بعد مواراة جثمان والده.. أوسان عابد العسيلي: قتلوه.. !!

بعد مواراة جثمان والده.. أوسان عابد العسيلي: قتلوه..!!

 

- طارق السامعي
ما بين 1 يوليو و28 منه (تاريخ مقتل ودفن الزميل عابد) سفر طويل من الفجيعة والألم والحزن، لم ينته، بل كانت بدايته الحقة حين قال لنا الطفل أوسان: «قتلوه».
تلك هي الكلمة الوحيدة التي رد بها أوسان -النجل الأكبر للزميل عابد العسيلي السكرتير الفني لصحيفة «النهار» والمخرج الأبرز لصحيفة «26سبتمبر»- على سؤال وجهته له «النداء» يوم الجمعة الماضي أثناء تشييع جثمان والده في مسقط رأسه، قرية بيت العسيلي في منطقة بلاد القبائل - الحيمة الداخلية.
أوسان، في الخامسة من العمر، واخوانه الثلاثة الآخرون أصغرهم لم يتجاوز الشهر الأول من العمر، كانوا بعيدين عن موقع الدفن. كما ان جده البالغ من العمر كبره، وقد أعياه المرض والكمد، لم يتمكن من مشاركتنا مراسم الدفن وإلقاء النظرة الأخيرة على عابد.
منذ الثامنة صباحاً تجمع المئات من أبناء منطقة بلاد القبائل وآخرون من القبائل والمناطق المجاورة وبعض زملاء واصدقاء الفقيد، بالقرب من مستشفى 26سبتمبر في مدينة متنة ببني مطر، حيث أودع جثمانه بعد أن قتل غدراً على يد أحد النافذين يزعم احتماءه بكبار القوم.
حالة من الحزن الشديد كانت تغشى وجوه الحضور، والحديث لا ينقطع عن ترديد محاسن الزميل العزيز عابد ومناقبه؛ إذ كان نموذجاً للشاب المتطلع لحياة تسودها قيم العدالة والحق..
رحلة شاقة قطعتها عشرات السيارات تتوسطها سيارة اسعاف حملت الجثمان من ثلاجة المستشفى الى المكان المحدد للدفن بقريته.
طبيعة قاسية تعكس مدى قدرة ومقاومة الفقيد لذلك الواقع المؤلم المعجون بجراح الاحتراب اليومي والمدعوم من أطراف أخرى..
حتى بعد مغادرتنا القرية التي ولد فيها عابد لم أتيقن من الكيفية التي وصلنا بها الى هناك: طريق مرعب، جبال شاهقة، طبيعة قاسية، ووجوه مشحونة بالغضب محمولة على الزناد، ترى في امكانية العيش بأمان حلماً مايزال بعيد المنال.. كانت الساعة تقارب منتصف النهار (حين وصول الجنازة)، حيث تجمعت الحشود في مقبرة القرية وبدأت بالتيمم لأن العدد كبير والماء لايكفي..
لم تتمكن أم الفقيد ولا زوجته وقريباته من أن يلقين عليه النظرة الأخيرة؛ فالنساء لا يخرجن وسط هذه الأمواج البشرية، والتي ذبحها الاغتيال بدم بارد.
على عجل أتممنا الصلاة، وأُودع صاحب القلب الطيب باطن الارض، التي شربت دمه ظلماً. بعدها غادرنا إلى بيته.
هناك في المكان الذي كان عابد يضيؤه مرتين أو ثلاث مرات في الشهر عند مغادرته العاصمة لزيارة عائلته محتملاً مشاق السفر، وجدنا أباً ذبحه الحزن وفجر الظلم ينابيع من الدموع لا تكفكف، بل ودماً يسبق الدموع ألماً وحسرة (نزف الدم من أنفه من شدة البكاء).. سألناه، وكما فعل حفيده أوسان، أوجز ولم يزد، قال لنا: «حسبي الله ونعم الوكيل».. هي عبارة المظلوم تنتظر عدالة السماء التي لا يردها الانتماء لوحدة عسكرية هامة أو مجالس الكبار في مقيل...
في رحلة البكاء والألم كان الغائب الأكبر هو الدولة وأجهزتها والعدالة والإنصاف (رغم الحضور الصوري).. قبح المأساة يتجلى أكثر حين تسمع أحد المسؤولين وهو يهوِّن (أو يحاول....) من هول ما حدث ويرى أن «في الحرب ضحايا»، حسب قوله!!
أي حرب تلك التي يراد لزميلنا العزيز أن يُعد في ضحاياها ووقودها؟ وأية مواطنة يراد لنا أن نحياها؟
قُتل الزميل عابد العسيلي (28 عاماً) إثر رغبة شيخ نافذ في المنطقة (بلاد القبائل - الحيمة الداخلية) حفر بئر ارتوازية في أراضي بيت العسيلي التي ينتمي اليها عابد، ما سوف يتسبب في قطع مياه الآبار التقليدية المملوكة لبيت العسيلي والذين قاموا ومعهم عابد بمنع ذلك الشيخ من فعله. كانت النتيجة حصول اشتباك مسلح بادرت إثره بعض الشخصيات من القبائل المجاورة بوساطة لحل الخلاف وتهدئة الموقف، وهو ما كان. إلاّ أنه ورغم سريان مبادرة الوساطة والهدنة التي تم التوصل اليها، وقع الزميل عابد في اليوم التالي (السبت 1 يوليو) قتيلاً نتيجة كمين غادر نصب له، حيث اخترقت جسده خمس عشرة طلقة.
نقابة الصحافيين اليمنيين وصحيفة «النهار» وصحيفة «26سبتمبر»، التي يعمل فيها الفقيد العسيلي، في بيانات أصدرتها، طالبت وزارة الداخلية بتحمل مسؤوليتها وإلقاء القبض على الجناة وتقديمهم للمحاكمة؛ إلاّ أن شيئاً من ذلك لم يحدث حتى اللحظة. دفع هذا اسرة الفقيد عابد العسيلي لاتخاذ قرار دفنه وعزمت الاعتماد على ذاتها في أخذ قصاصها من الجناة.