نافذة.. مستوطنة الكمائن

نافذة.. مستوطنة الكمائن - منصور هائل

لقد تراكمت خبرتي في التوجس من المواثيق والمعاهدات «التاريخية المجيدة» إلى المستوى الذي لم يعد يسمح لي بأكثر من زلة فرح ينضح به منطق البداهة في وهلة البلاهة الأولى.
ذلك ما كان عليه حالي يوم السبت وقد فرحت بإبرام فرقاء السياسة والحرب لحدثين «تاريخيين» في يوم واحد: توقيع على اتفاق بإنهاء الحرب في صعدة بين السلطة و«الحوثيين»، وتوقيع على وثيقة التوافق وضبط قواعد وأسس ومبادئ الحوار بين الحزب الحاكم والأحزاب الممثلة في البرلمان.
كنت أقل من أن أحتمل ما حصل، لأني لم أتأهل بالقدر الذي يكفي لاستيعاب جرعتين من ترياق الفرح، فحسب، وإنما لم أتدرب على امتصاص نصف جرعة فرح ولا أصاب بمقتل!
كانت مصلحة الوطن تدعوني لأن أرفل بالفرح ولو لبضعة أيام، على الأقل، ولكن خبرتي غير السارة نكشت أوجاع الذاكرة وارتكست بي إلى عناوين سابقة كانت تطالعنا بالقول إن الفرقاء قد اجتمعوا وخرجوا وهم «أكثر وحدة من أي وقت مضى» ولم يكد ينصرم الكثير من الأيام، وإذا بنا نسمع البيان رقم (1) وهو يعلن عن حسم المعركة لمصلحة الطرف النقي التقي وهزم الطرف الخائن والعميل... وإلخ.
وتحسست رتق الجيب، أخزاق القلب، «مزق التاريخ في حنجرتي» وأمسي الداعس على غدي، ولم أناوش بقايا عقلي، وليس في العمر بقية تكفي حتى لمجرد اعتذار مقنع لطفلتي مريم ذات السنوات الأربع حول مشاركتي في إيقاعها بصنعاء رغم علمي بأن الرب خاطب «ذوي الالباب».
وبما أني لست منهم (أصحاب الألباب) فقد قلت إن الرب لا يقصدني، وذهبت أسأل: هل سنحتاج إلى تدخل قطر مرة أخرى أم سنذهب إلى مكة؟
وبمعنى أفصح: هل سنلوذ برعاية الملك في مكة أو الأمير في الدوحة من قبيل الاستجابة لطابع المرحلة التي تمر بها المنطقة، وعلى سبيل اللحاق بالفرقاء «الأشقاء» في فلسطين ولبنان والعراق؟
هل سنفعّل الاقتداء أم الاحتذاء؟
وهل نملك الجرأة على الاعتذار عن تخلفنا على مواكبة الركب والقول بأننا لم نتأخر إلا بسبب من اتكائنا على ما ورثنا أو كوننا ورثة لشيء عزيز لا يورث في العادة واسمه: الحكمة!؟
ولن ينقطع بنا السؤال حتى يؤكد لنا «الفرقاء»، بالأفعال، وليس بالاقوال، أن اختلافهم رحمة واتفاقهم لا يستبطن الحرب ولا تستوطنه الكمائن.
mansoorhaelMail