صور الرئيس

صور الرئيس - إلهام مانع

تقول الحكاية إنه إثر سقوط نظام الرئيس صدام حسين وتكالب بعض المواطنين العراقيين على نزع صوره والدوس عليها وعلى تماثيله بأرجلهم، أصدر الرئيس اليمني علي عبدالله صالح أمراً.
ونفِّذَ أمره على الفور.
أمر الرئيس اليمني علي عبدالله صالح بنزع صوره هو من الشوارع.
 صوره التي تناثرت هي الأخرى في كل زاوية من زوايا اليمن.
أزعجته صور المواطنين وهم يهللون ابتهاجاً.
أزعجته صور المواطنين وهم يشفون غلهم بالدوس على صور الرئيس بأحذيتهم.
أزعجته صور الفرح بزوال الرئيس.
أزعجته.
فأمر بنزع الصور.
فلبى رجاله الأمر.
كان ذلك في عام 2003.
بعد ثالث إنتخابات برلمانية من عمر الوحدة اليمنية.
ويقول البعض إن تلك الحكاية شائعة.
شائعة، تناقلها الناس في اليمن.
فقد انتهبوا فجأة إلى اختفاء صور الرئيس،
واستغربوا لاختفائها بين ليلة وضحاها.
استغربوا الأمر.
ثم تذكروا أن قبل الليلة، وقبل ضحاها، شاهدوا على شاشات التلفزيون صور بعض العراقيين وهم يُسقطون تمثال من كتم على أنفاسهم لعقود طوال.
ربطوا بين الأمرين.
فقرر البعض إنها شائعة.
 
 لكن من حكاها لي لا يقص الشائعات.
سمعتها منه وأنا في اليمن، بصفتي صحافية آنذاك تنقل وقائع تلك الإنتخابات كمندوبة عن موقع سويس إنفو العربي التابع لهيئة الإذاعة والتلفزيون السويسرية.
كان ذلك في عام 2003.
والإنسان بطبعه يهفو إلى النسيان.
خصلة جُبل عليها الإنسان:
أن ينسى أن كل شيء إلى زوال،
ينسى أن كل إنسان، كان ما كان، سيذوق الموت،
يلاقيه،
ثم يندثر في أروقة النسيان.
ذلك طبع فُطرت عليه النفوس،
ضرورة تمكننا من البقاء،
 كي نتمكن من الحياة.
لكن تلك الفطرة تتحول إلى لعنة، عندما تتمكن من نفس الحاكم.
تلك الفطرة تتحول إلى كابوس، عندما تكون سلطة الحاكم مطلقة،
لا يقيدها دستور،
لا تقيدها سلطة تشريعية أو قضائية،
في الواقع لا يقيدها سوى الموت.
وفي حالة حكامنا العرب، تلك خصلة تأصلت في نفوسهم،
رضعوا من حليبها،
وفُطموا عليها،
ثم دأبوا على الاستنشاق من هوائها.
كلهم بلا استثناء،
يظنون أنهم باقون إلى الأبد في سدة الحكم.
كلهم بلا استثناء،
يظنون أنهم الرب،
 في بلدان لا رجال ولا نساء فيها.
كلهم بلا استثناء،
يظنون أن كلمتهم حق،
رأيهم الصواب،
نزواتهم القانون،
وأن الله سبحانه،
ربي وربكم،
وربهم،
 اختارهم هم تحديداً،
هم لا غيرهم،
كي يحكموا،
كي يتجبروا،
كي يغلوا،
هم لا غير.
كلهم بلا استثناء.
ولأن الأمر كذلك،
مرت الأعوام،
ثلاثة تحديداً.
ثلاثة أعوام كانت كافية كي يزول الأثر.
أثر صور المواطنين وهم يدوسون على وجه الرئيس المخلوع.
تماهت معالم الصور،
ثم تداخلت،
ثم تلاشت مع الوقت،
فلم يبق منها من أثر سوى صور العنف القائم في العراق،
فنُسي الدرس.
وكرت السبحة.
انتخابات جديدة في اليمن،
انتخابات هامة،
انتخابات رئاسية وقف فيها الرئيس مع منافس له،
منافس اختارته معارضة بدأت تلتقط أنفاسها وتحدد موقعاً لها في الخارطة السياسية،
منافس جدِّيِّ هذه المرة،
ليس إمّعة.
منافس خشيت منه حاشية الرئيس إلى المدى الذي دفعها إلى دفع المليارات من الريالات ثمناً لصور الرئيس.
صور الرئيس،
نفس الرئيس،
ترتفع في الزوايا والأروقة،
صوره وهو يبتسم،
صوره وهو يكشر،
يضحك،
أو يصغي جاداً،
يرفع يده محيياً جمهوراً لا نراه،
ينحني على طفل أو طفلة يقبلها،
يتحدث برفق مع مسكين عجوز.
صور الحاكم،
كل صورة يرتدي فيها زياً،
زي برسالة،
زي عسكري يمثل خلفيته،
زي يمني يمثل أصالته،
وزي أوروبي- بدلة تعكس قدرته على الحوار مع العالم.
صور الرئيس،
ملونة،
زاهية.
 دفعت الدولة ثمنها،
ثم دفعت النخبة، سياسية أو قبلية أو إقتصادية،
 ثمن اللوحات التي ارتفعت بعد انتخابه.
انتشرت من جديد،
توالدت من جديد،
وارتفعت من جديد،
تعلن مولد عهد قديم،
تخرج لسانها
 لنا،
متحدية،
وتقول: إن الإنسان بطبعه،
يحب النسيان.
[email protected]