مؤتمر الصحفيين وتأجيل غير مفهوم

مؤتمر الصحفيين وتأجيل غير مفهوم - عبدالباري طاهر

فجأة اتخذت قيادة نقابة الصحفيين قراراً بتأجيل المؤتمر العام الرابع الذي كان مقرراً عقده في 26 يوليو من هذا العام.
التساؤل المثار لم يكن بسبب التأجيل المباغت فمدة التأجيل لاتزيد عن أربعة أشهر. كما أن لقيادة النقابة حق التأجيل إذا ما تطلب الأمر ذلك.
الحيرة والريبة الناجمتان عن التأجيل الفجائي آتيتان من الضغوط السافرة والمستترة التي رافقت الإعلان عن تحديد موعد عقد المؤتمر والحملة القاسية من بعض صحف الحزب الحاكم والصحافة الحكومية. كما أن المبررات التي قدمها مجلس النقابة للتأجيل قد أسهمت في الأرابة لأنها ببساطة ليست بتلك الأهمية، أو أنها ليست كافية للتأجيل.
لقد تضمن البلاغ الصادر عن المجلس «أن التأجيل جاء بعد سلسلة اجتماعات متواصلة عقدها مجلس نقابة الصحفيين اليمنيين خلال الفترة الاخيرة في أجواء سادها النقاش الموضوعي والجاد والمسؤول للوقوف أمام الاعدادات -هكذا- الخاصة يعقد المؤتمر العام الرابع ومن أجل نقاش واسع ومفتوح للوثائق التي ستقدم للمؤتمر». والسؤال الاستنكاري لماذا التشديد على الجدية والمسؤولية والموضوعية تحديداً بعد تحديد موعد عقد المؤتمر وفتح باب الترشيح، وتقدم أكثر من مرشح للنقيب وأكثر من 35 مرشحاً للمجلس؟ إن منطوق الكلام المؤكد على المسؤولية والجدية والموضوعية يضمر في المفهوم «المسكوت عنه» غياب هذه المعاني في قرار تحديد موعد الانعقاد، وربما أثار الارتياب في سلامة وصواب التحديد للإنعقاد، وفيه نقض ونقد للتحديد السابق بصورة مبطنة.
وليس العيب في أن تعترف القيادة بخطل التحديد ولكن المعيب أن يعاد النظر في الموعد بصورة موهمة ومثيرة للالتباس، ويكون المبرر الثاني للتأجيل «من أجل نقاش واسع ومفتوح للوثائق التي ستقدم للمؤتمر». وتعرف قيادة النقابة كيفية أعضاء الجمعية العمومية أنه لا يمكن تحديد موعد لانعقاد المؤتمر قبل أن تكون هذه الوثائق قد أقرت بصورتها النهائية. معظم -إن لم يكن كل قيادة المجلس- قيادات نقابية شاركت في العمل النقابي، وبعضها مؤسس وتمتلك خبرة. وحقيقة لا يمكن تحديد موعد عقد المؤتمر قبل «التشييك» على هذه الوثائق. فكيف يحدد الموعد ثم تبدأ الاجتماعات الجادة والموضوعية والمسؤولة للاعدادات- لاحظوا اعدادات؟ ومعنى هذا أن القيادة دعت لعقد المؤتمر قبل اعداد الوثائق التي تقر قبل الدعوة للانعقاد سواء من الاحزاب أو النقابات أو التعاونيات أو الشركات والجمعيات الخيرية.
والأنكى أن الوثائق التي لم تُصغ في الأربعة أعوام الماضية، ولم يجر نقاشها وإغناؤها وإثراؤها بالنقاش يراد لها أن تناقش وتصاغ وتثرى في أربعة أشهر!!
ويقول البلاغ -ولا بلاغ إلا بالله- أن سيعكف على مناقشة القضايا المرفوعة من قبل فروع النقابة والبت فيها، وضمنها طلبات العضوية المؤجلة من وقت سابق، وفحص جميع الملفات الموجودة في النقابة من وقت سابق، وفقاً لشروط النظام الداخلي، وتصحيح جداول العضوية الحالية تنفيذاً لقرار المؤتمر العام الثالث!
فهل كان مجلس النقابة ينوي الذهاب إلى المؤتمر قبل مناقشة -لاحظوا مناقشة- قضايا الفروع؟ ولنا أن نسأل ماهي هذه القضايا التي لم تناقش على مدى الاعوام الأربعة ولم تتمكن القيادة من البت فيها. يشير البلاغ أن طلبات العضوية ضمن هذه القضايا المؤجلة! فهل تؤجل طلبات العضوية لأربعة أعوام؟ وهل يقبل الزملاء في قيادة النقابة أن يحددوا موعد المؤتمر، ويفتحوا أبواب الترشح للنقيب والمجلس ثم يبدؤوا بفحص الملفات؟ إن عملاً كهذا يصورهم وكأنهم يرشحون أنفسهم ثم يبحثون عن أعضاء جدد يصوتون لهم. أعرف أنهم أرفع من ذلك بكثير، ولكن التصرف يعطي هذا الانطباع. فهل يعتذرون لأنفسهم ولنا أيضاً؟
ويعرف الزملاء في المجلس أنه لا يمكن التنسيب للعضوية في أي حزب أو جمعية أو شركة أو نقابة في مراحل الاعداد للمؤتمر، وغالباً ما تحدد الستة الأشهر كحد أدنى لقبول العضوية الجديدة. قد يكون التبرير أن الملفات موجودة، ولكن يبقى السؤال لماذا لم تفحص؟ لماذا لم يبت فيها؟ لماذا.. لماذا لا يهتم المجلس نفسه ولجنة القيد وطالبوا العضوية بالعضوية إلا عند الدعوة لعقد المؤتمر؟
والأكثر غرابة (هو) الدعوة لتنقية العضوية حسب قرار المؤتمر العام الثالث.
إن تحديد موعد انعقاد المؤتمر يعني فيما يعني أن العضوية الموجودة في سجلات القيد هي الأساس، وأن هذه العضوية هي الجمعية العمومية التي سينعقد بها المؤتمر، ويستطيع أي مشكك أو شاك أن يكشف القضية. لأن تحديد موعد المؤتمر وفتح باب الترشيح يعني استكمال العضوية، وهي من بديهيات العمل النقابي.
ويتعلل البلاغ بمتابعة -لاحظوا متابعة- إقرار مشروع التوصيف الوظيفي مع الجهات المعنية. التعلل بالتوصيف ليس صائباً ولا دقيقاً، والتوصيف لا يرتبط بالأربع سنوات من عمر مجلس النقابة الحالي، وهناك في النقابة ملف ضخم عمل فيه العديد من الزملاء منهم ياسين المسعودي وواثق شاذلي وراجح الجبوبي واحمد الديلمي والنونو من التلفزيون والاذاعة، ولعب الاستاذ عبدالعزيز مقبل دوراً كبيراً في أعداد التوصيف.
بدأ العمل في التوصيف منذ العام 91 وقد حصلنا على توجيهات صريحة من الأخ الرئيس علي عبدالله صالح ورئيس الوزراء المهندس حيدر أبو بكر العطاس، وتعاون معنا في الوزارة محمد جرهوم وزير الاعلام حينها والأستاذ عبدالرحمن الاكوع نائب الوزير والوكيلة الأستاذة أمة العليم السوسوة. وتحت ضغط والحاح بل وتعاون الزملاء في الإعلام تم إعداد توصيف للاعلاميين بدلاً من الصحفيين. وشُكلت لجنة من النقابة والاعلام والخدمة المدنية. وعلى مدى عامين أعد التوصيف الذي قيم مهنة الاعلام كعمل ابداعي وليس مجرد أداء وظيفي، وتبوأ المبدع الاول درجة نائب رئيس وزراء بينما رئيس التحرير درجة وزير. وأقر المشروع من اللجنة ليموت في أدراج الخدمة المدنية بسبب تعنت الاستاذ محمد الخادم الوجيه، الوزير حينها، رغم محاولات الأستاذ عبدالرحمن الاكوع المتكرر لانجاح التوصيف.
فلماذا يحاول المجلس إعادة اختراع سيور العجلة، والتوصيف الذي لم يوافق عليه في أكثر من عقد من الزمان لا يصلح عذراً للتأجيل من أجله بضعة أشهر. والأمر اليوم أكثر تعقيداً في ظل الاستراتيجيات المعاشية الكبرى، وليسمح الاعزاء أن أقول أن التوصيف جملة غير مفيدة، والادهى والأمر إقحام سن مشروع قانون للصحافة. يعرف الجميع أن التلويح بقانون جديد منذ ما بعد حرب 94 كان وراء أنشقاق المجلس، فقد انحاز البعض لوزارة الاعلام لتعديل أو سن قانون جديد وكانت الخشية أن يعدل للأسوأ في ظل توجه للمزيد من القيود علي الحريات الصحفية، ورَمَتْ ترسانة الترزية الحكومية بأكثر من خمسة مشاريع، وعقد المجلس برئاسة الزميل النقيب (السابق) محبوب علي والمنحاز لقانون جديد، اجتماعاً موسعاً في صنعاء رفض المجتمعون أي تعديل أو تشريع جديد، وانعقدت جمعيات عمومية في تعز وعدن والمكلا رفضت كلها سن تشريع جديد لأنها تدرك الرغبة الجامحة للالتفاف على الهامش المحدود للحريات الصحفية، وعندما تقدمنا بمشروع متوافق عليه مع الاستاذ عبدالقادر باجمال رئيس الوزراء، شفاه الله، خرج المشروع من مجلس الشورى أكثر تكبيلاً للحرية من القانون 25 لسنة 90 (الحالي).
تقدم الزملاء: حمود منصر، فيصل مكرم، محمد الغباري، وأحمد الحاج وآخرون بمحددات لأي تعديل في القانون، ووافق الجميع على هذه المحددات التي تبناها اجتماع موسع في مقر النقابة قبل 3 سنوات كشرط لأي تعديلات قادمة.
وقد استعانت قيادتنا الحالية بمنظمات دولية محتفية بالحريات الصحفية، واوصت هذه المنظمات الدولية برفض أي تشريع جديد للصحافة. من نافلة القول الإشارة إلى أن التشريع الذي يتوعدنا به الزملاء ليس بأيدهم وإنما بأيدي (مجلسي) النواب والشورى، وغالبيتهم ليسوا مع الحرية بأي معنى. ويرى الكثيرون منهم أن حرية الرأي والتعبير كفر بواح ورجس من عمل الشيطان. والمشاركة في تقديم مشروع (تعني) إعطاء المبرر لهؤلاء المعادين حقاً وصدقاً للصحافة والصحفيين. وهل يكفي صياغة وإعداد مشروع ينزل للفروع ويناقش على نطاق واسع في أربعة أشهر؟!
أما ميثاق الشرف فلا ينبغي طرحه كمبرر للتأجيل ليوم واحد. ولو قُدِّم للمؤتمر ميثاق الشرف الذي أعدتاه الصحفيتان القديرتان رضية شمشير، وسلوى صنعاني للمؤتمر العام الأول: و المشروع المهم الذي أعده الدكتور عبدالكريم هائل سلام وسامي غالب ومحمد الغباري لكفى وأوفى.
أظن وبعض الظن ليس بإثم أن للتأجيل أسباباً ودوافع لا دخل للكثير في المجلس فيها أوبها.
 لست سيئ ظن أو نية، ولكني أعتقد أن غالبية المجلس حسنو النية بالحكم وحزب الحكم وهو ما يعاب عليهم.
لقد أنجز هؤلاء الزملاء إنجازات غير مسبوقة في نقابتنا، ويستحقون التمديد لهم لأي فترة ممكنة، ولكن تبريراتهم للتأجيل تختصم من سجل انجازهم النقابي.
لقد كان مجدهم الحقيقي رفض مشاريع القانون السالبة للحرية، فكيف يتبنون مشروعاً ليس بأيديهم أمره؟ واستطاعوا بمقدرة وشجاعة التصدي للعدوان على الحريات الصحفية والتنكيل بالصحفيين فكيف يقعون ضحية إعطاء أطراف خارج النقابة مهلة ترتيب أوراقهم بما يضر بهم وبالعمل النقابي؟
هناك أطراف في الحكم وربما خارجة لاتطيق دفاع النقابة المجيد عن أعضائها، ويريدون مهلة للبحث عن البديل، ولكن الممارسة الخاطئة التي يدفع إليها المجلس فيكون لها نتائج غير طيبة.
ونتساءل لماذا لا يتبنى مجلس النقابة مشروع قانون لحرية تدفق المعلومات، وهو أول حق للصحفي، ويتبناه نواب مهمون من مختلف الاحزاب بما في ذلك حزب الاغلبية؟ ولماذ لا يتحدث الزملاء عن الصحفيين في الصحف الحزبية والأهلية؟
أليس معيباً أن يفتحوا أبواب المؤتمر ويدفعون زملاءهم للترشح. ثم يعودون إلى دراسة الملفات، والتنقيب عن الوثائق والمشاريع.
لقد احسنتم صنعاً في الماضي، وانجزتم الكثير واذا كانت الاعمال بخواتمها، فاللهم إنا نسألك حسن الختام فلا شيء أسوأ من «سوء الخاتمة»!