عن " اليمن ومعاهدة جدة "

محسن العمودي يكتب عن " اليمن ومعاهدة جدة "

ترتبط السعودية مع البحرين بجسر بحري يطلق عليه: جسر الملك فهد. وللسعودية نفوذ كبير في الجزيرة الصغيرة المملكة لاحقا. ومن خلال هذا الجسر أصبحت البحرين وفنادقها -بما تحويه من مراقص وبارات- مكانا يؤمه السعوديون خلال فترات الإجازات الأسبوعية والموسمية، ويمارس فيه أبناء الشقيقة الكبرى ما لذَّ لهم وطاب من الفجور والفسوق، في بلد عُرف تاريخيا بسلوك أبنائه الراقي والمتحضر، عدا شهيتهم المفتوحة لاحتواء الجيران وابتلاع المزيد من الأرض، ولكن يبدو الآن أن الجسر قد امتد وأصبحت قبلته جنوبا لا شرقا أو شمالا.
معاهدة جدة، الموقعة بين اليمن والشقيقة الكبرى في شهر يونيو العام 2000م، وهو شهر ارتبط في أذهاننا بالكثير من المآسي والنكبات، بدءا من هزيمة العام 67م ومروراً بضرب المفاعل النووي العراقي وانتهاء بغزو لبنان واحتلال بيروت، استبشرنا جميعا بتوقيع المعاهدة من منطلق انه ملف استنزف البلدين لمدة أكثر من نصف قرن، وإغلاقا له وان تنازلنا نحن أو هم، ففي نهاية المطاف نبقى جميعا أبناء جزيرة واحدة ننتمي إلى نفس القومية وندين بنفس الدين.
إلا أن الباعث لمقالتي هذه انطلق أولا من أننا على أعتاب شهر يونيو والذكرى السادسة للتوقيع أو الوقوع، وثانيا لأن ما لمسناه ونراه كل يوم وعقب التوقيع عليها، لا يبشر بأي خير، حتى أن احدهم شبهها باتفاقية " سايكس – بيكو" السيئة الصيت، لأن ما يحدث، وتحديدا في محافظة حضرموت، من استيلاء متنفذينا وعسكرينا على المساحات الشاسعة من الأراضي ثم فجأة وبقدرة قادر تؤول إلى مستثمرين من حملة التابعية السعودية، يدعو للشك والريبة، فهل في المعاهدة بنود أو ملحقات سرية تسمى تأدبا وبلغة الدبلوماسية أو بلغة القانونيين بملاحق إضافية أو تفسيرية؟ حتى أن هناك أنباء عن صفقة بدأت تفوح رائحتها في "المكلا" عن عزم مجموعة من لدن الشقيقة لإقامة ميناء نفطي يخضع تماما لإشراف الجارة، دون اخذ في الحسبان سيادة وطن أو دساتيره أو قوانينه. أو أن ما يحدث في حضرموت وبعض المحافظات اليمنية الأخرى هو امتداد لـ"وعد بلفور" المشؤوم، أن يعطي من لا يملك وعدا لمن لا يستحق.
عموما يحق لأبناء تلك المحافظات المعنية على اقل تقدير أن يعلموا بتلك الصفقات التي تعتمل، وهل هي صفقات أم صفعات على وجوهم؟ فابتدءاً من ما أسميناه تعففا بالزواج السياحي بحرائرنا في اللواء الأخضر،ومرورا بتحويل عدن إلى ماخور، وانتهاء بالاستباحة في حضرموت، لا نعتب على الأشقاء فيما يفعلون، فقد خبرناهم وخبرنا ثقافتهم ومجلتهم التي تصدر عن إحدى جمعياتهم في المكلا خير دليل، من ترويج مبتذل للشيخ المهندس أو الشيخ الدكتور الشاعر، الذي تفجرت مقدرته الشعرية فجأة وبعد تجاوزه الخمسين أو الستين عبر شراء الأدبيات من كاتبيها مقابل حفنة ريالات، حتى أن رئيس الجمعية ومؤسسها لم يتورع، بل ويؤكد دون حياء أو وجل بأنه لم يحب مدينة جدة السعودية ويقع في هواها إلا من محبته له، فالعتب أو اللوم عادة يكون من محب حريص على مودة الملام وعلى احتمال عودته إلى جادة الصواب، إلا إننا وبحق نتساءل ونسأل ولاة الأمر لدينا: هل تمت الصفقة -الصفعة- ونحن عنها ساهون؟ وألا يحق لنا معرفة الحقائق بوضوح وشفافية؟ وهل استفاد البسطاء في ارض السعيدة من إغلاق الملف ومن قدوم جسر المستثمرين متدثرين بعباءاتهم ومشالحهم؟ العديد من التساؤلات التي لا نجد لها الإجابة، وأي سلطة هذه التي لا تحافظ على كبرياء أبناء شعبها، ولا على الحد الأدنى من كرامتهم، ولا على المطالبة بحقوقهم المادية والمعنوية التي انتهكت من الشقيقة وما أكثر انتهاكاتها!
ألم يكن الأئمة والسلاطين اشرف واطهر من حكامنا وعسكرهم؟ فهم على الأقل لم يفرطوا.
ولا يسعنا إلا أن نترحم على الزبيري والنعمان الأب والابن، ومحمد علي الجفري وشيخان، وعلي سالم الغرابي وصالح بن حسينون، وغفر الله للبردوني، فقد رحمته الأقدار حتى لا يعايش ما نعايشه الآن، فبالفعل لقد "ترقى العار"، وتغمد الله المحضار برحمته وهو القائل:
 
يا حضرموت الفتن والفوضوية
ما بينهم خايف تروحي ضحية
ولا يقع بيع والقيمة دنية
من غير دلال
هيا عسى الوقت يتحسن ويصلح
من حال إلى حال.
------------------------