بين وعود صالح وشبح الواعظين الجد!

بين وعود صالح وشبح الواعظين الجد! - حسين اللسواس

يخطئ من يظن ان إنشاء هيئة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سببه حرص النظام الحاكم على إحياء الفضيلة ومحاربة الرذيلة وتطويق مظاهر الانحلال في المجتمع... الخ.
الاستدلال على فرضية (خطأ الظن) قائم على أساس مسببات كثيرة لعل أبرزها وأعلاها شأناً ان مقدمي مشروع الهيئة ظلوا قابعين في محراب الصمت عن المنكرات لسنين، إذ لم يؤثر عن أحدهم استنكار أو موقف واضح وجلي من المنكرات سواءً أكانت سلطوية المنشأ أو مجتمعية الفعل، وهو أمر يضعنا أمام تساؤلات حول العامل الزمني في طرح مثل هكذا مشروع مثير للجدل. وبلغة منطق الواقع نتساءل هل ظلت ضمائر هؤلاء نائمة في أحد كهوف القطب الشمالي طيلة الاعوام الآنفه لتستيقظ بصورة فجائية حاملةً راية الأمر بالمعروف والزجر عن المنكر.!؟ أين كانت أصوات هؤلاء في اللحظات التي صُنف فيها الصمت عن قول كلمة الحق زيفاً وخداعاً على طريقة (الساكت عن الحق شيطان أخرس)!.
لا أخالني جانبت الصواب إن قطعت جازماً بان الهدف من الدعوة لتأسيس هذه الهيئة، مادي ذو صبغة نفعية بين السلطة وأرباب المشروع.
كتدليل، دعونا نعود للوراء قليلاً وتحديداً إلى لحظات احتدام المنافسة الإنتخابية على كرسي الرئاسة بين صالح وشملان، وهنا لعل كثيرين لازالوا يذكرون موقف الشيخ الزنداني وجامعة الإيمان ومساندتهم لصالح الذي أدار ظهر التجاهل للمحاذير الامريكية ومضى في كسر طوق العزلة المفروض على الجامعة بزيارته الشهيرة التي وعد فيها بإستيعاب مخرجات الجامعة في السلك القضائي والتعليمي والإرشادي كخطوة على طريق إذابتهم في المجتمع.
الرابط بين هذا وذاك ان صالح بعد ان انجلت غمة الانتخابات وعاد الى كرسي سلطانه الوثير منتشياً، لم يتمكن من تحويل وعوده حول جامعة الايمان الى واقع عملي بفعل عوامل عديدة ليست موضوع تناولتنا هذه، فتوجيهاته الممهورة بإمضائه العريض، أصابتها لعنة العرقلة وتحولت بقدرة قادر الى حبر على ورق المماطلة والتسويف، مما اكد لمنتسبي الجامعة أنهم كانوا مجرد أحجار على رقعة المنافسة الانتخابية سرعان ما انتهت ادوارها بطي الرقعة، وهو ما جعل صالح يسعى لإيجاد بدائل كفيلة بتبديد هذا الإعتقاد ودحض تهمة إستخدام الجامعة وكوادرها ككرت إنتخابي.
التسلسل الهرمي للأحداث يؤكد ان البدائل السلطوية تمثلت في التفكير بإيجاد هيئة على غرار هيئة محاربة الظواهر السلبية التي كان هدف انشائها ترتيب وضع القيادي الاشتراكي البارز سالم صالح محمد ليس أكثر!.
بمعنى أكثر وضوحاً، فهيئة (المعروف والمنكر) هذه، سبب وجودها الرئيسي يكمن في ايجاد عمل ومصدر عيش للمئات من حاملي كارنيه الإنتماء الى المدرسة الزندانية وذلك تحسباً لإحتمالية ان يتسبب بقاؤهم في مربع الإقصاء لبروز ظواهر مشابهة للظاهرة الحوثية تحت شعارات الجهاد ومحاربة الإنحلال المجتمعي والخنوع السلطوي للخارج.
ما بعاليه، لا يعني أن ذلك هو السبب الوحيد، فالسلطة قطعاً لديها أجندة وأهداف أخرى تتطلع لتحقيقها من وراء بروز هذه الهيئة، وليس ادل على ذلك مما بات رائجاً حول نوايا رئاسية لإستخدام هذه الهيئة ككرت انتخابي في المعركة النيابية القادمة، تماماً كما استُخدمت جامعة الايمان من قبل، إذ إن ابراز الهيئة ومنحها صلاحيات تقييد للمجتمع يحمل رسالة ضمنية إلى الناخبين مفادها: هذا هو البديل الذي سيقدمه تجمع الإصلاح ومن ورائه المشترك في حال حصولهم على اغلبية نيابية تمنحهم امتياز الإنفراد بالحقائب الوزارية، وذلك بالنظر إلى كون الزنداني والذارحي محسوبين على المشترك وتحديداً تجمع الاصلاح.
ثمة من يعتقد بان نجاح ارباب المشروع في إقناع صاحب الفخامة بجدوى تنفيذه، سببه التلويح بأوراق ضغط كثيرة ومنها ورقة الجوكر المتمثلة في إمكانية إنسلاخ أتباع التنظيمات الجهادية من اتفاقاتهم مع السلطة، مما يعني تحويل البلاد إلى مسرح للعمليات التخريبية التي قد لا تقتصر على استهداف المصالح الغربية، إذ أن رموز السلطة سيكونون على رأس (كوتشينة) الاستهداف بذرائع اعلاها تحالف السلطان مع الشيطان –أقصد- امريكا، وأدناها رفضه –أي السلطان- لدعوات الامر بالمعروف والنهي عن المنكر!
وهو إعتقاد –فيما لو صح مضمونه- يعد دليلاً إضافياً على ان الهدف الرئيسي لإنشاء الهيئة كما اسلفنا مادي ذو صبغة نفعية بالدرجة الاولى.
ويبدو ان طرحاً كهذا يحظى بتدعيمات كثيرة، فالإستدلال على وجود فرضية الضغط على السلطة يمكن استجلاؤه من خلال الحملة المنظمة التي استهدفت رموز المشروع وأعني هنا الثنائي (الزنداني-الذارحي).وهي حملة يُعتقد ان بعض ملامحها طبخت في القلعة (دار الرئاسة)، لتبرير أي قرار رئاسي رافض لوجود مثل هكذا هيئة تقوض دعائم النموذج الليبرالي الآخذ بالتشكل يوماً إثر آخر في ارض التعيسة –عفواً-السعيدة.
فالرفض الرئاسي لتشكيل الهيئة فيما لو تم سيبدو في نظر الجميع واقعياً ومنطقياً إتساقاً مع الرفض النخبوي والشعبي الكبير الذي جوبهت به فكرة الهيئة.
وماذا بعد..؟
اجدني على اعتقاد جازم بان الحاكم يتحمل جل المسؤولية فيما يحدث من إنقسام نخبوي وتعبئة شعبية مع او ضد الهيئة، سبب الجزم ان صالح أخطأ عندما اطلق فاصلاً من الوعود التي كان وقعها في الأسماع كالرعود حول إستيعاب مخرجات جامعة الإيمان، وعندما أدرك إنغماسه في وحل الخطأ إنبرى محاولاً إصلاحه على طريقة (جاء يكحلها فأصابها بالرمد)، ليخطئ مرة اخرى عبر فكرة الهيئة.
وهنا نتساءل أي الضررين أهون على الحاكم وشعبه، إستيعاب مخرجات مؤدلجة فكرياً في مؤسسات الدولة المختلفة، أم إنشاء هيئة تصادر الحريات وتقوض مسار التطور الحداثي والديمقراطي؟!
لصالح نقول: ليس من العدل ان يتحمل شعبك وزر عدم تنفيذك لوعودك الإنتخابية التي إتخذت من الشطح والنطح أساساً ومنطلقاً، لذا يتوجب عليك ان تنفذ تلك الوعود وترفع عن كاهل الشعب والأجيال القادمة شبح الواعظين الجدد وكفى!!
Al_leswasMail