هكذا تحدث!

هكذا تحدث! - إلهام مانع

هكذا تحدث شيخنا الجليل.
وليته ما فتح فمه.
ليته أغلقه، وسكه بالضبة والمفتاح.
لكن ما لم يقله كان أكثر إفصاحاً.
الشيخ الذي أعنيه هو الشيخ عبدالمجيد الزنداني، رئيس مجلس شورى حزب التجمع اليمني للإصلاح.
وحديُثه أدلى به إلى الصحافي سامي كليب في برنامج “زيارة خاصة” الذي بثته قناة “الجزيرة” الفضائية يوم الجمعة الموافق 23 فبراير2007.
تحدث الشيخ عن أمور كثيرة، وصمت عن أمور أخرى. وعندما صمت كان صمته كلاماً!
رفض على سبيل المثال أن يدلي برأيه عن أسامة بن لادن.
قرر أن لا يتحدث عنه، لا بالخير، ولا بالشر.
وإن كان يميل إلى الحديث عنه بالخير.
يميل كثيراً..
أعمى من لم ير الحرج الذي أصابه.
ويقول: “ليذهب إليه من يريد أن يعرف أسبابه ويسأله”.
ألا يستحي شيخنا؟
كل هذا الدمار، هذه الدماء، ولا ينتقد؟
كأن بن لادن لم يتسبب بالمصائب لمنطقتنا؟
هل نسيتم السبب؟
هل نسيتم البداية؟
هل كانت الولايات المتحدة ستهاجم أفغانستان، ثم تجد العذر لغزو العراق لولا تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية؟
وهي إرهابية أخوتي.
لا صفة لها غير ذلك.
 ثلاثة آلاف مدني، بين طفل وامرأة ورجل، قُتلوا بلا ذنب. قُتلوا وهم آمنون.
 فهل نسمي ما حدث عملاً إنسانياً؟
لم تكن هناك حرب أفغانستان حتى نغضب منها.
لم تكن هناك حرب العراق حتى نحقد على من سَيرها.
ولم تكن قضية فلسطين الهدف من تحرك بن لادن، بل ببساطه: إخراج “القوى الصليبية والصهيونية من أرض شبه الجزيرة”، يعني: إزالة القواعد العسكرية والقوات الأمريكية من السعودية. كان هذا حديثه آنذاك.
هل نسيتم هذا؟
لا تنسوا الأسباب.
لا تنسوها.
فمقدرتنا على فعل ذلك عجيبة.
كما لا تنسوا البدايات.
لأننا إن فعلنا تهنا.
البداية كانت مع ذلك العمل الإجرامي.
وشيخنا صامت.
شيخنا محرج.
شيخنا لا يريد أن يرفع صوته ناقداً.
ألا يستحي؟
 
شيخنا الجليل تحدث أيضاً عن المرأة، وعندما فعل تمنيت لو أنه صمت، لكني مع ذلك كدت أبتسم.
كدت.
لنستمع إليه وهو يرد على سؤال الصحافي القدير: „هل حضرتك مع أن تصبح المرأة وزيرة أو سفيرة؟“
الشيخ: „أسألك سؤالاً، لماذا لم تنتخب امرأة رئيسة للجمهورية في الولايات المتحدة منذ 300 عام؟“
يقاطعه سامي كليب قائلا: „يبدو أنها ستنتخب“ (يقصد ترشح هيلاري كلينتون للرئاسة).
لكن الشيخ يصمم: „لا، لا، أسالك عن 300 عام. المرأة يفترض أن تتزوج أو يحكم عليها بالتبتل؟ ما رأيك في هذا؟“
رد عليه الصحافي القدير بالقول: „تتزوج إذا شاءت“
شيخنا الجليل لا فض فوه، رد قائلاً. „لا، لا بد أن تتزوج، مش إذا شاءت. لا بد أن تتزوج المرأة لأن الله خلقها لذلك. إذا حملت المرأة وإذا ولدت وإذا أرضعت، اليوم في بريطانيا يعطون المرأة سنة للإرضاع، لما لا يعطونها للرجل؟“
حسناً.
كما قلت لكم، كدت أبتسم.
أبتسم لأن الإناء ينضح بما فيه. وعقلية الشيخ الجليل تظهر ببساطة أنه لا يعرف من العالم الكثير.
وهو أمر مفهوم من شخصية صقلتها بشكل رئيس تجارب (تكفيرية) عايشها في السعودية (الحركة الوهابية) وأفغانستان (الأفغان العرب) ثم اليمن (الأفغان اليمنيين).
هو لم يعرف من العالم غير ذلك. كما لم يعايش من الفكر إلا فكراً جهادياً عنيفاً يقسم العالم إلى معسكرين: واحد للمؤمنين وآخر للكافرين. وداخل المعسكر الأول تقف المرأة دائماً في الخلف، تسمع وتطيع وتنجب.
هل نلومه إذا كان يرى العالم من خرم إبرة؟
زد على ذلك أن الغرب لديه نموذجان: الولايات المتحدة، وبريطانيا.
هو لا يعرفهما أيضاً في الواقع. كل ما يعرفه هو ما قرأه عنهما. و ما قرأه لا يكفي.
ولو قرأ أكثر، لو سافر أكثر، لو اختلط بالبشر أكثر، بتنوعهم وثرائهم الفكري؛ سيرى أن النموذج في مشاركة المرأة السياسية ليس الولايات المتحدة (أليس من الغريب أن يعتبرها الشيخ النموذج وهو الداعي إلى دمارها!؟)، ولا بريطانيا. بل الدول الإسكندنافية.
هناك يتقاسم الرجل والمرأة السلطة بالمساواة. والسلطة هنا تعني: التشريعية والتنفيذية والقضائية.
هناك لا يهم إذا كان الحاكم رجلاً أو امراة.
كلاهما إنسان.
وكلاهما يعمل كخادمٍ لشعبه عندما يصل إلى السلطة.
وكلاهما قادر على أن يبدع وينتج.
ليسا عدوين لبعضهما.
ليسا في حالة تنافس.
ليسا في معركة على أحدهما أن ينتصر فيها ويقود الثاني.
بل شريكان.
رجل وامراة.
إنسان وإنسان.
وهناك يحصل الرجل كما المرأة على إجازة أبوة، سنة كاملة أو أكثر لو أراد.
معلومة جديدة يا شيخنا الجليل؟
والرجال يأخذون تلك الإجازة مبتهجين.
هل اندهشت أيها الجليل؟
فالطفل هناك شأن يتعلق بالأسرة، بالأم كما الأب.
لأن الأسرة هناك كما الزواج مسألة شراكة.
يتعاون فيها الرجل والمرأة، فردان عاقلان بالغان راشدان، على الحياة في درب مشترك، باختيارهما!
 بإرادتهما الحرة.
فليس بالقهر تتزوج النساء يا شيخنا العزيز.
لا هنا، ولا هناك.
لكن شيخنا لا يعرف ما المرأة.
لا يعرفها بالغة راشدة.
لا يعرف ما الجمال في قوتها.
لم يجرب مرة أن يراها كإنسان،
 مثله.
مثله؟
شيخنا لا يرى فيها سوى ما يخيفه،
ما يخشاه،
ما يهابه.
ثم لا يرى فيها سوى ما يؤكد عادات بدوية أبوية متسلطة،
وبالية (هكذا يجب وصفها أخوتي)،
لا علاقة لها بالدين ولا بتفسيره،
ربي وربكم لم يقل „على المرأة الزواج شاءت أم رفضت“،
ربي وربكم لم يقل: „لا يجوز للمرأة ان تقود الرجال الأجانب“،
فشيوخ وعلماء أجلاء كثيرون، من السنة والشيعة، قالوا: „بل يجوز لها فعل ذلك“،
والفكر العاقل الحر يقول: „بل هي قادرة على فعل ذلك“.
ألا نغني صباح مساء ببلقيس ملكة سبأ؟ بأروى ملكة اليمن؟
ألا نفخر نحن اليمنيين بأمة العليم السوسوة؟
هل نسيتها يا شيخنا الجليل؟
لكنك بالتأكيد لم تنس رؤوفة حسن؟
معك حق. لا داعي لفتح الملفات القديمة.
أذكرك بها لأننا نرفع رأسنا في الخارج بها أيضاً.
هل قرأت لابتسام المتوكل؟ أو لأروى عثمان؟
عليك أن تقرأ لهما.
لكني أعرف أنك لا ترى الجمال في الشعر،
كما تنفر من الكلمة عندما تخرج عن إطارك الفكري.
تلك نماذج عندما وجدت الفرصة نبغت وأبدعت.
وغيرهن كثيرات.
ودورنا أن نهيء للمرأة اليمنية الفرصة كي تبدع وتحيا.
لا أن نضع في طريقها العراقيل.
ألا يكفي الفقر والجهل حتى نزيد عليهما فكراً بالياً؟
لكن شيخنا يقول: „هكذا يقول الله، هكذا يقول الرسول، وعليكم السمع والطاعة“.
ويرفع صوته وهو يقول.
ويبهرر وهو يقول.
و شيخُنا هو الذي يقول.
شيخُنا هو الذي يقول.
 لا الله ولا رسوله.
 تنزه الله تعالى عما يقول.
إذن:
هكذا تحدث شيخنا الجليل.
عندما صمت تمنيت أنه لم يصمت.
وعندما تحدث تمنيت لو أنه سكت.
وكلاهما،
 حديثه وصمته،
 كانا مخزيين.
[email protected]