الوطن.. العُملة النادرة

الوطن.. العُملة النادرة - د. علي عبدالكريم

 للأسف، نحن في زمن تطرد فيه العملة الروائية العملة الجيدة من التداول. وكما هو معروف وشائع فإن عملة أي بلد هي عنوان سيادته وسمو مكانته ومتانة اقتصاده وصلابة أركانه ومفاصله وسند حقيقي لحياة ابنائه وأجياله وضامن لاستقرار حياتهم ومصدر فخرهم وافتخارهم.
ما أشرنا إليه يعتبر بديهية من بديهيات علم الاقتصاد السياسي. ونظراً لأن علم الاقتصاد لايتواجد إطار مجتمع حديث متعدد الحاجات عدم القدرة على الوفاء بها، يولد ما يعرفه علم الاقتصاد بالأزمة الاقتصادية التي تتبدى تعبيراتها الفجة للمواطن العادي في تدهور قيمة عملته الوطنية مقومة بسلة سلع وخدمات يجدها على الدوام تتناقض كماً ونوعاً بسبب التضخم المتولد من جملة سياسات اقتصادية خاطئة وهدر للموارد وعدم كفاءة في إدارتها.
يفتقد المواطن لساتر وقاية وجدار حماية يقيه شر التقلبات التي تلعب لعبها في أحشاء اقتصاده الوطني ليجد في نهاية المطاف نفسه محاصراً داخل جدران وطن تصاب بالضعف والوهن اطرافه وجوانب الانتماء إليه ويتوجه بناظريه وأحلامه كي يتمكن من تملك أصول ذات قيم تحافظ على قوته وتلبية احتياجاته ويدخل في أتون دولرة تعصف بكيانه وكيان وطنه ويلتفت يميناً وشمالاً ولا يجد تفسيراً إلا في مظاهر عولمة قاتلة امتصت في احشائها وطناً صار هزيلاً تابعاً غارقاً حتى أذنيه في مظاهر التسليع المتزايد وبيع الذمم المتصاعد وغياب كلي للقيم النادرة من أخلاق ودين وإحساس بالانتماء لوطن كبير ولا يبقى إلا وجه ربك ذي الجلال والاكرام، اسواق تباع بها الاوطان وارخص بضائعها وسلعها ثمناً سلعة الانسان بعد تجريده من كل وتحويله إلى سلعة في ميادين فروسية دون كيشوت واستربتيز الشرف الضائع والعرض الفاضح في وطن موؤود.
نحن وطن تقعطت صلة الأرحام فيه وتوثقت بداخله طبائع الاستبداد واللهث وراء إقتناص الفرص ولو على جثة الأوطان، لم تعد للأشياء ملامح تماماً كما ضاعت لحمة الوصل بالوطن المفقود داخل زنازين الفقر وأضابير البطالة وجحافل القوادين في سوق العولمة المفتوح على أحشاء كل طائر ما زال يحلم بأن للطير السماء وللعقل النماء وللإنسان البقاء.
صار البقاء للأقوى للقادر على اللعب بالبيضة والحجر والسهر في موائد الدفن لكلمات من غابر التاريخ عن اشياء لها مسميات: وطن، انسان، شرف، قيم، عقل، علم، إبداع وخيال!
صار الناس عملات في دقات الزار باعياد التخصيص والتخصيب وجديد الفياجرا وسلة العملات في بورصة التداوي باعشاب النذالة وخفة اليد وعقم العقل ومهرجان حرق بخور الشرف والعفة عند شطوط السونامي وشيكات مقبولة الدفع خارج الأوطان.
هل هربت منا الاشياء كما هربت منا الأوطان؟! صرنا ننظر للأشياء كالأوثان، أجساداً تتحرك خارج الاتجاه وبنية الانسان، التيه، والضياع، لا شيء يتحرك فينا غير الاحساس بالكآبة والندم وضياع قيمة الانسان الانسانء بما له من نبل وكرامة دفنتها جحافل القسس ليلاً ونهاراً في سلة الاهمال والنسيان ومليارات تتدفق، وحجوزات تتراكم وهبات ومنح تأكلها الجرذان، والسوق والانسان لمن يحتكمان؟ للاشيء والقاضي والواشي والسجان.
إدعو إلى ربك بالموعظة الحسنة.. سعر الصرف تتقاذفه الحارات والحافات وحسابات ما أنزل الله بها من سلطان فمن يدعو إذن إلى ربك بالموعظة الحسنة غير السجان.. سوق تتحرك نحو الأعلى ورواتب تتدنى وتتآكل في حضرة القاضي والسجان فمن يحمي يا ولدي ما تبقى لنا ولكم في الأوطان؟! إحساس بالأشياء تنهار معها كل القيم التي صاغها عبر زي من ذاك الذي كان اسمه في سجل الاموات الأحياء: الانسان.
الوطن العملة النادرة هذه الايام، فقل معي: أعوذ برب الفلق أيها الأنسان وتقدم نحو الشمس ما عاد القربان بعيداً عن قصر السلطان، ما عاد السوق يثمر غير الكثبان التي يفرق فيها الحلم والوطن والإنسان وادخل سريعاً في أول السطر والعنوان، كل البورصات لها قاموس بقلة الاخلاق. الدنيا على كف عفريت، الفائز أرصدة تتراكم وطوابير تتزاحم ودعوات ونساء وعويل وشقيق يقتل شقيقاً وأوطان تتفتت ومذاهب تتحفز، ما عاد الشيخ محمد عبده علامة كبرى في التاريخ ومارتن لوثر غاب من الأذهان.. نحن في زمن العولمة الحرة إفعل فيها ما سئت كل الابواب مشرعة عدا باب الحرية للأوطان والانسان.
وبداية الطريق ما قاله الشاعر الانجليزي الكبير أشلي:
«إنظر إلى ذلك الشعب
وقد أفاق من غفوته
وينهض من أنقاضه
كما ينهض الصباح
  على جثة الليل
هو ذا قد تآخى بنوه
وأحب بعضهم بعضاً
 
زمن العولمة
- لم يعد الدين لله والوطن للجميع.
- صار الوطن عملة نادرة، صار عزبة يتوارثها الحكام أجيالاً وأبناء وأحفاداً.
- صار الايمان/ الدين عملة نادرة، صار لعبة السلطان صار إخوانياً، حوثياً، قاعدياً أمريكياً، نفطياً، قرضاوياً، سيستانياً.
- الوحدة اليمنية صارت عملة نادرة نبحث عنها في مداخل ومنحنيات نفق الجولدمور الذي مر عبره يوماً الزعيمان صالح والبيض.
 
حكمة
العدالة الاجتماعية هي العملة النادرة
في زماننا وفي بلادنا.
 
خاتمة
جعل آدم إسميث -أبو الاقتصاد الحر- التوسع في الإنتاج سمة اساسية لمجتمع الحرية الكاملة.. تلك السمة أصبحت هذه الأيام عملة نادر.
أصبحت السمة الاساسية لمجتمع الحرية الكاملة زمن العولمة المتوحشة والأنظمة البائسة الفاقدة للشرعية، أصبحت السمة الاساسية لها النهب السريع المنظم والمنضب والمكشوف والمغطى وعلى عينك ياحاسد.