وقفت النار.. أوقفوا الحرب

وقفت النار.. أوقفوا الحرب - منصور هائل

يمارس التاريخ ألاعيبه الماكرة علينا بدهاء لا ينكر، وتترصع مقولاته في أذهاننا بزهو أيقوني يمتنع على المساءلة والنقد والتفكر، ومن مفارقات التاريخ وكتابه أن تلصق بصعدة صفة مدينة السلام منذ عهد بعيد، وكذلك وصفت العاصمة العراقية بغداد بأنها عاصمة السلام.. يا سلام.!
وكأننا لا نسمع ولا نرى هذا التاريخ المصبوغ بالدماء وهو يصفع العيون والأذهان منذ الأمس الغابر حتى الآن، وهو تاريخ يقول بتذابح على «الهوية»، وقد كان الأشنع على الإطلاق، كما كان تذابحاً تحت ظلال سيف سلطة الشخصنة الطاغية، والحيثيات الشخصية التي تحيل إلى المذهب، وصلات النسب، والأصول والفصول وما إلى ذلك من ترهات غبراء يتبرأ منها الغبار.
وفيما خص صعدة التي دخلت مؤخراً في «هدنة» -حسب التعبير المنحوت من صلح الحديبية وتفريعاته- يجدر أن نسأل عن إمكانية تطوير هذه «الهدنة» إلى سياسة عقلانية تفتح فضاء للعيش المشترك، وتنزع الألغام من الأرض والأذهان، ومن المعاهد المتطرفة المتقابلة والمتقاتلة والمتخندقة، جميعاً، في مدينة السلام.!
هل يمكن توسيع فكرة «الهدنة» وتطويعها بالمعنى الذي يفتح للناس طريقاً في خضم الأشلاء والأنقاض والأطلال.
ذلك لأن صعدة لم ترتبط بعقد مؤبد مع الحروب والحرائق، وأهلها جديرون بقسمتهم في العيش الآمن والكريم على ظهر هذه البلاد.
ثم إن هذا السؤال عن سبيل إخراج صعدة كما غيرها من المناطق الملسوعة بأعلى درجات حرارة التوتر والاحتقان، سيفضي إلى أفق أرحب يكتنف اليمن بهمومها.
وما كان لهذا السؤال أن ينطرح إلا لأن الالتباس والغموض اكتنفا قرار وقف إطلاق النار، ولأن الإعلان عن وقف النار لا يفيد بأن الحرب انتهت، فالحرب ليست نيراناً فقط، ومن الراجح أن تتجدد وتستأنف إذا لم تزل أسبابها وعواملها ومناخاتها.
ثم إن الضحايا والقتلى وعائلاتهم من الجانبين يحتاجون إلى ما هو أكثر من مجرد اعتبارهم «شهداء»، لأن ذلك من شؤون يوم الحساب عند الخالق وليس من شأن الفضائية اليمنية أو دار الرئاسة.
وبمنأى عن حسابات الأهواء، والأحقاد، والمشاعر الانتقامية يفترض تدوير زوايا قراءة صور الضحايا من كافة الجهات والاتجاهات والأعمار، وصور الدمار الذي حاق بآلاف المنازل والخراب الذي طال كافة مرافق البنية التحتية -إذا كانت هناك بنية تحتية أخرى منافسة للمقابر والقبور.
ولا بأس أن تكون القراءة شفافة لأن الأمر يتعلق بأكثر من 100 ألف نازح و20 ألف أرملة، وآلاف الجرحى وألف منزل مدمر بحرف سفيان، وآلاف أخرى في معظم مديريات محافظة صعدة، والحديث يدور حالياً عن عودة بضعة آلاف من المقاتلين (الحوثيين) إلى منازلهم، وعن بقاء بضعة آلاف في مواقعهم إلى جانب قائدهم الميداني عبدالملك الحوثي -راجع الأسبوعين الأخيرين للغد-.
كل ذلك يكشف بأن ما خفي أكبر وأعظم، وبمعنى أفصح؛ فالمسألة ليست «شرذمة» ولا «زمرة» ولا «طغمة» وما إلى ذلك من ملفوظات الإعدام السياسي للخصوم وذبحهم.
كل ذلك يلح على الدعوة إلى ردم باب المحرقة، وقطع أسباب الحرب، من باب المصالحة الوطنية اليمنية العامة التي تستوعب «الحوثيين» على قدم المساواة مع غيرهم وتخرج من دائرة التجزئة والتقسيط، لأن الزمن لا يسمح باستعادة مصالحة 1970 بين «القبائل الجمهوريين والملكيين» من الزيود وحدهم، ولأنه بغير المصالحة العامة سنرتطم بالكثير من الحيثيات «الحوثية».
ولأن الأوان يدعونا للإمعان كثيراً في سؤال: «لماذا فعل الموت أيسر وأرخص من فعل الحياة»!.
 
mansoorhaelMail