لا دخاناً أبيض سيتصاعد من قاعة أبولو.. كرادلة الاصلاح يجددون للشيخ الأحمر بواسطة الإرادة الشعبية

لا دخاناً أبيض سيتصاعد من قاعة أبولو.. كرادلة الاصلاح يجددون للشيخ الأحمر بواسطة الإرادة الشعبية - سامي غالب

يتميز التجمع اليمني للإصلاح منذ نشأته ببرنامج انتخابي الكتروني متطور يتم من خلاله فرز أصوات المتنافسين لشغل 130 مقعداً في مجلس الشورى (اللجنة المركزية). وذلك على الأرجح ما سيحدث مطلع الأسبوع المقبل عندما يلتئم المؤتمر العام الرابع للإصلاح في العاصمة صنعاء.
البلاغ الصحفي الصادر مساء الاثنين الماضي تعمد الاستطراد حال تطرق إلى بند المؤتمر الخاص بانتخاب مجلس الشورى الذي سيتم انتخابه من اعضاء و عضوات المؤتمر «وفق آلية تنافسية تتيح فرصاً متكافئة للترشح لعضوية المجلس حسب اللائحة الداخلية»، عدا هذا فقد التزم صائغو البلاغ الاقتضاب، وربما أصابهم قدراً من الانقباض، وهم يشيرون إلي أن بنود المؤتمر تتضمن انتخاب رئيس الهيئة العليا (رئيس الحزب) ونائبه، ورئيس الهيئة القضائية.
لا يحيل البلاغ هنا على اللائحة الداخلية التي تلزم المؤتمر بانتخاب اشخاص جدد لشغل المواقع العليا في الحزب (الرئيس والأمين العام ورئيس مجلس الشورى). ومعلوم أن شاغلي هذه المواقع قد استنفدوا الحق في الترشح إليها بعد 3 دورات انتخابية.
شيخان الدبعي، نائب رئيس لجنة الإعداد للمؤتمر، نفى في مؤتمر صحفي الاثنين إمكانية حدوث أي تعديلات في لوائح «الاصلاح»، وإذ لفت إلى عدم تقدم أية هيئة إصلاحية بمقترحات تعديل، قال إن إحداث تعديل يضمن بقاء أي من القيادات (الحالية) رهن بإرادة المشاركين في المؤتمر.
إرادة المشاركين هنا تحيل على «الإرادة الشعبية»، التي غالباً ما تترجم نفسها في البلدان العربية على صورة مسيرات تأييد ومبايعة للحكام العرب المقيمين (بالأحرى المقعدين) في القصور الرئاسية والملكية.
والحال أن البلاغ الصحفي للإصلاح، كما تصريحات قيادييه، تتوقى أية إشارات أو إشعاعات منبعثة من صلب مادة محورية في النظام الداخلي تحظر التجديد لرئيس الحزب الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، أو أمينه العام محمد اليدومي أو رئيس مجلس شوراه الشيخ عبدالمجيد الزنداني. فالقياديون الثلاثة أمضوا 3 دورات في مواقعم الحزبية. وباتوا ملزمين بعدم الترشح شرعياً (!) وأخلاقياً وسياسياً حيال دستور حزبهم (الكلمة العليا في حياة الاصلاحيين) وقاعدتهم الحزبية (أعضاء المؤتمر الرابع يمثلون نسبة ضئيلة منهم)، وأنصار المعارضة الذين يُعدون بالملايين وينحازون إلى المعارضة أملاً في التغيير بمعناه الاجرائي والحسي: تداول السلطة سلمياً بدءاً من الموقع التنفيذي الأول في اليمن.
على «الأخ الكبير» في اللقاء المشترك أن يُقدم القدوة لحلفائه ولجمهوره، فيُعلي من «دستوره» الذي امتنع «الاصلاحيون» قبل عامين عن المس بقواعده في الدورة الوثائقية المخصصة لبحث اقتراحات تعديل في أي من وثائق الحزب.
إن الاحتكام للإرادة الشعبية (وهي هنا إرادة المشاركين) تؤكد رغبة «كرادلة الإصلاح» -أي الماسكين بالقرار في هيئاته العليا ومفاصله التنظيمية- في الانقلاب على الدستور المنظم للعلاقات والحقوق والواجبات داخل أكبر أحزاب المعارضة وعلينا ألاَّ ننتظر دخاناً أبيض يتصاعد من مداخن قاعة أبولو؟. إنه احتكام غير نظامي، وبالتالي غير ديمقراطي. وهو احتكام يتجاوز وصف الايعازإلي مرتبة التعميم الداخلي (أو التعاليم الشرعية) التي سيتعين على أعضاء المؤتمر (4000 عضواً) الإذعان لها بسلطة الأمر الواقع، وبسطوه الكرادلة وجدارة المصطفين الذين لم يكونوا كذلك عندما انتخبوا قبل 12 سنة، سنة إقرار انتخاب الرئيس علي عبدالله صالح بالأسلوب الشعبي المباشر!
يتميز الإصلاح، ولا جدال، ببرنامج انتخابي الكتروني متطور، لكن هذا البرنامج يفقد كفاءته عند الحديث عن القيادات التاريخية (المؤسسة، والحاضنة). ما يستدعي مقولة «الاسلاميين والقوميين العرب» المركزية القائمة على التمييز بين انسانية الحضارة (أي مكتسباتها وأدواتها) وخصوصية الثفافات (والتي غالباً ما ترمز إلى الزعيم الجامع ووحدة الجماعة والظرف الاستثنائي).
والثابت أن صناع القرار الحزبي في الاصلاح عملوا كل ما يلزم لإعادة انتخاب الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر رئيساً للإصلاح، و(إن أمكن فلا مانع من) إعادة انتخاب اليدومي والزنداني.وهم في مواربتهم (المكشوفة) حالوا دون طرح المواقع الحاكمة الثلاثة لفكرة التغيير، بدءاً من إغفال نصوص صريحة في اللائحة الداخلية، و مروراً بتصريحاتهم وبلاغاتهم التي تقصي مفردة التجديد (أو الجديد) كلما جاءوا على ذكر المواقع الثلاثة، وانتهاء باحترامهم غير المسبوق للإرادة الشعبية (إرادة المشاركين في المؤتمر)، وبات من المستبعد أن يبادر أحد هؤلاء المدعوين لإنفاذ «الإرادة المغلولة» الى خوض المغامرة بترشيح نفسه، وفي حال رشح نفسه فإن البرنامج الالكتروني المطور لن يكون ساعتها قيد الاستخدام!
المؤتمر الرابع، إلى ذلك، مدعو إلى تكريس «الإصلاح» حزباً معارضاً، واسقاط رهانات البعض في أن يظل مجرد حزب في المعارضة، وقد يمهد لعلاقة موضوعية بين أكبر أحزاب المعارضة والسلطة، خصوصاً وأن الانتخابات الرئاسية الماضية كشفت للاصلاحيين، مدى الضرر الذي يلحقه بالحزب، استمرار فاعلية قنوات وصلات مرئية وغير مرئية، سياسية وغير سياسية، رسمية و(في الغالب) غير رسمية، بين رموز وفئات اصلاحية وبين شخصيات نافذة داخل مؤسسات الحكم الرسمية والفعلية.
هذه القنوات والصلات أدت غالباً إلى التباسات وخِناقات وضغائن جراء التوقعات المفرطة لدى أطرافها، وجراء رهانات عقيمة ومداورات لا تنتهي ناجمة عن مألوف عادات من حقبة غابرة، أو من روابط شخصية أو من محض مصالح وهواجس وتهويمات.
وإذاً، فإن الاصلاح ماضٍ في تكريس نفسه حزباً معارضاً وفياً لحلفائه، خصوصاً وأن معركته الديمقراطية المقبلة (أبريل 2009) تدور في الساحة التي يفضل اللعب فيها، كما أشقاؤه في العالم العربي، أي الانتخابات النيابية. وهي معركة لا تدور في مواجهة الرئيس صالح (وفي عينه)، وانما في مواجهة حزبه وأنصاره.
يوم السبت المقبل سيكون لافتاً لأنظار المدعوين إلى افتتاح المؤتمر في قاعة أبولو في العاصمة صنعاء، وجود نحو600 إمرأة إصلاحية في المؤتمر (من اصل 4000 مندوباً). وهؤلاء اللواتي صبرن كثيراً على مدى سنوات وهن يكافحن في سبيل إعلاء كلمة الحزب (وأحياناً كلمة شيوخه الأجلاء)، ودفعن ضريبة الخروج إلى الشارع والدخول إلى مراكز الاقتراع المحفوفة بالأخطار، في سبيل مطالب سياسية، سينتظرن الجزاء من أغلبية المندوبين، هؤلاء الذين لا يرون حرجاً في زيادة غلتهن في هيئات الحزب التنفيذية، ولا يجدون مانعاً شرعياً أو اجتماعياً يحول دون ترشحهن إلى الهيئات العامة في الدولة، وفي الصدارة مجلس النواب والمجالس المحلية.
والشاهد أن تلكؤ أصحاب الكلمة الفصل في الاصلاح في حسم مشاركة المرأة كمنتخبة (بالفتح) لا ناخبة فحسب، أدى إلى إلحاق ضرر انتخابي (وسياسي) بالمعارضة في الانتخابات الاخيرة. والاصلاح (بما هو حركة إسلامية) لا شك قد قرأ نتائج الانتخابات البرلمانية (2003) والرئاسية (2006)، ولحظ أنه لم يُعد الطرف الأقدر على جذب أصوات النساء في الانتخابات العامة. والمؤكد أن الالتزام الأصيل بالديمقراطية والحق في المشاركة السياسية للمرأة، هو الذي يُدر على المدى البعيد «الأصوات الناعمة» التي ما تزال تُعد، مكروهة (إنْ لم تكن منكرة) لدى أقلية صغيرة من «المحافظين» داخل الاصلاح.
في الجلسة الافتتاحية لمؤتمر الاصلاح سيكون حاضراً جار الله عمر، السياسي المحنك الذي دفع حياته ثمناً لمغامرته الكبرى، والذي قضى في الجلسة الافتتاحية لمؤتمر الاصلاح الثالث (ديسمبر 2002). والوفاء لمهندس اللقاء المشترك من حلفائه ا لاصلاحيين، يقتضي إخضاع المزيد من مقولاتهم وشعاراتهم للشك، والمضي قدماً في سبيل تأسيس معارضة يمنية مدنية تُعلي من ثقافة الحوار وتنحاز إلى الحقوق والحريات وتنبذ التطرف المذهبي والأيديولوجي.
Hide Mail