شكراً أيها المستبدون.. لأنكم تفعلون كل هذا!

شكراً أيها المستبدون.. لأنكم تفعلون كل هذا! - خالد سلمان

سأمنح لنفسي الحق في أن أفترض افتراضات ثلاثة:
سأفترض أولاً أن قضاء هذه البلاد غير مخوزق، وأنه على تماس مباشر مع صوت العدل الإلهي، وأن من يجلسون على منصته، لا يخفون تحت دروبهم، -دروب العدل- بزاتهم العسكرية وأرقامهم الأمنية المتسلسلة، وبطائق الحزب الحاكم.
وسأفترض ثانياً، في شخصي قاضياً، يحمل في داخله غلاً وكل مترادفات الكراهية لهذا النظام.
وأخيراً سأفترض أن من يقف قبالتي متهماً هو صديقي عبدالكريم الخيواني، وأن عليَّ أن أنطق بالحكم في قضيته الموسومة بـ«قلب نظام الحكم». ولأني أكره نظام الحكم، بما يفوق كراهية كل البشر، سأصدر ضد الخيواني باطمئنان قلبي، الحكم التالي:
بتفويض من العدالة الإلهية، وإستجابة لصوت السماء، وباسم الشعب، يحكم على الخيواني بالإعدام مرتين، «مرة شنقاً ومرة أخرى بإطلاق الرصاص» حتى الموت.
حيثيات الحكم: بما أننا نتمنى زوال هذا النظام، وبما أن النظام الفاسد مقلوبا على وجهه ورأسه، ويمضي بسرعة الضوء صوب حتفه، فإن محاولة عبدالكريم الخيواني قلبه يعني، بالحساب المنطقي للأشياء، إعادته إلى الوضع الطبيعي. مما يضاعف من آلام المحكومين، ويضخ في جسمه المتخشب الآيل للزوال السنوات من العمر الاضافي، والشقاء الإنساني لقاطني هذه الأرض.
مرة أخرى سأمنح لنفسي الحق، في أن أخلي كرسي القاضي، والعودة إلى مربع المراقب السياسي للشأن اليمني وأسجل التالي:
 السلطة واهمة، إن هي ساورها الإعتقاد، أن هناك من يتربص بها، ويعمل لإسقاطها، فهي بكل الحسابات والدلائل والمعطيات (ساقطة)، وأن من يحرك ترسها ويرسم سياسات أدائها، هو وحده من يمتلك «شرف» حفر قبرها ومواراتها الثرى.
في سجل الحكم من الضبط والآثام ما يجعله خارج احتياجات الناس؛ ففي المعيار الأخلاقي هو حكم كذوب، يسند ظهره على مكنة صدئة، لإعادة إنتاج الكذب، ونثر وعود الزيف، في مساحة رقعتها هي كل اليمن.
في السياسة يتدحرج إلى ما دون قاع الأسفل. في الاقتصاد عطن وعفن وفساد يغشى كل الآفاق. في السلم الأهلي نافورة دم تنشع من جنباتها كل ملوثات الإستقرار والكراهية.
خصومة النظام لنفسه، وقدرته الاستثنائية على التدمير الذاتي للحمة الوطنية، باتت معلماً فاضحاً (أطلس) للاستبداد.
خصومته لمحكوميه فاقت كل التقديرات، بما فيها ممكنات المفاضلة بين احتمالات الأسوأ و الأقل سوءاً، حمام دم في صعدة، كتب في لوح القادم أن الحكم أضعف من كل خبل غطرسته الخطابية، وأن تكسرات عظامه قد سُمعت في كل اليمن، حتى وإن تبدَّى لنا ممعناً حد الإسراف، في استخدام القوة، فإن حاصل هذا الآخر في العنف، هو مؤشر تفكك وإنحلال وإنهيار. ما لا يفهمه هذا الحكم أن مياه التغيير قد تدفقت من تحت قدميه، وهامش المناورة قد ضاق، واللعب بمركبات التناقضات، المخلقة في مطابخ الحكم، تشهد الآن استفاقة ولاَّدة، لوعي سياسي جديد.
فالقبيلة في ظل جيل سياسي شاب، يتحمل رؤى قادرة على إختراق تقليدية التحالفات، وأنها قد تخطت مسارات الإنقياد. ولعل استثنائية فكر السياسي الوطني حميد الأحمر في الانتخابات الرئاسية، تحمل مؤشرات ودلالات حوامل أخرى، ترفد السياق الجمعي للتغيير، بقوة فعل جديدة، تكون فيها القبيلة رديفاً لكل الوطن لا عصياً يوظفها الحكم في إعاقة سير دواليب التغيير، أو مصدراً لتأبيد استبداد حكم. ضحاياه كل الوطن.
وفي عدن تنفلت تربة المظالم، على فكر سياسي بديل لثقافة العنف وسلطة الدبابة، في رسم آفاق التغيير. إنه وعي التحرر السياسي المدني الآخذ بالتشكل والنضج والإتساع ليشمل عموم الخارطة. فكما هو حال مظالم عدن، تتماثل حد التقارب مظالم كل البلاد، جذوة الرفض التي أوقدتها مدينة عدن، سترسل إشعاعاتها، وستصنع نموذجها المتميز بثورة بيضاء، تطيح بالإستبداد، دون الحاجة لإراقة قطرة دم واحدة.
إنها ثقافة العصيان المدني الشامل.
إذن والحال هكذا: دم وجوع وأفق مسدود, يبقى السؤال: من يطيح بالسلطة ويعمل على قلب نظام الحكم؟
من يسحب البساط ويخلع الديباج عن الطغاة؟
الإجابة:
نظام الاستبداد هو من يفعل كل هذا, هو من يحفر قبره، ويعجل بأفول نجمه، وبتسريع ساعة الرحيل.
شكراً أيها المستبدون!
[email protected]