نداء انساني: إعلام بحاجة إلى... (1)

نداء انساني: إعلام بحاجة إلى... (1) - هدى جعفر

قال أنيس منصور يوما ما إن الإنسان "حيوان تلفزيوني"، بمعنى أنه يستقي أفكاره من التلفاز، والتي تتحول مع مرور الوقت إلى سلوك نمطي يتبعه الفرد تلقائيا دون تفكير أو مراجعة للذات. وهي العبارة التي أثارت حنق الكثيرين. وكثيرا ما دافع أنيس منصور عن نفسه. مع أني أرى أن كلمته صحيحة حتى بدون كلمة "تلفزيوني"!!! وينطبق هذا الكلام على جميع الشعوب بمن فيهم "الخواجات". فكثيرا ما سمعنا عن المراهق الذي قفز من بناية عالية تشبُّها بسوبرمان. والفتاة التي توفيت من أثر الرجيم القاسي (أعوذ بالله من الشيطان والرجيم) تشبّها بكامرون دياز في فيلم (something about Marry). ولذلك، للصورة أو الفكرة المقدمة من خلال العمل الإعلامي، أهمية خطيرة.  ولكن ما قدمه لنا إعلامنا كان مشوها للواقع؛ حيث أنه اختزل شرائح المجتمع المختلفة في صور نمطية ظالمة لهذه الشريحة وللمشاهد العربي، والذي هو مشاهد غير قارئ يعتبر التلفاز مصدره الأول للمعرفة. وتبدأ سلسلة هذه الأخطاء منذ الخمسينيات، أي منذ أن دخل الشيطان المكعب البيت العربي، بداية بصورة معلم اللغة العربية، حيث يأتي دائما دميما, سيئ الخلق, يتناثر اللعاب من شدقيه، أو هو مدرس جاهل, مكروه من قبل التلاميذ. بينما يأتي مدرس اللغة الانجليزية أو الموسيقى، ملاكا يمشي على قدمين. ومع أني لست من مؤيدي نظرية المؤامرة، إلا أني أشك في هذه النقطة بالذات، خاصة عندما يستمر الأمر لأكثر من ثلاثين عاما. وبعد مدرس اللغة العربية يأتي الطبيب النفسي بصورته الدائمة: الطبيب المخبول, غريب الأطوار, بشعره المنكوش، والذي يتصرف كحيوان بري؛ مما أدى إلى بتر العلاقة بين الفرد العربي  والطبيب النفسي أو توترها على الأقل، ومن يفكر في دراسة هذا الطب فقد دخل عالم المجانين بلا رجعة. وطبعا للمرأة نصيب الأسد في مسيرة التنميط الإعلامي. فمثلا المرأة العاقر تظهر دائما قاسية, شيطانية الطباع, تسكنها الهواجس. أما المثقفة فهي قبيحة الشكل, مهملة لمظهرها, فاشلة اجتماعيا، تظهر دائما معقوصة الشعر، وترتدي نظارة "كعب كباية" كما يسميها إخواننا المصريون، وغير متزوجة. وهذا يحمل رسالة خطيرة  تقول للفتاة: لا تتثقفي حتى لا تُعنّسي. أما الفتاة التي فاتها سن الزواج فهي حتما تعيسة, متوترة اجتماعيا,  سلبية, وأحيانا تلاحق الرجال بشكل مناف لكرامة الأنثى، وكأنه ليس بإمكان هذه الفتاة أن ترضى بقضاء الله وتعيش سعيدة دون عُقد. هذا وهناك الكثير من  الصور والأفكار المنمطة  التي يصر الإعلام العربي على تقديمها، على الرغم من تطوره التكنولوجي، إلا أن أفكاره ما زالت ترتدي زي الخمسينيات المهترئ. ونكمل في الأسبوع القادم.  
 
[email protected]