ولم تبق فيها مجالاً لبناء كوخ لأبسط مواطني عدن الذين شردتهم هذه الظروف ولجأوا إلى احضان المرتفعات الجبلية واصبحوا ينحتون في صخورها الصلبة اعواماً بعد أعواماً حتى استطاعوا أن يجهزوا لهم مأوى يعيشون فيه.
هذه المذكرات أو الاشعارات طالبت اصحاب المنازل الجبلية بضرورة طلاء واجهاتها باللون الابيض حتى إذا لم يتم تلبسها من الخارج، ولا أدري، حقيقة، كيف يمكن أن يتم الطلاء على الحجر أو البردين الخشن؟! فكانت هذه الاشعارات قد وزعت من قبل السلطة المحلية في مديرية التواهي، وهي من أبرز المناطق التي شهدت توسعاً عمرانياً على الجبال المحيطة بها وبشكل خاص في منطقة القلوعة التي يتشكل أغلب سكانها من الطبقات الفقيرة ومن ذوي الدخل المحدود. هؤلاء ربطوا الأحزمة على بطونهم وجاعوا لسنوات حتى يوفروا قيمة البناء لأن مساكن القلوعة، معروفة بضيق مساحتها وصغر حجمها، فأين يذهبون؟ وكيف يعيشون وهم شباب بحاجة إلى زواج واستقلال في الحياة المعيشية؟
لم تلق هذه الاشعارات الاستجابة والتفاعل المطلوبين من المواطنين بل كان الرفض هو الجواب والأسباب في ذلك عديدة نأخذ منها، على سبيل المثال لا الحصر، ان معظم هذه المنازل محرومة من خدمات الكهرباء والماء، وأصبحت تسكنها الأشباح وإذا وجدت من ينعم بهذه الخدمات فهو قد حصل عليها قبل سنوات عديدة قبل أن يصدر محافظ عدن قراراً بوقف توصيل عدادات الكهرباء والماء إلى المواطنين في مناطق المرتفعات، بالله عليكم أين ذهبت العقلانية في هكذا قدار؟! وكيف يمكن للناس ان تعيش في ظل حرمانها من أبسط مقومات الحياة وهي الماء والكهرباء؟!
وكثير من ساكني الجبال يحصلون على هذه الضروريات من جيرانهم الذين يشتركون معهم أواخر كل شهر في دفع قيمة الاستهلاك وتسديد الفواتير النارية، التي تنزل على رؤوسهم كالصواعق، وخاصة في فصل الصيف.
احد أبناء المنطقة كان في حيرة من أمره لأنه شاهد عناصر البلديات يجوبون الجبال ويحصرون عدد المساكن المستحدثة التي بدون خدمات. هذه خطوة يبدو أن وراءها نية مبيتة لشن حملة هدم وإزالة لهذه المباني والابقاء على المنازل القديمة التي ستلزم بطلاء واجهاتها. وقد سمعنا بأن السلطة المحلية تنوي سحب عدادات المياه والكهرباء من المنازل العشوائية التي لن يلتزم اصحابها بطلاء الواجهات رغم انهم لم يمنحوا حتى الآن وثيقة ملكية لهذه المساكن التي تم بناؤها من كدحهم طوال السنوات الماضية، بل إن الادهى من ذلك هو تحميل المواطن نفقة الطلاء كاملة وهنا يتذكر احدهم المحافظ السابق يحيى الشعيبي، الذي قام في فترة قيادته القصيرة للمحافظة بطلاء كل المباني في الشوارع الرئيسية في عدن وعلى نفقة صندوق النظافة وتحسين المدينة، دون ان يتحمل المواطن أي عبء في هذه العملية التطويرية عدا جوانب الصيانة الجزئية في المباني، التي كانت تعاني من التشققات والتصدعات واستدعت الضرورة ترميمها قبل طلاءها وفي هذه الايام يطلب من المواطنين تحمل قيمة العملية وهذه هي المفارقة العجيبة!
كثير من المواطنين يتساءلون عن الاسباب الكامنة وراء هذه الانذارات التي وزعت من قبل مكتب الأشغال العامة -واعتربت نهائية- لماذا يطلبون من الناس طلاء منازل لا تتوافر فيها اي مقومات للحياة المعيشية؟ ألم يكن من الأجدر بالسلطة المحلية أن تسعى لفتح المجال لمد الخدمات قبل التفكير بالطلاء والمظهر الخارجي.
وهي بالفعل خطوة مشكورة أقدمت عليها المؤسسة العامة للكهرباء في عدن خلال فترة سفر المحافظة إلى عمان، ولكنه سرعان ما أمر بوقف الاجراءات عند عودته؛ الامر الذي جسد حقيقة الواقع المرير الذي يعيشه ابناء عدن وغالبيتهم من الفقراء.. هؤلاء ياعقلاء حرموا من الاراضي السهلية التي صرفت بمئات الكيلومترات لحمران العيون وأصحاب النفوذ حتى أُجبروا على الاختيار الصعب وهو الحياة في احضان الجبال وتحمل المشقة ومع ذلك استكثروها عليهم ورفضوا إمداداهم بالماء والكهرباء وأمروهم بالطلاء! بحثاً وراء المظهر الجمالي حتى وأن كانت المباني البسيطة خاوية على عروشها.