جمعة صنعاء المروعة

22-03-2011 * أهالي "حي الجامعة" يعلنون "براءتهم" وأهالي الشهداء رفضوا عشرات ملايين عرضها النظام لإغرائهم بعدم تشييعهم من ساحة التغيير
* تواطؤ أمني، واستشهاد 52 بينهم طفل بعمر 4 سنوات إضافة إلى جرح ما يزيد عن 200 حالة 60 منهم خطيرة جداً
* لحظات ملحمية عاشها الثوار الذين استطاعوا القبض على بعض منفذي الجريمة كانوا يتحصنون في منازل مسؤولين وضباط
وسط حزن عميق، شيع مئات الآلاف، ظهر أمس الأحد، جثامين ضحايا مجزرة ساحة التغيير بالعاصمة صنعاء، التي ارتكبها قناصة بلباس مدني بعد صلاة الجمعة الفائتة.
تمت الصلاة على جثامين 52 شهيداً يؤمهم القاضي أحمد الشامي الذي قتل نجله الأصغر عيسى في الأحداث، ونقل 35 من الشهداء إلى مقبرة سواد حنش، فيما نقل الآخرون للدفن خارج العاصمة.
وفي الأثناء انطفأت الكهرباء في أغلب محافظات الجمهورية أكثر من ساعتين، متزامناً مع البث المباشر لقناة الجزيرة لتشييع الشهداء، كما قرأ أحد أهالي الحارات التي بجوار ساحة التغيير، بياناً أمام المعتصمين باسم أهالي "حي الجامعة"، أفاد بأنهم يعلنون "براءتهم" من القتل الذي تعرض له المعتصمون، مؤكدين أنهم تعرضوا لخديعة "كبرى نفذها الأمن وشخصيات أمنية بخطة محكمة في سبيل تلفيق تهم القتل علينا والقيام بفتنة داخلية".
كان مشهدا جنائزيا مهيبا هو الأول من نوعه في اليمن، حيث بدأت مسيرة التشييع من مستشفى جامعة العلوم والتكنولوجيا، ونقلت الجثامين على أكتاف آلاف تناقلوها حتى أوصلوها منصة ساحة الاعتصام، مسجاة بالعلم الوطني.
"النداء" لاحظت نساء المنازل المجاورة لساحة التغيير يقذفن بالورد ورذاذ الماء على المشيعين لجنائز الشهداء، فيما تمت حراسة موكب التشييع من قبل جنود الفرقة الأولى مدرع التي حلت بشكل فجائي محل قوات الأمن المركزي على مداخل الساحة وفي عديد أماكن ومنشآت حيوية في العاصمة.
وعقب الانتهاء من دفن جثث الشهداء، تعالت الهتافات المختلفة مطالبة بالقصاص والمحاكمة ورحيل الرئيس علي عبدالله صالح.
المعتصمون في ساحة التغيير كانوا رفضوا دعوة صالح الحداد، وقالوا في بيان عنهم إنه "لن يفلت من المحاكمة والعقاب هو وأنصاره ممن ارتكبوا المجزرة" حسب تعبيرهم. بينما أفاد عدد من أهالي الشهداء بأنهم رفضوا عشرات الملايين التي عرضها النظام لإغرائهم بعدم تشييع الشهداء من ساحة التغيير.
النائب العام الدكتور عبدالله العلفي كان وصل إلى الساحة أيضا صباح أمس، وأدلى بتصريح لوسائل الإعلام قال فيه إن النيابة العامة بدأت في التحقيق بالحادثة "وستتوصل بإذن الله إلى معرفة الجناة المتسببين".
يتفق شهود عيان أنه على طول الطرق المؤدية الى الساحة كانت ثمة لجان شعبية بدأت تتمركز في كل تقاطع قبل الجمعة الدامية بأيام قليلة، تكونت من أهالي الحارات، وبينهم بعض رجال الأمن –حسب اعتقادهم- بالملابس المدنية، يقومون بقيادة وتوجيه هذه اللجان، كما أنه في كل لجنة شعبية شوهد بعض الذين يحملون (كلاشينكوف رقم 47 ومسدسات مكروف 9 ملي)، وآخرون يحملون العصي.
وقال أحد الذين شهدوا حادثة الجمعة المروعة من الذين حاولوا أن يعبروا تلك الحارات للوصول الى الساحة، إنه لا يسمح لأي أحد بالتصوير بأية كاميرا كانت أو بالتلفون، ومن يتم القبض عليه وهو يصور يتم الاعتداء عليه من قبل اللجان الشعبية، وضربه ضربا مبرحا، ومن ثم كسر كاميراته أو تلفونه وما بداخلهما من فيلم أو شريحة.
وفي ظهر الجمعة كانت ما تسمى باللجنة الشعبية في التقاطع قبل الأخير من ناحية المستشفى الإيراني بالخط الدائري، تقوم بمنع أي أحد ليس من المنطقة، من المرور إلى داخل المنطقة التي تم فيها الاعتداء، ما يؤدي إلى عدم وجود أي شهود عيان قبل بدء إطلاق النار.
ولقد تم إطلاق النار أولاً من قبل المتمركزين عند مطعم الفاخر في الخط الدائري قبل تقاطع الرقاص، على المتظاهرين العزل في تقاطع الرقاص أمام الجدار الأسمنتي العازل بينهم وبين الساحة، ليتوالى إطلاق النار أيضا من متمركزين في أسقف المباني المحيطة داخل الساحة كذلك، وبالتحديد ما بين تقاطع شارع الرقاص وتقاطع جولة القادسية.
إطلاق النار الذي استمر لقرابة 3 ساعات، تخللته فترات انقطاع، أودى في الربع الساعة الأولى الى جرح العشرات ومقتل أكثر من 30 متظاهراً، وكانت المحصلة الفاجعة استشهاد 52 بينهم طفل بعمر 4 سنوات كان مع والده في الساحة لتأدية الصلاة، إضافة إلى جرح ما يزيد عن 200 حالة 60 منهم خطيرة جدا.
وحسب الشهود فإن عمليات القنص من أسطح المنازل لم تكن عشوائيا، وإنما كانت على يد متدربين تدريباً عالياً (قناصين) وبطريقة منظمة جدا، بما يعني أن المجرمين كانوا يتمركزون في الموقع المناسب للإطلاق والتتبع والتصويب بشكل محكم، بينما جاءت الأهداف في الرأس والعنق والقلب.
كان الهلع هو سيد الموقف، خصوصا من الذين يزورون الساحة لأداء صلاة الجمعة، والأطفال الذين مع ذويهم، في حين كانت معنويات الغالبية من الشباب في حالة استنفار معنوي من أجل الصمود والثبات وتبديد الهلع بالتكبيرات وهتافات ثورتهم السلمية.
ويفيد الشهود بأنه لم يكن هناك أي فرق من الجيش أو الأمن بتاتا كي يحموا المتظاهرين غير فرقة واحدة صغيرة تتكون من ضابط و5 جنود كانوا عزل أيضا ليس لديهم غير العصي، وقد حاولوا إيقاف إطلاق النار من ناحية إحدى اللجان الشعبية، ولكنهم لم يمتنعوا، بل قاموا بالهجوم على الفرقة، مما أدى إلى تراجعها وترك الموقع تماما لرصاص القناصة المتمركزين في أسطح المنازل وصدور الشباب العارية.
المبهر أن الشباب عند احتدام الإطلاق المكثف للنار، ركضوا باتجاهه على نحو بطولي يندر، وكان ذلك عقب وقوع 41 قتيلا أو أكثر و180 جريحا على الأرجح.
حينها وصلت فرق الأمن للموقع، لكن وصولهم كما أفاد الشهود كان عشوائيا تماما، وبدون قيادة أو ضباط (جنود فقط)، أو حتى تعليمات بحماية المتظاهرين، بل إن هؤلاء قاموا بالهجوم على المتظاهرين بالعصي. وما إن أفاق المتظاهرون سريعا من صدمتهم بالأمن حتى وصلت قاذفات المياه للموقع وبدأ قذفهم بالماء مع استمرار إطلاق النار طبعاً.
إلا أن الثوار استطاعوا في هذه اللحظات الملحمية القبض على بعض منفذي الجريمة ضدهم كانوا يتحصنون في منازل مطلة على الساحة وعند مداخل بعض الحواري المحصنة بالجدران الأسمنتية التي أنشأها حديثاً موالون للرئيس بإشراف جهات أمنية وعقال الحارات، من أجل إعاقة وصول المطالبين برحيل النظام الى الساحة، لكن الشباب استطاعوا هدم بعضها رغم حراستها من البلاطجة، كما حاصروا المنازل التي اعتلاها المسلحون القناصة، من بينها منزل محافظ المحويت أحمد علي محسن، ومنزل ضابط أمني. ثم بعد أن داهموا موقع هؤلاء القناصة المشاركين في تنفيذ هذه المجزرة البشعة، كان عدد من مرتكبيها الآخرين يلوذون بالفرار الى الحواري المحصنة بالجدران الأسمنتية العازلة.
في غضون تلك الأحداث، تمكنت مجاميع كبيرة من المتظاهرين والمناصرين لهم، من تهديم هذه الجدران، متدفقين من كل أحياء العاصمة، إلى التقدم قرب جولة كنتاكي، والتمركز عند جامعة صنعاء القديمة، حتى وقت المغرب، تنديدا بالمجزرة التي ارتكبت ضد المتظاهرين السلميين، واستنكارا لتواطؤ قوات الأمن مع منفذيها ومشاركتها القمع أيضا. فيما تمت عمليات الفر والكر بين الأمن والمتظاهرين وقنابل الغاز المسيل للدموع، حتى تراجعوا الى جولة شارع 20 (جولة الضبيبي)، قبل الجامعة القديمة، وتمركزوا هناك الى ساعات المساء الأولى قبل عودتهم الى حدودهم الأخيرة من ناحية جنوب ساحة التغيير ما بين المستشفى الإيراني وجولة القادسية.
صحيفة "صوت الثورة" الصادرة عن المعتصمين في ساحة التغيير، ذكرت أن التحقيق مع عدد من القناصة أثبت أنهم ينتمون إلى الحرس الخاص، مشيرة الى أنهم أفصحوا عن عمليات قتل آتية تستهدف المعتصمين، وأنهم أقروا باستلام مبالغ مالية، وكشفوا عن الشخصيات الأمنية، وقائمة 16 شخصا يتواجدون بشكل دائم داخل الاعتصام.
كما أفادت مصادر موثوقة في الساحة بأن بعضاً مما حرز في منزل محافظ المحويت: 15 بلطجياً مسلحين، 20 بندقية قنص صناعة أمريكية، عدد كبير من صناديق يوجد بها ذخيرة للكلاشينكوف +ذخيرة بندقية القنص، صناديق تحتوي على قنابل غازية، طابعة نقود لطباعة نقود مزيفة، وثائق أوامر صرف أسلحة وذخيرة، وثائق تصاريح مرور، وثائق تبيح القتل، ووثائق أوامر بتصفية. 4780369