أمازيغي من حضرموت يمقت الحرب.. على الفقر

أمازيغي من حضرموت يمقت الحرب.. على الفقر

-  سامي غالب
انتظر المشاركون في مؤتمر صنعاء حول الديمقراطية والاصلاح السياسي وحرية التعبير، مِن الذي دُعي ظهيرة الاحد إلى المنصة، كلمة عن مستقبل الاصلاح في منطقة الشرق الاوسط الكبير وشمال افريقيا، لكنه خيب توقعاتهم.
«لست وزيراً ولا سفيراً»، قال محمد عابد الجابري المفكر العربي المعروف، لذلك «أنا متحرر من قيود الديبلوماسية»، أضاف. وبدلاً من حديث الاصلاح والمبادرات الدولية والاقليمية، اختار المفكر المثير للجدل والمساجلات ان يتحدث في الهوية بادئاً بنفسه: لست من الشرق الاوسط ولا من شمال افريقيا.. أنا عربي مغربي يمني، أمازيغي، وبحكم المهنة أنا استاذ جامعي»، ابتدر الجابري جمهور سامعيه ليذكرهم بأن تعيين الهوية هو المدخل الأسلم للإصلاح الديمقراطي.
المفكر الموصوم من ناقديه بالتعصب لمغربه العربي «العقلاني» رد عليهم بوساطة علم الأنساب إذ قال: «أنا وأسرتي وأهلي من حضرموت»، معرجاً على حضرمي آخر ولد في المغرب العربي هو ابن خلدون، كتب أن «أمازيغ المغرب من حضرموت».
وأردف: لم أكن أعطي هذه المقولة معنى لأن ابن خلدون نفسه قال بأن «النسب أمر وهمي».
ولكن كيف قبل المفكر المخضرم أن «يحضرم»؟ اوضح الجابري بأن جماعة من اهله زاروا المنطقة وسمعوا بعض اهلها يتحدث لغتهم الامازيغية. وهو وعد بأن يوثق هذه الواقعة علمياً، مستخدماً، على الأرجح، علم الأنساب فيثبت مشرقيته لدحض ما يلصق به من استعلاء مغاربي.
صاحب مشروع نقد العقل العربي، انتقل في مداخلته لنقد الكبار في العالم الذين يديرون النظام الدولي ليُملون على الضعفاء وصاياهم الاصلاحية، وكأن (العرب والمسلمين) يقيمون في جزيرة معزولة عن العالم. لماذا لا يتحدثون عن اصلاح النظام الدولي القائم على اقتصاد الحرب؟ تساءل، قبل ان يسترسل، مستعيناً بأرنولد توينبي البريطاني وماركيوز الامريكي، في تشخيص علتي الانسانية: الحرب والشمولية الامريكية. الاولى سرطان الحضارة الغربية كما كتب توينبي، والثانية عدو انسانية الفرد كما فسَّر ماركيوز عقب الحرب العالمية الثانية في معرض تمييزه بين الشمولية النازية والشمولية الامريكية.
وإذ لمح إلى نزعتي الحرب والشمولية لدى بريطاني وامريكي آخرين هما بلير وبوش الإبن، اقترح الفيلسوف على المشاركين في مؤتمر، ترعاه لندن وواشنطن وغيرهما من الدول الصناعية الثمان، بمشاركة من حكومات ومؤسسات عربية واقليمية، العمل من أجل «يوم عالمي ضد الحرب». وفي مواجهة نظام دولي قائم على اقتصاد الحرب يقترح ايضاً تخصيص «يوم عالمي ضد التسلح». وإذ قاطعه وزير في الحكومة اليمنية مستخفاً: «لسنا في الجنة»، معرضاً باقتراحات حضرمي يكره العنف. فقد سارع إلى تعنيفه قائلاً إنه ليس مسؤولاً أو سياسياً جنتُه السلطة، وإنما «أنا فيلسوف دنياي جنتي».
عدو الشرق اوسطية والحرب والتسلح، لا يريد إلتباساً في موقفه من المفاهيم الثلاثة، فالحرب ليست ظاهرة غربية بل انسانية، لكن الإرهاب ظاهرة ظرفية، وإذاً لا حرب على الارهاب، لأن الاخير ليس بديلاً من الاولى. وموقع التطرف من الحضارة هو الهوامش، وحين ينتقل التطرف من هوامش الحضارة (الانسانية) إلى المركز، فإن السبب لا يكمن في الدين ولا في الايدلوجيا، بل في المجتمع ذاته.
وأمام جمهور بدا منقسماً حيال مقالته في مقام لا يكترث بدعاوى الهويات المهددة بالذوبان, اعترف، فيما يشبه الزفرة: «ما أزعجني شعار في حياتي مثل شعار محاربة الفقر».
ولأنه لا يعادي الحرب بإطلاق، ولأن الفقر نتيجة وليس طبيعة، أوضح بأن المطلوب «وضع قوانين لمحاربة الاستغلال الذي يسبب الفقر».
غادر المنصة، ليلتزم على مدى يومي المؤتمر الصمت حيال مجريات الجلسات حتى وهي تنحو إلى السجال والصخب. ولا أحد يدري ما إذا كان وراء صمت الباحث المهجوس بسؤال الهوية، في بعديها الخاص والعام، وحشة غريب, او تأمل فيلسوف، أو تحفز باحث مشغول بعمل جديد لا يمت بصلة إلى الفلسفة ولا إلى الفكر، ولكن إلى علم الأنساب!