قبائل مأرب تتأهب للمواجهة: القماش والفحم.. لحظات ما قبل الإنفجار

قبائل مأرب تتأهب للمواجهة: القماش والفحم.. لحظات ما قبل الإنفجار

- بشير السيد
بدأ العد التنازلي منذ ثلاثة أسابيع، وبدأ رجال القبيلة بصيانة أسلحتهم الثقيلة والخفيفة، وتعميرها، استعداداً لساعة الصفر.
لكن عارف الزوكا محافظ محافظة مأرب ما يزال في محاولته لمعالجة قضايا الثأر متكئاً على وسائل يعتقد بأنها مجدية، دون أن يلتفت لعامل الزمن، وهو العامل الأساس في هذه القضية. فهل يستطيع «الزوكا» ومعه اجهزة التنفيذ القضائية نزع الفتيل في غضون الخمسة الأسابيع القادمة؟!!
لا تكترث أي قبيلة في مأرب عندما تعلم بأن عدداً من رجالها قُتلوا، فهو أمر معتاد، كما أن الأخذ بالثأر أيضاً معتاد: «الدم بالدم».
لكنها تثور عندما يقوم رجال من قبيلة أخرى بالإعتداء على نسائهم وأطفالهم.
فالاعراف القبلية تجرِّم وتعيب هكذا عمل، وهو أمر نادر الوقوع كونها أحد القواعد القبلية لكل قبائل مأرب.
وهو ما أثار غضب قبيلة «الأشراف آل صالح» بمأرب حين اقدمت مجموعة مسلحة من قبيلة «علبن محمد الجرفي» بتصويب آلياتهم على سيارة صالح مبخوت الشريف (44 عاماً)، في منطقة حلحلان الجفرة مديرية مجزر، وكان حينها عائداً من مدينة مأرب بعد شراء ملابس عيد الفطر وبرفقة زوجاته الاثنتين، وأطفاله الستة.
الجناة ربما تناسوا القاعدة القبلية حينها إذ لم تفرق رصاصات بندقياتهم بين رجل وامرأة وطفل، فقتل صالح مبخوت الذي كان يشغل مدير مكتب الصحة في مسقط رأسه مديرية مجزر، ومزقت 15 طلقة جسده، وقتل إبنه الأكبر (ماجد، 15 عاماً) بسبع رصاصات، وطفلته الرضيعة (عرارة، لم تتجاوز الشهر السادس) عبثت ثلاث رصاص برأسها. وأصيبت إحدى زوجاته برصاصتين في العنق وأخرى في الرأس. أما الزوجة الثانية كسر عمودها الفقري وعظمة الحوض إثر تقلب السيارة بعد أن فقد زوجها السيطرة عليها من هول الرصاص، وطفلته (ساجدة) أصيبت في الرأس، وأحد الأطفال اصيب بطلقة نارية في جبهة الرأس وأخرى في يده.
إنها مجزرة دموية تجرد فاعلوها من كل عناصر الشجاعة، لم يسلم أحد من أعضاء العائلة: ثلاثة قتلى وستة مصابون وحالة ثلاثة منهم خطيرة حتى الآن.
ويفيد أحد أقرباء أسرة الضحية بأن والد الضحية (صالح) تعرض للقتل قبل اربعين عاماً، من قبل أحد ابناء قبيلة «علبن محمد الجرفي» وبعد بلوغ الضحية عامه السادس عشر قام بالثأر لوالده قبل (28) عاماً.
ولكن مثل هذه القضايا التي يكون ضمن المجني عليهم اطفال ونساء، تأخذ منحى مغايراً في مأرب.
إذ تعرف هذه القضايا في سالف القبائل بـ«العور» أي أنهم أقدموا على أمر معيب. وللعور قوانينه وبرنامجه الزمني المتعارف. وقبل أن تقدم قبيلة «الاشراف آل صالح» على إطلاق صفارة الإنذار عقب الحادث الذي وقع في منتصف شهر رمضان قامت قبيلة الجناة بتحكيم قبيلة المجني عليهم وسلموا بذلك سيارة شاص موديل 82 ومضختين خاصتين بالمياه وستة آليات و200 ألف ريال.
لكنهم بحسب شيخ قبيلة الضحية خالد مبارك الشريف «لم ينفذ ما صدر في حكم التحكيم» الأمر الذي جعل قبيلته مستعدة للإنتقام، لكنها ملتزمة بقوانين القبيلة.
ويؤكد الشيخ بأن الخمسة الأسابيع القادمة ليست بالمدة الطويلة. هنا يكشف الشيخ عن إجراء زمني معين يسبق عملية المواجهة إذا لم تحسمها فعندما تتراجع قبيلة الجناة عن التحكيم، تقوم الأخرى بإجراء طقوس قبلية ذات معنى متعارف، تمتد لثمانية أسابيع يُعلق في الاسبوع الأول قماش أبيض على أحد منازل قبيلة الضحية، فإذا لم يحضر الجناة يعلق الأسبوع الثاني قماش اسود بجوار الأبيض فإذا لم يحضر الجناة يتم انزال القماش الأبيض والإبقاء على الأسود الذي سيستمر معلقاً 16 يوماً إذا لم يحضر الجناة بعدها يتم إنزال الأسود وركز «الجذن» (عود سميك من الشجر يتم إحراقه حتى يتفحم) ويظل الجذن منتصباً بالسقف لمدة 24 يوماً وفي حالة عدم حضور الجناة وطلب التحكيم فإن قبيلة الضحية تدعو القبائل المجاورة لضرب الجناة بأقوى الأسلحة وأشدها قتلاً كما يفيد الشيخ، وهدر دمهم ومقاطعة ابناء قبيلة الجناة وقطع الطريق عليهم وتعييبهم. ويعنى بالقماش الأبيض والأسود بياض الوجه أو سواده أما الجذن فهو أن الجناة وصلوا في وقاحتهم حد الذروة.
ويقول شيخ قبيلة الضحية إن القماش الأسود لا يزال معلقاً على أحد منازل أسرة الضحية ويبقى عليه اسبوع واحد حتى يتم انزاله وركز «الجذن» والذي في حالة مضت 24 يوماً من نصبه دون قدوم الجناة «يعني أن قبيلتنا والقبائل المجاورة ستكون في حالة مواجهة وصدام مع قبيلة الجناة».
ويضيف بأن محافظ محافظة مأرب، المدينة التي تعوم على بحيرة من النفط، «تدخَّل في بداية الحادثة وابلغنا بأنه سيحل القضية وسيضبط الجناة ولكن لم يحدث أن اتخذ أي إجراء». ويفيد الشيخ بأن القوانين القبلية هي الخيار الوحيد أمامهم.
هذه القضية نادرة في نوع المجني عليهم ويتطلب التعامل معها بشكل مختلف عن قضايا الثأر الأخرى والتي لا بد من معالجتها.
والتعاطي مع الزمن كعامل معهم ربما يُمكن «الزوكا» من نزع الفتيل قبل أقل من خمسة أسابيع موعد ساعة الانفجار.