محمد ناجي أحمد يتساءل: متى نبدأ التغيير

محمد ناجي أحمد يتساءل: متى نبدأ التغيير

الجزيرة العربية من حولنا  تعيش تحولاتها في التعليم والثقافة والعلوم والاقتصاد. ونحن منذ بداية تكون اليمن الحديث بداية القرن العشرين لا نزال نراوح في نفس المكان؛ فغياب الاستقرار السياسي في اليمن لم يعط فرصة لإحداث تحولات تنويرية جذرية. وأمام ضغوط القبيلة في الشمال و«المصيريين» في الجنوب تدخل اليمن مرحلة أخرى من مراحل الاضطراب السياسي،التي تجعل من إمكانيات التحولات التنويرية بعيدة المنال.
يمكن للقارئ المتابع للأدب السردي في الخليج أن يعي تلك الرغبة السردية التي تطال «الخطوط الحمراء» الاجتماعية، والثقافية، والعقدية، والاقتصادية، وبجرأة تجعلك توقن أن التحولات التنويرية في الخليج تسير ببطء، لكنها تتقدم وتنمو. في اليمن ليس هناك سير ولا تراكم لإنجازات التنوير، هناك دوماً عودة إلى نقطة «الصفر» أو على حد تعبير الكاتب «العميق والبسيط» محمود ياسين عودة إلى «الألف».
أعتقد أن القوى التي لا ترغب في التحولات التنويرية وتقف عائقاً وجودياً أمامها ليست بالضرورة «رسمية» ولكنها وبشكل أساسي موجودة في إطار تيار «الإسلام السياسي» الذي يجد هويته ومصلحته في التوقف عند نقطة «الصفر أو الألف»؛ فالتحولات ستأتي بهوية جديدة ووجود متحرر من التبعية الذيلية التي أدمنوا تكريسها تحت شعار «أن تكون ذنباً خير لك من أن تكون رأس بدعة»، والتنوير من وجهة نظرهم بدعة ستأتي بمصالحهم واستثماراتهم التي نشأت مع التوقف عند مرحلة «الألف». فخروج المجتمع من محيط «المعلامة» إلى فضاء الحداثة وما بعدها، يعني نهاية التاريخ بالنسبة لوجودهم وبداية تاريخ جديد ومصالح جديدة.
تحتاج السلطة إلى تغيير نهجها القائم على استثمار وتعزيز حالة الركود، وهي بحاجة كذلك إلى قدر كبير من الإحساس  بالاستقرار، كما أنها مطالبة بتكريس حالة الاطمئنان والاستقرار لدى المعارضة، والاتفاق على مشروع تنويري. ساعتها ستتغير التحالفات على أرضية معرفية، لن يكون السياسي فيها طاغياً، وإنما الهم المعرفي في صناعة هوية وحاجات جديدة. ستصطدم بالقديم، لكنها ستكسب يمناً أساسه الحريات والنمو في مختلف العلاقات.
أن نظل في حالة شد وتنازع بين مصالح «القبيلة» أو «العدنية النقية»، فذلك من وجهة نظري كارثة ستودي باليمن بأكمله، ساعاتها لن تجدي تلك الانتقائيات التاريخية السطحية؛ التي تأسس لهوية شمالية وأخرى جنوبية، فمثل هذه الانتقائية يمكن تطبيقها على فرنسا، وايطاليا، وبريطانيا، بل على جميع الهويات الموجودة على سطح الأرض، فليس هناك هوية منزلة من السماء، والعلاقة بين «العرق والجغرافيا» محض أوهام وهذيان سنصل من خلالها إلى حالة من التذرر الذي لن ينتهي.
لنبدأ في التفكير بـ«المشكلة اليمنية» من أرضيتها المعرفية، حينها يمكن لنا أن نبدأ  المعالجة والخروج من شرنقة «المحاصصة» و«العنف السياسي». مع بروز هذه النزعات السياسية بوجها القبلي أو «العدني النقي من علائقه الشمالية» تغييب المشاريع الحداثية المتعلقة ببناء الدولة، وندخل في مرحلة من الاضطراب محصودها  لن يكون إلاَّ لمصلحة القوى المضادة للتنوير، وهي الأكثر قدرة على الحركة، وتمتلك من الجاهزية ما يجعلها تأسس لمرحلة «الحكم المقدس» الذي يحاسب الناس على ما في قلوبهم ناهيك عن أفعالهم.
خطاب الجنوب «النقي» في دعوته إلى لم الصفوف لمواجهة الخطر الشمالي، لا يقل تماثلاً عن خطاب قبيلة حاشد وهي تدعو أبناءها إلى حشد الصفوف وعدم الفرقة حتى لاتذهب ريحهم، و«تتفرق أيدي سبأ». هناك تماثل في الخاطب وفي الآلية يجعل القارئ يصل إلى نتيجة واضحة؛ وهي أن مشروع الدولة اليمنية الحديثة ليس من اهتمامات هذه النزعات والتوجهات، فما يعنيها هو أن تحكم ويستمر دورها في الحكم، لترسم حاضر ومستقبل اليمن الذي يجب أن يظل مقسماً إلى حكام وأنصار ورعية، وعدني «نقي»، وعدني من جذور شمالية وشمالي خائن!.
mohmad