حزب لم يحترف وترك رئيسه وحيداً

حزب لم يحترف وترك رئيسه وحيداً - أحمد الزرقة

كما الاشخاص تبلى الأحزاب بفعل الزمن. وبقاء حزب لفترة طويلة في السلطة يفقده الاحساس بالزمن والقدرة على متابعة التغيير في حركة المجتمع. المؤتمر الشعبي العام الحاكم،المولود في كنف السلطة كاحتياج لادارة التحالفات السياسية التي تضمن البقاء على كرسي الحكم في زمن كانت الحزبية جريمة وعمالة للخارج ما جعل الكثير من الاطراف السياسية تلجأ للعمل السري، جاء المؤتمر ليشكل خلطة فكرية – سياسية تسهم في احتواء كل الأطياف التي قد تشكل خطراً يهدد نظام الحكم، كما أنه جاء استجابة لحاجة داخلية تتمثل في توحيد الجبهة الداخلية في مواجهة المد اليساري (الاشتراكي) الذي كانت معاركه قد وصلت إلى عدة مناطق في العمق الشمالي، كما أن الهدف إيجاد كيان حزبي يناظر الحزب الاشتراكي الموجود في عدن، بحيث يكسب الرئيس صالح شرعية توازي تلك الموجودة لدى قادة الحزب الاشتراكي، خاصة في حالة حدوث تفاوضات أو مباحثات بإتجاه الدفع نحو الوحدة اليمنية.
ونجح الرئيس صالح ومن خلال المؤتمر في الحفاظ على موقعه دونما منافسة أو مزاحمة،بل إنه حصل من المؤتمر على صك لتربعه على منصبه عبر انتخابات أدارها المؤتمر،ولأن المؤتمر لم يكن حزباً سياسياً بما يعنيه المصطلح، فقد كان علي عبد الله صالح في حالات كثيرة أكبر من المؤتمر،الذي كان كياناً هلامياً غير واضح المعالم ويحتوي على تناقضات سياسية واجتماعية وفكرية متنوعة، ولم يسمح صالح أن يزاحمه أحد على رأس المؤتمر وظهر الرئيس صالح في محادثات الوحدة مع الحزب الاشتراكي، الممثل الوحيد والقوي للشطر الذي يحكمه، ولا أدل على ذلك رعايته وتواجده في كل مراحل تلك الاتفاقيات والمفاوضات،وساعده تحقيق نوع من الاستقرار السياسي خلال فترة حكمه،على أن يبدو الطرف الاقوى،صاحب النفوذ والعلاقات الدولية الواسعة،بينما كانت الصور تتغير في الجانب الآخر فقد كان هناك عبد الفتاح اسماعيل، وبعده على ناصر محمد،ومن ثم علي سالم البيض.
وعندما ذهب الرئيس صالح الى عدن لتوقيع اتفاقية الوحدة لم يعارضه سوى عدد من قيادات الاسلاميين(الاخوان المسلمين)، وعدد من مشايخ القبائل –المملوئين بفوبيا الشيوعية- ولأنه كان يدرك الحجم الحقيقي لتلك المخاوف التي يحملونها وبالتالي تمثيلهم السياسي،فقد ذهب إلى عدن دونما الالتفات إلى تلك الاصوات،بينما كانت الاصوات على الضفة الاخرى ما زالت مترددة كثيراً، ماجعل النائب علي سالم البيض، الذي كان يحتل وقتها منصب الأمين العام للحزب الاشتراكي، يتحمل العبء الاكبر في إقناع الرفاق بالمضي قدما نحو الوحدة اليمنية؛ وهو الامر الذي جعل الرفاق في فترات لاحقة يصبون جام غضبهم على البيض الذي دفعهم دفعا نحو الوحدة الاندماجية،وليست الفيدرالية التي كان الرئيس صالح يطرحها.
وكان يؤخذ على المؤتمر أنه كيان ينفع لأن يكون أي شيء إلا أن يكون حزباً،وهو ما تنبه له المؤتمريون في مؤتمرهم العام الخامس عام 1995م؛ فتمت معالجة الاختلالات التي يعانيها وتم إقرار الاطر السياسية ومكوناته التنظيمية،وروجعت أيضا لوائحه التنظيمية الداخلية وبرنامجه السياسي،وخاض بهيئته الجديدة تلك ست تجارب إنتخابية متنوعة،إختلف فيها أداؤه الحزبي والسياسي من تجربة لأخرى.
ويصنف المؤتمر كحزب "عظامي" بالموسمية في الأداء السياسي،والتكتلات في الاداء الداخلي والتنظيمي،تلك التكتلات هي التي رفضت خلال المؤتمر العام السابع فرض ترشيح الأمين العام الحالي عبد القادر باجمال في منصبة ما جعل الرئيس صالح يصر على موقفه، بل وهدد بالانسحاب إذا لم يتم دعم ترشيح باجمال لمنصبه.
الامين العام الجديد للمؤتمر بعد إقصائه مطلع العام الجاري من منصبه في رئاسة الحكومة وتفريغه للبناء التنظيمي، يحاول جاهداً التغلب على قضية التكتلات السياسية داخل المؤتمر،وقد استهل مشواره في الحزب الحاكم بمقابلة مع صحيفة "الميثاق" تحدث فيها عن مشروعه لتحويل المؤتمر إلى حزب محترف،وأنه سيحول إلى حزب سياسي جديد فيه الكثير من الالتزام الحزبي. ذلك الحديث الذي كان يدور على وقع أصوات الموقصين سواء في مبنى اللجنة العامة،أو في معهد الميثاق، الذين جاء بهم باجمال لإحداث تغييرات في هيئة مكتب الامين العام ورفع سقفه سنتيمترات تتناسب مع حجم طموحه داخل المؤتمر وإشارة خفية إلى أن العهد السابق لسلفه قد انتهى بناء على أن لكل واحد منهما حجمه وطوله، قوبل بالاستهزاء والاستخفاف من عدد من القيادات الحزبية للحزب الحاكم،ولم يدركوا أن الرجل جاد فيما طرحه،ولديه رؤية محددة يريد تنفيذها،لكن خصومه كانوا كثر في قيادة التنظيم،وهم نفس القيادات التي كان اشتراط خروجها معه من الحكومة،وتفرغها تحت إدارته للبناء التنظيمي، ووجه باجمال بسيل من الانتقادات من قيادات حزبه الذين يرون أنه فرض عليهم فرضا،واتخذت مواقف عدائية من محاولات باجمال للدفع بالمؤتمر قدما نحو عالم الاحتراف، والذي لا يبدو واضح المعالم،وأسفر عنه انقسام اللجنة العامة إلى قسمين أحدهما مع باجمال والآخر ضده بقيادة النائب الثاني للمؤتمر الدكتور عبد الكريم الارياني. وسارعت عدد من القيادات الشابة داخل المؤتمر بالتحالف مع باجمال ضد القيادات التاريخية،خاصة في الامانة العامة "العواضي- الميسري- القاضي" بإجراء مقابلات قوية ضد ما أسمته بالفساد في المؤتمر الحاكم ومنظومة الحكم، قوبلت تلك التصريحات بحملات شرسه من قبل قيادات الطرف الآخر وتم الحديث عن تحويلهم لمجلس تأديبي داخل المؤتمر، لكن شيئا من ذك لم يحدث، بل على العكس تم نقل العواضي من دائرة المنظمات الجماهيرية، التي حل فيها الوافد الجديد من الحزب الاشتراكي الذي كان متصدراً قائمة ال17 الشهيرة،وعين العواضي في الدائرة الفنية،وهي واحدة من أهم الدوائر داخل المؤتمر،وذهب ضحية الجولة الاولى من ذلك الصراع رئيس تحرير صحيفة الميثاق عبدالله الحضرمي بسبب ما كتبه من رأي يتفق فيه مع ماجاء في مقابلة ياسر العواضي.
كما أن قيام حسين الاحمر، وهو مؤتمري، ومعه شخصيات مؤتمرية بتشكيل المجلس الوطني للتضامن، دليل آخر على أن المؤتمر يمر بأسوأ فترته التنظيمية والسياسية،ولم يعد الانتماء له يمثل مكسبا سياسيا حتى لأعضائه.
خصوم باجمال في المؤتمر كثر وهم في تزايد مستمر خاصة بعد قيامه بتجميد عدد من القيادات القديمة في الحزب، كما قال عبد الحميد الحدي إن باجمال أقصى عدداً كبيراً من مؤسسي المؤتمر،وهو يدير صراعاته معهم بهدوء أحيانا وبقوة أحيانا أخرى، ومن أجل فك الاشتباكات بينه وبين خصومة يضطر الرئيس صالح للتدخل بين الطرفين،يتقن باجمال تفتيت خصومة كما قال عن نفسه ذات لقاء مع جريدة "الغد"، ولعل ما يقوم به في المؤتمر يأتي من هذا القبيل،فقد استطاع إزاحة الامين العام للشئون التنظيمية صادق أمين أبو رأس،الذي عين محافظا لمحافظة تعز، لأن "أبو رأس" كان من متزعمي القوى الرافظة لوجود باجمال في الأمانة العامة،منذ أن احتل باجمال منصب الامين العام وهو الموقع الذي قيل أن "أبو راس" كان مرشحا قويا لاحتلاله في المؤتمر العام السابع إذا تم حينها الاحتكام للصندوق، كما أن تعرض الامين العام المساعد للشئون الإعلامية سلطان البركاني لحادث مروري أبعده عن الساحة الداخلية للمؤتمر، أما بالنسبة للأمين العام المساعد للشئون السياسية عبد الرحمن الاكوع فدوره غير معروف،وعمليا يمارس باجمال أداء تلك الأمانة،ويقال إن تلك الدوائر معطلة فعليا ولا يداوم الأمناء العامون في مكاتبهم باللجنة الدائمة.
وفي إطار الصراع على الموارد المالية، برزت قضية مؤسسة الميثاق بصورة محرجة لقيادات المؤتمر،وكان الصراع فيها واضحاً من خلال الأدوات التي أديرت بها تلك العملية،والتي عكست شرخا كبيراً في جدار المؤتمر التنظيمي وشخصياته، لم تفلح المحاولات الترقيعية في إخفاء آثاره.
كل هذا ورئيس المؤتمر يخوض معركة في وجه ثورة المطالب التي فجرها المتقاعدون العسكريون في المحافظات الجنوبية،وحيداً بعيداً عن حزبه المشغول بالصراعات البيروقراطية، كما يواجه تغول اللقاء المشترك ومطالبه السياسية في ذات المعركة، ويبدو أن الأخير على دراية تامة بالخلل في منظومة حزب الرئيس ما جعله يصعد خطابه ضده، ورفض التفاهم مع القيادات الحزبية للمؤتمر،التي فشلت في إدارة حوار مع اللقاء المشترك، بل وكان هناك سعي واضح لإفشاله،ولم يبذل المؤتمر جهداً من أجل إنجاح الحوار مع اللقاء المشترك،وكان موقف المشترك من مبادرة الرئيس التي أعلنها في رمضان الفائت حول شكل النظام السياسي وتعديل الدستور، مستفزاً للرئيس الذي أدرك أنه لا يتكئ على حزب، وأن حزبه مشغول عنه،ولم يقدم له المساندة من أجل تحقيق برنامجه الانتخابي، بل إن أطرافا في حزبه تسعى لإفشاله وعرقلة خطواتة الاصلاحية. وسعى الرئيس صالح للملمة أطراف الحوار مع المشترك بالرغم من أن الاخير يبالغ في استخدام كل ما يؤلم الرئيس،كما يسعى لاسقاط شرعيته وصورته الذهنية في صورة المواطن ورجل الشارع من حيث إرجاع كل ما يعانية المواطنون سببه الرئيس،بالاضافة الى أن ذلك هو نتيجه طبيعية لانتخابهم له.
المشترك يحاول اختطاف الشارع السياسي، والمكاسب التي تحققت سياسيا على يد المتقاعدين في المحافظات الجنوبية، ويسعى جاهداً للمشاركة في فعاليات تلك القوى،وحزب الرئيس مشغول بقضايا أخرى ليس منها الرئيس.
قيادات المؤتمر تقول إنها وحدوية وأن شرعية الشارع معها،وأن من رفعوا شعارات انفصالية هم قلة لا تعبر عن الشارع،هنا يبرز سؤال هام: لماذا لم تخرج قيادات وكوادر المؤتمر الوحدوية للشارع بشكل سلمي للتعبير عن وحدويتها ومطالبها بالحفاظ على الوحدة؟! وإذا كنا رأينا الانفصاليين فأين هم الوحدويين؟ أين حزب الرئيس في الشارع اليمني!؟
غياب المؤتمر في هذه الفترة الحساسة التى تشرف فيها اليمن على استحقاق إنتخابي قادم من شأنه تعرض الحزب الحاكم لضربة قد تكون موجعة له، لكنه بحاجة لها من أجل الخروج من غيبوبته.
ما يحدث في المؤتمر لا أجد له سوى تفسيرين، إما أن يكون هناك إتجاه داخل المؤتمر لإضعافه من الداخل تمهيدا لإسقاطه من أجل تهيئة الملعب السياسي لحزب جديد،يعبر عن احتياج مرحلي قادم وتسيطر عليه نخبة تدرك جيدا أن السيطرة على مقاليد الحكم في اليمن بعد 2013 بحاجة لحزب أكثر تماسكا ودماء شابة تحمل أفكاراً جديدة،بعيدا عن القيادات التاريخية.وذلك لأن الرئيس لم يعد يعول كثيراً على حزبه، ومل من تحالفاته مع شركاء تعاملوا معه كسائق تاكسي، كما قال ذات يوم.
والتفسير الآخر يتعلق بمعرفة الرئيس بأن حزبه امتلأ بالتناقضات وانه لا بد من عملية تطهير للقوى التي أصبحت تعيق تحركه، ولا أفضل من أن يترك عملية التصفية والتطهير تتم بعيدا عنه، وإن حصلت على مباركته قبل ذلك من أجل إعادة الروح إلى الحزب الذي يعد أحد أبناء الرئيس.
alzorqa