درس راوندا

درس راوندا - محمد الغباري

إغلاق خمسة مواقع الكترونية بعد يوم واحد من تهديد وزير الإعلام للصحفيين بالويل والثبور, إجراء متواضع إذا ما قيس بحج الوعيد الذي تضمنه تصريح الرجل, أو بتاريخه المليء بالقمع والاستبداد ونفي الآخر. لكنه في الأخير مؤشر واضح إلى طبيعة المرحلة المقبلة.
من المفترض أن اليمن بلد ديمقراطي، وأنه يتهيأ هذا العام للانتخابات النيابية التي ستتم في ابريل 2009. ومن المفترض أيضا أن جهد كل مؤسسات الدولة تصب في اتجاه التحضير لهذه الانتخابات، وبما يمكن الناس من التعبير عن قناعاتهم بحيث يعاقبون من خان كل تعهداته لهم خلال الانتخابات السابقة, أو يختارون بديلا له. غير أن كل الدلائل تشير إلى أننا نتجه نحو أزمة قد لا تجعلنا نصل إلى هذه الانتخابات إلا وأمامنا خيارا الانقياد نحو المجهول أو الرضا بما هو قائم.
 أثناء الانتخابات الرئاسية استحضر الحكم كل عناوين الخراب في العراق والصومال لقطع الطريق أمام الناخبين في التفكير ببدائل. وقد توجت سياسة الخوف بمسرحية المرافق الشخصي لمرشح المعارضة. واليوم نحن نمضي باتجاه أشد رعبا. فهناك تغذية قذرة للنزعات الجهوية, وتداخل بين فساد الداخل, ورغبات الخارج يعملان على وضع الناس أمام مفترق طرق, إما الانزلاق نحو صراعات داخلية, وإما إبقاء الحال على ما هو عليه.
ليس في الأمر ابتكار أو نبوغ نادر، لأن التاريخ مليء بنماذج من الحكام الذين ضمنوا استمرارية بقائهم في السلطة من خلال تسليم العائلة أو القبيلة أهم مفاصل الدولة، وانتهاج سياسة الإقصاء للأفراد والجماعات، والعمل على تأجيج النزعات المناطقية أو المذهبية, حتى إذا ما فكرت الشعوب بتغيير هؤلاء الحاكم صدمت بواقع التجزئة والتشرذم القائمة في المجتمع، فرجحت الصبر على جزء من البلاء بدلا من وقوع البلاء كاملا.
 اليوم وقد تعطل الحوار حول معالجة الأوضاع في المحافظات الجنوبية وإزالة كل آثار الحرب المدمرة في صيف 94, وأصبح قانون الانتخابات تحت رحمة الأغلبية التي تتمسك بحق تشكيل الإدارة الانتخابية وفقا لما يضمن لها تكريس الأغلبية الدائمة في كل انتخابات، لا أظن أن من الواجب على اللقاء المشترك الانتظار حتى وقوع الكارثة.
قد يكون ضربا من الجنون القبول بدخول الانتخابات المقبلة بعد فضيحة اللجنة العليا للانتخابات خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة, وسيكون نوعا من السفه الوقوع في المصيدة نفسها التي وقع فيها اللقاء المشترك خلال تلك الانتخابات, حين قبل التوقيع على اتفاقية مبادئ لنزاهة الانتخابات قبل وقت قصير من موعد الاقتراع، ليكتشف بعدها أن الطرف الآخر لم ولن يلتزم بأي اتفاق.
اللقاء المشترك معني من الآن بتحديد خياراته, فإما أن يستمر في أداء دور الرجل الطيب الذي يتلذذ بالشكوى من اضطهاد الآخرين له, وانتظار وقوع الطوفان, وبالتالي فإنه لن يستطيع فعل شيء حينها, لأن التصفيات العرقية في راوندا كانت محصلة طبيعية لعدم إدراك الناس لمخاطر الشحن المناطقي وتغذية الكراهية بين المواطنين استنادا على قاعدة الانتماء الجهوي أو القبلي؛ وإما أن يؤكد أنه صاحب حق ومشروع إنقاذ.
malghobariMail