ستكثر المطالب

ستكثر المطالب - صالح مبارك الغرابي

"يللي صبرتي سنة.. زيدي ثمان واصبري"..
هذا المقطع الشعري الجميل يحمل في مدلولاته الشيء الكثير للإنسان لكي يواجه كل المعوقات والمنغصات التي تواجهه في مسيرة حياته، وهي لا محالة كثيرة لكن الإنسان بطبعه سريع لردات الفعل المعاكسة، ولم يتحمل الصبر الطويل. ولو أسقطنا هذا المقطع الشعري على واقعنا المعاش هنا في الوطن اليمني لعرفنا أننا لم نصبر السنة الواحدة فها هي السنون تتوالى علينا ونحن صابرون صبر أيوب، مع إن كل ما نمر به لا يحفزنا على الصبر، ومع هذا كله صبرنا منذ قيام الوحدة إلى اللحظة والكل يعرف ذلك، فالوحدة منذ قيامها صاحبتها الشوائب وعلقت بها الأدران وتراكمت عليها جميع الأوساخ والأوبئة ولم نعد نراها على صورتها الحقيقية.
 كلنا في الشمال والجنوب كنا في غاية الفرحة بهذه الوحدة، بل إنه طار بنا الخيال إلى فضاءات أكثر رحابة، فقال البعض إن في الوحدة القوة والعزة وهم محقون والبعض قال إن الاقتصاد سيتعزز ونصبح مثل دول الجوار وأكثر وليس لهذا الحد، بل إنه طار الخيال بالبعض إلى أبعد من ذلك فقالوا إننا لدينا أشياء كثيرة تفوق هذه الدول مجتمعة؛ فنحن أصحاب حضارة عريقة، ستنضبط الحركة السياحية عندنا وتدر على الاقتصاد الوطني العملة الصعبة، ولم تكن نهاية آمالنا وأحلامنا وما كنا نتوقعه عند قيام الوحدة فالبعض قال إن دول الجوار ستكون في سباق محموم لانضمامنا إليهم لنكون الدرع الواقي والحصن المنيع لهم وكل هذا لم يحصل البتة فنحن أقصد السلطة عند قيام الوحدة لم يكن التفكير فيما يشغل المواطن ويجعله يهتم به، فكل تفكير السلطة في كيفية البقاء والديمومة في كراسيهم وأيضاً تتراكم المشاكل وترحيلها من عام لعام حتى أصبحت على ما هي عليه الآن واضحة للعيان مثلها مثل من يريد حجب وتغطية الشمس بمنخل.
 والمشاكل التي صاحبت الوحدة كثيرة ومعروفة ولا بماذا نفسر ما حل بأبناء الجنوب الذين ضحوا بكل غال ونفيس لأجل هذه الوحدة، وهم اليوم يتجرعون كؤوس المرارة بما حل بهم فلا هم في مناصبهم السابقة خصوصاً الكوادر المجربة التي دائماً ما ترفع رؤوسنا عالية في المحافل الخارجية كل ما استفاده أبناء الجنوب هو التقاعد القسري والتهميش والمواطنة المنقوصة والتمييز بينهم وأبناء جلدتهم أصحاب النصر المؤزر في الحرب الظالمة التي زادت الطين بله ولم تبق أي شيء يبعث على الفرح.
ومثلما بدأنا بالمقطع الشعري الذي يحثنا على الصبر ثم الصبر مع أن المقولة تقول "الصبر يودي للقبر" وأيضاً كما يقولون"للصبر حدود" متى ما تخطاها تكون عواقبه وخيمة وغير مفرحة لأحد.
 هذا هو أبو محضار يقول: "الصبر لا جاوز حدوده قتلـ" فكيف سيكون الحال والصبر قد تجاوز حدوده. مع هذا نحن أحياء نعيش، لكننا لن نسكت عن حقنا المهدور، فها نحن بدأنا في المطالبة بكل ما لدينا من حقوق كفلها دستور البلاد ومهما حاولوا ثناءنا أو ترغيبنا أو حتى ترهيبنا فلن نسكت أو نصبر، فالصبر نفذ ولم يبق منه شيء، فعليهم هم أن يلبوا جميع المطالب المشروعة لنا أما أنهم يريدوننا نواصل الصبر، فهذا محال فيكفي من صبرٍ صبرناه. نريد أن نبلغهم إن كانوا صحيح أصحاب سياسة أن يتداركوا الأمور ويعالجوا كل الاعوجاج ويعيدوا لنا الوحدة التي كنا ننشدها قبل قيامها بسنين وليست هذه الوحدة المفرغة من المضمون فالذي بقى منها هو الاسم لاغير، يتشدقون به كل صباح ومساء.
 نريد وحدة نكون كلنا فيها عيال تسعه أشهر، وحدة ترفع الرأس لا تنكسه، وحدة أمامها نرفع الصوت عالياَ نتفاخر بها أمام الجميع. أما إن كان لهم رأي آخر فلكل حادث حديث وهم بأنفسهم يقرون بأن أخطاء كثيرة صاحبت الوحدة وأن الفساد هو الآخر صار سلطاناً في هذا الوطن وله قرون كبيرة وجب قطعها وآقتلعها من جذورها حتى لا تعود مرة أخرى.
هذه هي مطالبنا لا أكثر؛ عليهم ترجمة الحلول العاجلة لا التحدث بكلام لا يمر حتى على الأطفال الصغار وهم يريدون تمريره علينا ونحن الكبار، الذين جربناهم هذه السنين الطوال وعرفناهم ظاهر وباطن ولا داعي للكذب فالكذب حبله قصير جداً ومع مرور الوقت نستكثر المطالب ولن يقدروا على الوفاء بها والسلام.